إن القييم الإعلامية المرتبطة بأهمية الأحداث الخبرية من حيث الحالية أو الفورية وشكل الصراع ومكان وقوع الأحداث يعتبر استدال الستار على محاكمة المتهمين بمقتل الشهيد أحمد الخير وأحداث الجنينة حاضرة غرب دارفور أهم حدثين بارزين لتشكل اهتمام الإعلام عموماً وصحافة الخرطوم يوم أمس الثلاثاء لكن الذي طالع صحافة أمس يتأكد من أزمة إعلامنا المحلي وصناعة أجندته وأن الأجندة الإعلامية تصنعها المنابر السياسية وليست مهنية وحرية الصحافة كما يتأكد من المتابعة أن إعلامنا جالس ويعاني من أزمة مزمنة، وهي جزء أساسي من مسببات الصراعات وإنتاج خطاب المركز والهامش في السودان، فليس هناك أي مبرر ومنطق يجعل الإعلام يتجاهل الفتنة التي تدور في مدينة الجنينة، ولا تقدم صحافة الخرطوم أي معلومات لحدث وطني مهم، ولم تقدم صحافة الخرطوم ونشطاء الوسائط أي تحليلات إخبارية ولا تفسيرات موضوعية توضح طبيعة الأحداث وحجمها وعدد الضحايا، وحجم الدمار والخراب الذي حدث للموارد وممتلكات المواطنين.
لا يوجد أي منطق يجعل الإعلام المركزي يتجاهل قيمة أحداث الجنينة المكانية والزمانية، ويعجز أن يقوم بدوره ووظيفته الإخبارية ومهامه ووظائفه في جمع وتحليل المعلومات بغرض التوعية وتمليك الحقائق والضغط والتأثير على الحكومة والرأي العام ودفعهم للاهتمام بالقضية ومحاصرتها حتى لا تتفاقم ويتنامى معها التطرف الاجتماعي والقبلي ويتوسع الغلو السياسي، وتتحول الأوضاع من حدث عابر إلى فتنة كبرى تهدد الأمن القومي والاستقرار المجتمعي، وتعطل مسار السلام والتحول الديمقراطي، ومعلوم مع الأحداث والفوضي يتدخل الطفيليون الاقتصاديون والسياسيون وتجار المواقف ويوسعون الفتق.د
إن الذي يراقب الموت في الجنينة أقصى الغرب والدمار وعدم انفعال النخبة والرأي العام بها وأنه لا أحد يشعر بالألم وحجم الضرر، ولو من ناحية أخلاقية وإنسانية، هذا يجعل مجتمع الجنينة كنموذج لغرب السودان يشعر بأنه أقل قيمة من غيره في الاهتمام وربما يتولد عنده غبن يجعله على أهبة الاستعداد لأن يسبب للآخرين آلاماً ومصائب أكثر عمقاً تحت غضب وغبن إزالة تلك الهوات الأخلاقية والإنسانية والتمييز الذي يشعرهم بانتهاء القيمة البشرية والمفارقة التي ستحولهم الى كتلة موت وشعلة غضب يخلصهم من عدم الحرية والمساواة الذي يحسون به, فإن هذا لا محالة سيؤدي إلى تخريب شامل ويعيدنا إلى مربع الشر ليس في دارفور، ولكن في كل أرجاء الوطن، لحظتها لم يعد هناك ناشط بمقدوره أن يتفوه بشعار ـ ( يا عنصري ومغرور كل البلد دارفور)، وهو الشعار المنطوق الذي سقط أخلاقياً في الامتحان العملي واتضح أنه مجرد تلاعب بالمشاعر لتحقيق أهداف ومقاصد فئة ضيقة من الناس، ولا علاقة للشعار بمصالح وهموم أهل دارفور الحقيقية، وأن مطلقيه غير مستعدين لسداد ضريبته وإلا أنهم اليوم يموتون وتخرب بيوتهم ويستمر مسلسل التشريد والخرطوم تسهر مُهيّصة على أنغام وموسيقى الدي جي والجاز دون أن يطرف لها جفن .