الخطوط البحرية.. البكاء على الأطلال
مدير عام أسبق: نسعى لإعادتها واسترجاع أصولها التي قامت على أنقاضها (سنجنيب)
مسؤول سابق: تجاوزات قانونية خطيرة صاحبت قرار التصفية
إداري: نتوقع إجراءات تصحيحية من الحكومة الحالية وإعادة الأمور لنصابها
سنجنيب: نعمل في صمت والحديث عن حلها أكثر من غريب
تحقيق محيي الدين شجر
في 29 مايو 2017م أصدرت الحكومة السودانية قراراً بتصفية الخطوط البحرية السودانية، وتسجيل شركة جديدة بديلة تحمل اسم (سنجنيب)، وسنجنيب هذه هي إحدى الجزر المشهورة بالبحر الأحمر
وقع هذا القرار كالصاعقة على الذين يعرفون تاريخ الخطوط البحرية السودانية واسمها الكبير وسط الشركات البحرية العالمية.
وقتها قال وزير النقل والطرق والجسور مكاوي محمد عوض لدى استعراضه أداء وزارة النقل والجسور أمام البرلمان، إنهم قاموا بتأسيس شركة بديلة للخطوط البحرية وتقسيم أسهمها لسهمين فقط أحدهما باسم وكيل وزارة المالية والثاني باسم وكيل وزارة النقل، وإنهم اشتروا (3) بواخر مستعملة عن طريق البيع الإيجاري كخطة إسعافية لإحياء الشركة، وإن العمل يجري في إنفاذ الاتفاقية الإطارية مع شركة (بولي) الصينية لتنفيذ مشروع إعادة بناء الأسطول البحري للشركة.
وتبخّر حديث مكاوي في الهواء، حيث لم ير الناس أي جديد يتعلق بتطوير الشركة الجديدة.
(الصيحة) وبمدينة بورت سودان مقر رئاسة الشركة القديم وقفت على صدى قرار النائب العام الأخير رقم (24) بالتحقيق في التصرف في أصولها، كما تلمست الأسباب الحقيقية التي أدت إلى انهيار الخطوط البحرية السودانية (سودان لاين) في فترة حكومة الإنقاذ .
الأطلال
مقر الشركة بمدينة بورت سودان أصبح الآن أشبه (بخرابة) ينعق فيها البوم، ولا شك أن كثيرين يتذكرون الأيام الخوالي حينما كان يضج بالحياة.
الموقف الآن
المدير العام الأسبق للخطوط البحرية النوراني يوسف دفع الله تحدث لـ (الصيحة) مندهشاً من قرار تصفية الخطوط البحرية السودانية قائلاً: سياسة التحرير حينما طبقتها الإنقاذ عام (92) لم تفرق بين الشركات الاستراتيجية والشركات التجارية الأخرى وكون أن الإنقاذ لم تقُم بالتخلّص من الخطوط البحرية، إلا أنها تعمدت إهمالها وتركتها تصارع وحدها دون أن تقدم لها أي دعم.
مضيفاً: الآن وبعد زوال حكم الإنقاذ نسعى ومجموعة من الحادبين على مصلحة الوطن لإلغاء قرار تصفيتها وإعادة الخطوط البحرية من جديد باسترجاع أصولها من شركة سنجنيب التي قامت على أقاضها.
وأضاف: كنا خلال الأيام الماضية قد نظّمنا مُنتدىً جامعاً بمشاركة عدد كبير من الكفاءات السودانية، ومن خلال المنتدى تكوّنت عدة لجان وانعقدت اجتماعات مع وزير النقل ومع مجلس الوزراء ومع وزير التجارة وتبقى لقاء أخير مع وزير المالية لإعادة سودانير وسحب أصولها من شركة سنجنيب التي لم تقدّم شيئًا بعد تكوينها.
وقال إنهم وجدوا دعماً كبيراً من السودانيين بدول المِهجر مبيناً أن عودة سودان لاين يتطلب كذلك وضع الخطط التي تمكنها من النجاح والتقدم لأن المهم بعد قرار عودتها أن تكون هنالك خطط واضحة لنهضتها وتقدّمها .
أسباب التدهور
من جهته قال عبد الرؤوف بابكر المهدي مدير شركة الخطوط للركاب السابق لـ(الصيحة)، إن من أسباب تراجع خدمات الشركة قبل تصفيتها أنها تعرّضت لهزات عنيفة أهمها:
1/ السياسات الخارجيه الخرقاء للنظام السابق التي أثرت سلباً في حركة صادرات وواردات البلاد.
2/ إحجام الدولة عن تقديم أي شكل من أشكال الدعم للأسطول الوطني.
3/ التعيينات التي اهتمت بالولاء بلا كفاءة في وظيفة المدير العام ورئاسة مجلس الإدارة وكثير من الوظائف القيادية أدت إلى اضطراب النظُم واستباحة القوانين واللوائح.
4/ تشريد الكفاءات البحرية التي تتمتع بالقدرات العالية والخبرات عبر قانون الصالح العام وإلغاء الوظائف وتوفيق الأوضاع وممارسة سياسات الإقصاءات الكيدية.
5/ التخلّص التدريجي من الأسطول بالبيع لسداد المديونيات التي خلفتها سياسات الإدارات المتعاقبة والتي قادت إلى حجز البواخر في الموانئ الخارجية بسبب هذه المديونيات مما عرّض الشركة لخسارات كبيرة.
6/ ممارسة أصحاب النفوذ والولاءات والنقابات سياسات مدمرة بالتدخل في صميم العمل الإداري ومراكز صناعة واتخاذ القرار وفرض آرائهم على الإدارات وإقصاء مخالفيهم الرأي.
مضيفاً: كل هذه الأسباب أدت إلى تراجع مستوى خدمات الشركة، وأضعفت قدراتها وموقفها التنافسي، وأفقدتها عملاءها داخل وخارج السودان حتى اكتملت فصول المؤامرة ضد الخطوط البحرية ونهب ممتلكاتها بصدور توجيه من رئيس الجمهورية السابق في الخامس من يوليو 2015 بحل وتصفية الشركة وإنشاء شركة بديلة وتم تعيين اللجنة الفنية للتصرف في مرافق القطاع العام مصفياً لشركة الخطوط البحرية السودانية، وكان هذا القرار بمثابة انفجار صاعق للاقتصاد الوطني.
بيع البواخر
وتحدّث مصدر مطلع عن أسباب تصفية الخطوط البحرية قائلاً: إن تصفية الشركة جاء في محاولة للتخلص من اسم الخطوط البحرية السودانية بسبب الحصار المفروض على البلاد، وأقر التقرير بوجود باخرة واحدة بعد التصفية آلت للشركة الجديدة، وهي باخرة دهب، وقال:
الباخرة دهب هي الماعون الوحيد الذي يعمل حتى تاريخ التصفية، وجاءت في وقت هاجرت فيه الكوادر البحرية التي أهلتها الخطوط البحرية ودرّبتها وارتبطت بمخدمين آخرين مما اضطر شركة سنجنيب لاستيعاب ضباط ومهندسين وعمال من جمهورية مصر العربية حتى بعد انتهاء الالتزامات التعاقدية التى نص عليها عقد الشراء والتي كانت تلزم الشركة بنسبة محددة من الطاقم المصري إلى حين سداد الأقساط وذلك لتغطية العجز في الكوادر المؤهلة.
وحول بيع بواخر سودان لاين، قال: الباخرة النيل الأبيض كانت متوقفة عن العمل منذ العام 2008 لأسباب فنية، وتم بيعها بواسطة شركة سنجنيب (عبر لجنة التصفية).
مضيفاً: تمَّ بيع خمس من البواخر القديمة في آواخر العام 1979 وبداية العام 1980م وهي: سنار، الجزيرة، كردفان، شندي ومريدي، بعد استلام البواخر الثماني الجديدة أي أن أسطول الشركة من البواخر أصبح فى العام 1980 عشر بواخر فقط، ولاحقاً ولأسباب مالية وتجارية وفنية تم بيع عدد من البواخر بين الأعوام 1994 و 2014 م هي الباخرة أمدرمان التي بيعت في العام 1994، الباخرة نيالا – 1996، الباخرة مروى والباخرة الخرطوم 1997، الباخرة الأبيض والباخرة الضعين 2002، الباخرة دنقلا والباخرة القضارف 2003 ، الباخرة الجودى والباخرة النيل الأزرق 2004 الباخرة دارفور 2014. النيل الأبيض 2017
وزاد بقوله: فى العام 1992 وتمشياً مع سياسة وتوجه الدولة بالخروج من الأنشطة التجارية، تمّ إدراج الشركة في قائمة الشركات الحكومية الخاضعة للخصخصة وتقدمت شركة واحدة بعرض لشرائها بمبلغ دولار واحد للسهم رغم أن الشركة كانت تمتلك بواخر بحالة جيدة وأصولاً معتبرة، ولذلك لم يجد العرض القبول.
تجاوزات
وأشار عبد الرؤوف بابكر المهدي إلى تجاوزات قانونية وإجرائية صاحبت قرار حل الشركة قائلاً: التوجيهات التي أصدرها الرئيس السابق في يوليو 2015 احتشدت بالكثير من التجاوزات القانونية والإجرائية، وجاءت مخالفة للعديد من مواد دستور السودان للعام 2005 ومن أبرز تلك التجاوزات:
أولاً: شركة الخطوط البحرية السودانية هي الناقل الوطني لجمهورية السودان، ولقد كانت تمارس نشاطها التجاري كالمعتاد وحتى ساعة تصفيتها، والتزمت بسداد مستحقات العاملين بها دون تأخير، ولم تكن مدانة لأي جهة، كما أن الشركة كانت تمتلك من الأصول ما يؤهلها أن توفق أوضاعها وتنافس من جديد في سوق النقل البحري الإقليمي والعالمي بالتدرج، وأن أملاكها وأصولها الثابتة والمتحركة تفوق ديونها إن وجدت، وتوجيه رئيس الجمهورية السابق بحلها وتصفيتها أدى إلى تسريح أكثر من 284 عاملاً، الشيء الذي يتعارض والدستور، إذ جاء هذا القرار مانعاً للعيش الكريم لعدد كبير من المواطنين ومتسبباً في حرمان ولاية البحر الأحمر من مؤسسة تشغيلية كبيرة تستفيد من نشاطها قطاعات كبيرة من الخدمات المختلفة، كما أن القرار يلقي بظلاله على الاقتصاد الوطني بحل الناقل الوطني البحري الوحيد.
ثانياً:- على صعيد التجاوزات القانونية نجد كذلك أن وزارة المالية مارست خروقات واضحة في أمر تسوية استحقاقات العاملين التي انتهت خدماتهم بتصفية الشركة بقرارها رقم (2016/205) والذي احتسب هذه الاستحقاقات باللائحة القديمة،ولم يعتمد التعديلات التي أجراها مجلس الإدارة على اللائحة في يناير العام 2016 رغم أن القرار بالرقم (1996/56) منحها الاستقلال المالي والإداري.
ثالثاً: الدولة تمثل الراعي لنشاط الشركة، وكان الأجدر بها أن تقوم بدعمها بدلًا من حلها وتأسيس شركة بديلة على مكوناتها تشجيعاً للاحتكار بواسطه فئة معينة.
رابعاً: جاء في قرار حل وتصفية شركة الخطوط البحرية السودانية أن رئيس الجمهورية لدى اجتماعه بوزير النقل والطرق والجسور في 25/6/2015 وجه بحل شركة الخطوط البحرية السودانية وتصفيتها وإنشاء شركة بديلة، ونجد أن القرار يفتقر إلى المؤسسية لأنه لم يستند إلى أسس أو دراسة أو توصية من جهه فنية، بل جاء مؤكداً لسطوة وسلطة الرجل الواحد.
خامساً: القرار الصادر في 5 يوليو 2015 بحل وتصفية شركة الخطوط البحرية السودانية جاء مخالفاً للدستور، إذ أن هذا القرار تغول على سلطات الجمعية العمومية للشركة الذي كفل لها قانون الشركات حق تقرير التصفية من عدمه دون أن يمنح هذا الحق لسواها.
سادساً: قيام شركة بديلة لشركة الخطوط البحرية السودانية الناقل الوطني المعتمد لجمهورية السودان كان ينبغي أن يراعى فيه أن تقوم الشركة البديلة بنفس مهام ورسالة الناقل الوطني بحيث تكون شركة وطنية خالصة، وناقلاً بحرياً يلبي طموحات وأهداف واستراتيجيات البلاد ودواعي وأهمية وجود ناقل وطني.. لكن الشركة الجديدة أسست على قرار الشركات الاحتكارية الخاصة، ولم تستطع برغم مضي أكثر من ثلاثة أعوام على إنشائها من تحقيق شيء يُذكر في هذا النشاط المهم أو إضافة جديد لهذا الحقل.
سابعاً: حملت الشركة الجديدة اسم (سنجنيب للخطوط البحرية)، وهذا الأسم لا يحمل أي مدلولات أو أبعاد وطنية أو حتى ما يشير أن له علاقة بالوطن مما يؤكد أن الشركة أسست كشركة خاصه قامت محل شركة وطنية قومية.
ثامناً: قيام وتأسيس شركة (سنجنيب) تم في إطار سياسه التمكين والتعتيم، إذ لم يصحب قيامها أي إعلان للراغبين بشأن المساهمة والإكتتاب في رأسمالها وكان من الممكن أن يحقق ذلك العديد من المزايا من خلال فتح مجال المشاركة لجهات تملك القدرة المالية والإدارية والخبرة في مثل هذا النشاطز
تاسعاً: (سنجنيب) الشركة التي قامت بديلاً للخطوط البحرية السودانية، ورغم مضي أكثر من ثلاثة أعوام على إنشائها إلا أنها لم تقدم شيئاً يذكر للدولة، ولا للنقل البحري .. وظلت طيلة تلك الفترة تحتمي بأصول الخطوط البحرية ومنسوبيها وزبائنها، وفشلت في إضافة أي أصول من بواخر أو آليات أو معدات، كما أن هذه الشركة فشلت في استقطاب أي عميل لخدماتها في مجالات التوكيلات الملاحية والشحن والتفريغ والتخليص والترحيل وخلافها من الأنشطة.
عاشرًا: إضافة للمهام الإستراتيجية والاقتصادية والأمنية التي كانت تلعبها شركة الخطوط البحرية السودانية المحلولة فلقد كانت البحرية واحدة من أسباب استقرار منطقة شرق السودان.. فهذه المنطقة تعاني من محدودية المؤسسات التي تستوعب العمالة من أبناء الولاية.
وقال: لكل ذلك، نتوقع اتخاذ إجراءات تصحيحية من الحكومة الانتقالية تعيد الأمور لنصابها بإلغاء قرار الرئيس المخلوع الصادر في 2015 والقاضي بحل وتصفية شركة الخطوط البحرية السودانية وحل شركة سنجنيب.
سنجنيب ترد
مصدر مطلع بشركة سنجنيب أكد لـ (الصيحة) أن شركة سنجنيب تعمل في صمت ومجهوداتها ظاهرة للعيان، ولقد ساهمت الباخرة دهب في أحد المواسم في فك ضائقة المعتمرين وكانت الباخرة الوحيدة العاملة وقتها، وحققت عوائد مالية معتبرة، لكنها تعرضت الى عطل فني لا دخل للإدارة فيه، نتيجة لقدم ماكينتها، وكلنا يعرف الحصار المفروض على السودان، وقال إن شركة سنجنيب لم تفشل وتعمل بصورة طيبة فيما يتعلق بالتوكيلات وخدمات الركاب وفي التخليص وأبرمت عقوداً ضخمة من شركات كبيرة.
وقال إن الحديث عن إبرام اتفاقات لشراء بواخر جديدة متوقف على الموقف المالي للسودان وضمانات من بنك السودان ..
واستغرب المصدر الحديث الذي يدور عن إعادة الخطوط البحرية السودانية.