*من البديهيات التي يجب تأكيدها أنّ الحُرية في الإسلام ليست مُطلقة، وإنما هي مُقيّدة، ومُحدّدة بالحدود الشرعية، مُقيّدة بالحلال والحرام، بالتشريع الرباني، بأحكام الشرع في الشريعة الخاتمة، ولا يُوجد حُرية مُطلقة في الدولة المُسلمة، وحرية المرء في البلد المُسلم مُطلقة في جوانب ومُقيّدة في جوانب، كما أنّها تُقيّد بالأنظمة التي تُنظِّمها الدولة المُسلمة فيما ليس فيه معصية لله عز وجل. هذه القضية هي من الثوابت في الإسلام، وهي ركيزة لا تتزعزع ولا تتحرّك، وعليه فإنّ من يُنادي بحُرية مُطلقة ليُمارس ما يُريد ويفعل ما يشاء في ما يقول أو يفعل أو يشرب أو يلبس، فإنّه يُنادي بأمر باطل ومنكر، ويجب عليه أن يستحي من ذلك، فإنه يعلم أن الدول الكافرة لها أنظمة وقيود تفرضها على شعوبها والمُقيمين فيها.
*أؤكد أنّ الحُرية مُقيّدة بالحلال والحرام.. وبالأنظمة التي ليس في العمل بها معصية لله ولرسوله.. وإن من يقيّد الإنسان من أيِّ حرية فهو مُخطئ.. وفي المُقابل فإنّ من يجعل حريته مطلقة غير مُقيّدة بأيِّ قيدٍ فهو مُخطئ.. وهما نقيضان..
*ومن المعلوم غير الخفي أنّ بلدنا السودان دولة مسلمة، والمجتمع مُسلم له خُصُوصياته، وله انتسابه، ونحمد الله أن شعبنا يتميّز بعاطفةٍ دينيةٍ مشهودةٍ، ولذلك تجده يرفض الدعوات الشاذّة والمُنحرفة سواء من دُعاة الفُجُور والتفلُّت ودُعاة تحرير المرأة أو من دُعاة الغلو والتّطرُّف والتكفير.
*من الطبيعي وجود حالات شذوذ في المُجتمع تُريد أن تكون حُرّة من أيِّ قيدٍ حتى لو كانت قيود الشرع الحنيف، فمن سنن الله الكونية وجود حالات تفلُّت هُنا وهُناك، ومن سنن الله الكونية صراع الخير والشر، فلا يستغرب من مظاهر فوضوية، وحالات انحراف مُخجلة، وبُرُوز سُلُوك مُشين بين حينٍ وآخر، فإنّ هذا أمرٌ عاديٌّ، فإنّ شياطين الإنس وشياطين الجن يؤز بعضهم بعضاً، ويُوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، ونحمد الله أن مُجتمعنا واعٍ بقدرٍ كبيرٍ، فإنّه يرفض الفوضى التكفيرية ويرفض الفوضى الأخلاقية، وينبذ الإفراط والتفريط.
*وقد توسّط الإسلام في ذلك كما هي وسطيته بين الأديان.. ولم يكن هديه الإفراط ولا التفريط..
*خُذُوا مثالاً: تملك المال وطرق كسبه ..
*عند الشيوعيين لا تُوجد ملكية فردية، وإنّما هي الملكية العامة فقد تطرّفوا في ردة فعلهم من الرأسمالية وهكذا بردات الفعل تتولّد المَذاهب المُنحرفة.. والنّظام المالي يقوم في الشيوعية التي قَهرت وأذلت شعوبها على ألا ملكية للفرد وبذلك ألغوا حوافز الإنتاج، فإنّ الإنسان بفطرته جَبلَ على حُب التملُّك وهو من أهم ما يُشجِّع على العمل والإنتاج.
*لقد أجرمت الشيوعية في حق حرية التملُّك، وفي المُقابل حَكمت بأنّ الدين أفيون الشعوب !!
*يُقابلهم الرأسمالية الذين أطلقوا للفرد الحرية دُون أيِّ قيدٍ، كما جعلوا الحبل على الغارب في طرق كسب المال بأيِّ طريق كان.. ولذلك برزت الأنانية عندهم كمظهرٍ حاضرٍ لدى الأفراد والجماعات وبات الظلم بمُضاعفات الربا واحداً من أشكال الحُرية لديهم، ولا أدري عن أيِّ حُقُوق إنسان يتحدّث الغرب، ومن أهم أصولهم زيادة الفقير فقراً بسبب مُضاعفة المال نتيجة لتأخُّر الوقت!!
*وفي الإسلام كفلت الشريعة الخاتمة الحُرية في الإتجار والبيع والشراء، وقيّدت ذلك بأن يكون في المُباحات، ورتّبت على ذلك التملُّك للفرد، للرجل أو المرأة وحتى مال الصغير واليتيم والجنين يتاجر فيه لمصلحته ويكون باسمه.. وكَفلت حق التّصرُّف بالإهداء أو الهبة أو التصدُّق أو الشراء أو غيرها وقيدته بالمباح.
*إنّ من يُنادي بحُرية مُطلقة غير مُقيّدة بأيِّ قيدٍ يصادم الشرع والعقل والفطرة، كما أنّ من يجرد الإنسان من أي حرية يصادم ذلك أيضاً.
*وقس بقية الأمور على ذلك.. كالأكل والشرب والأقوال والأعمال وسائر التّصرُّفات.
*إنّ من يُنادون في المُجتمعات المُسلمة في هذا الزمان بالحُرية المُطلقة من غير أيِّ قيدٍ.. هم في حقيقة أمرهم يُريدون أن يخرجوا من قُيُود الشرع التي هي حدود حدّها وشرعها خالقهم وموجدهم ورازقهم ومن يملكهم الله سبحانه وتعالى وقد شرعت لمصالحهم في العاجل والآجل سواء بجلب النفع أو دفع الضر، فإن الرب الحكيم أعلم بما ينفع أو يضر خلقه، قال تعالى: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ). وهم إذا خرجوا من تلك القُيُود دخلوا في قُيُود أنفسهم الأمّارة بالسُّوء أو قُيُود شياطين الإنس والجن.
ومن أجمل ما قال العالم الرباني ابن القيم في نونيته :
هربوا من الرق الذي خلقوا له
فبلوا برق النفس والشيطان.