الشهيد أحمد الخير.. إعدام القَتَلة
المحكمة تقتص من (29) مداناً من منسوبي جهاز الأمن والمخابرات
القاضي يُبرِّئ 7 ويُدين 2 بالسجن ثلاث سنوات
أولياء الدم يُطالبون بالقصاص
الخرطوم: أم سلمة العشا
تفاؤل وحذَر سيطرا على المشهد الأمدرماني يوم أمس، الأجواء مشحونة ومفعمة بالانفعالات في ذلك اليوم الاستثنائي، الكل يتهامَس ويردد الحل في (130)، طرقات وشوارع المدينة وممراتها وأزقتها لم تشهد اكتظاظاً من قبل بهذه الكيفية، الانتشار الكثيف لسيارات الشرطة، وإخلاء المارة والمواطنين من المنطقة، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك من الترقب لإحداث أمر ما من قِبل الموجودين، الإجراءات الأمنية والتحوطات الاحترازية لم تشهدها المدينة في السابق، المناصرون من قبيلة المعلمين، يتوشحون بصور الشهيد المعلم أحمد الخير.
إجراءات مشددة
امتلأت قاعة المحكمة، ما اضطر كثيرين للوقوف على جنبات القاعة، فالكل كان يلح بحضور الجلسة المفصلية ذات المشهد الساخن، وبالرغم من التداعي الإعلامي الكثيف لكافة الوسائل المختلفة، إلا أن كثيرين لم يتسنى لهم الدخول، وظلوا خارج القاعة، وإلى جانب العديد من المحامين اللذين وردت أسماؤهم في الكشوفات المعتمدة، الشرطة وفقاً للتوجهات والأوامر الصادرة من قبل السلطات العليا واجبها تنفيذ ما طُلب منها دون تدخّل في الأمر، اللافت في الأمر حضور عدد مقدر من أفراد ربما يتبعون لجهاز الأمن، ونسبة لضيق القاعة كان الزحام والنبرات العالية، من قِبل الذين لم يحالفهم الحظ من الدخول تعلو من حين إلى آخر، غير أن الإجراءات الأمنية المشددة كانت تسيطر على الموقف بكلياته.
مطالبة بالقصاص
أولياء الدم شكلوا حضوراً باكراً تفادوا جرجرة الإجراءات الأمنية، الأسرة جميعها كانت تضع كل ثقتها في القضاء السوداني، مستبشرين بتحقيق العدالة الناجزة، ذرف شقيق المرحوم الشهيد أحمد الخير دموعاً انهمرت كالسيل، لحظة استدعائه من قِبل القاضي ليضع أمامه خياري القصاص والعفو عن المتهمين إن شاء ذلك، لم يتمالك سعد الخير نفسه، وبدا منهاراً أمام الجميع، لكن سرعان ما استعاد قوته، قال أصالة عن نفسي وورثة أولياء الدم نُطالب بالقصاص لجميع المتهمين الذين صدر في حقهم الإعدام.
حيثيات ووقائع
بدأ القاضي د. عبد الرحمن الصادق الفكي، يسوق مجريات القضية منذ التكليف الذي قبله، حسب الوقائع والحيثيات التي أمامه، فالقضية حساسة من الدرجة الأولى، فالرجل يتمتع بقدر عالٍ من الشفافية، سرد خلالها وقائع القضية وفقاً للقانون، واستند على قراره الذي أصدره على المتهمين في القضية من منسوبي جهاز الأمن والمخابرات، على إفادات وأقوال بعض الشهود التي تعضد القرار، فالرجل لم يترك شاردة ولا واردة إلا واستند على نص قانوني درجت عليه المحاكم العليا، وأرسته حكومة السودان وفقاً للقانون الجنائي، بجانب ما اتسم به من مرونة وسماحة أخلاق في التعامل مع كل من هيئتي الاتهام والدفاع في القضية، ووفقاً للبلاغ المدون بقسم شرطة الأوسط بمدينة كسلا، يفيد بوفاة المواطن أحمد الخير عوض الكريم، وتم تحرير أورنيك (8) جنائي تم نقل الجثمان إلى مستشفى القضارف وبحسب إفادة المتحري ومن خلال التحريات أن المرحوم توفي قبل إحضاره إلى المستشفى، وأنه كان معتقلاً لدى جهاز الأمن والمخابرات بخشم القربة.
ومضى القاضي أنه بتاريخ 2 فبراير الماضي، تم تشريح الجثمان في مشرحة القضارف لعدم وجود مشرحة بمدينة خشم القربة، حيث جاء قرار التشريح بأن المجنى عليه لم يتضح وجود معالم إصابية أو انتهاكات في منطقة المستقيم، والقضيب والخصيتين، بينما توجد آثار كدمات بالجسم، تم إرسال العينات إلى المعامل الجنائية، حيث جاءت إفادة المتهم الأول من خلال استجوابه أن المرحوم تعرّض للضرب في منطقة الظهر بالمعتقل، بجانب تصريح مدير شرطة الولاية الذي أفاد فيه أن المرحوم توفي بسبب التسمم. وقال القاضي إن الوقائع أكدت تشكيل جهاز الأمن محكمة عسكرية داخلية لمحاكمة 16 من منسوبيه متهمين في قضية مقتل المعلم، وبعد استلامه تقرير تشريح الجثة النهائي تم فتح بلاغ تحت المواد (21/25/130) من القانون الجنائي.
وخاطب وكيل النيابة الأعلى بكسلا مدير جهاز الأمن بتسليم المتهمين من الأول حتى الرابع، وطلب منه مده بكشف بأسماء أفراد القوة التي وصلت من كسلا لخشم القربة، بيد أنه رفض وتحجّج بأنه أرسله إلى الإدارة القانونية في الخرطوم، كما قام برفع توصيته للنائب العام.
إنكار إفادات
واصل القاضي تفاصيل الوقائع، وقال إن المتهمين في القضية أنكروا أقوالهم التي أدلوا بها في التحري، باستثناء المتهمين (العاشر، والسادس والعشرين) اللذين أقرا بتعرض المجنى عليه للضرب والتعذيب، أثناء فترة الاعتقال، كما أشار إلى طابور الشخصية للتعرف على المتهمين، وأشار إلى أنه بتاريخ 11 يونيو الماضي، أظهرت المعامل الجنائية نتائج التحقيق الأولية، وجاءت إفادة الطبيب الشرعي الذي أوضح بعد الكشف أن الجثة نوعها ذكر أسمر اللون شعر رأسه يغلب عليه الشيب الأبيض، وأن لحيته يكسوها اللون الأبيض، كما أنه يرتدي قميصاً بني اللون كم طويل، وبنطلوناً أسود وفنيلة متسخة، وظهور تكدم في عموم الجسم.
أسباب القرار
من خلال ما سرده القاضي، عبد الرحمن الفكي، يواجه المتهمون الاتهام تحت المواد (21،130،165) من القانون الجنائي لسنة 1991 تعديل 2015 والتي تتعلق بالاشتراك الجنائي، والقتل العمد، والاعتقال غير المشروع، وبحسب ما ذكر القاضي أن المجنى عليه كان متواجداً جوار صيدلية، وتم القبض عليه وألقي في الحراسة حسب إفادة الشاهد، وتم ترحيله مع بقية المتهمين من خشم القربة إلى كسلا، كما أن الطب الشرعي أكد سبب الوفاة، نتيجة الضرب والتعذيب وفقاً لمستند الاتهام رقم (3)، وأكدت إفادات الشهود أن المتهمين من الأول وحتى السابع والعشرين قاموا بضرب المجنى عليه، الذي توفي في 2 فبراير الماضي، وألحق به الأذى والكدمات، كما أن مستند الاتهام رقم (13) عرض طابور الشخصية واسطوانة سي دي، للتعرف على المتهمين.
ما أن فرِغ القاضي من سرد الوقائع والحيثيات، تهيأ الجميع لسماع ما سيصدره القاضي من أحكام تجاه المتهمين في الجريمة البشعة التي ارتكبوها في وضح النهار، حيث قضت محكمة أم درمان وسط أمس، بالإعدام شنقاً حتى الموت على (29) متهماً من منسوبي جهاز المخابرات العامة، تورطوا في قتل معلم خشم القربة، وأدان القاضي د. الصادق عبد الرحمن، المتهمين الـ(29) بموجب المادتين (21) (الاشتراك الجنائي) (130) (القتل العمد) من القانون الجنائي السوداني، وأدانت اثنين من المتهمين بعقوبة السجن لمدة ثلاثة أعوام، تحت المادة (21/165) من القانون الجنائي متعلقة بالاشتراك والاعتقال غير المشروع، وبرّأت (7) متهمين لم تثبت البينات مشاركتهم في ضرب وتعذيب المجنى عليه، وجرت المحكمة وسط إجراءات أمنية مشددة، ووجود كثيف لقوات الدعم السريع، حيث أغلقت الشرطة شارع العرضة بأم درمان بالأسلاك الشائكة ومنعت المواطنين من التواجد أمام المحكمة.
وطالب أولياء الدم بالقصاص بعد أن عرض عليهم القاضي خياري القصاص والعفو عن المتهمين في القضية، وقال القاضي إن المعتقل تعرض خلال توقيفه للضرب المبرح، وفقاً للبينات والحيثيات، وأضاف: “اتفق المتهمون واشتركوا في ضرب المجنى عليه وتسبّب الأذى والكدمات نتيجة الضرب في وفاته”.
وما ان أُسدِل الستار على القضية بإصدار الحكم الذي تلاه القاضي، حتى تعالت الأصوات بالتهليل والتكبير، وارتفعت أصوات البكاء من الحاضرين من أولياء الدم، في المقابل قال المتهمون من داخل قفص الاتهام بأنهم وحوش وأسود ما زالوا، وهلّل وكبّر بعضهم لحظة سماعهم القرار.