الطريق إلى كاودة
جاء في الأخبار أن الجنرال عبد العزيز آدم الحلو رئيس الحركة الشعبية، قدم دعوة رسمية للسيد الدكتور عبد الله حمدوك رئيس الوزراء، وإلى الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة لزيارة (مدينة) كاودة معقل رئاسة الحركة الشعبية خلال الأيام المقبلة، ومضت أخبار الزيارة المثيرة إلى مكتب رئيس الوزراء ونسب لمصدر فيه بأن الزيارة ربما تمت في الأسبوع الأول من الشهر القادم، وفي البدء وضعنا صفة مدينة على كاودة بين قوسين لأنها أقرب للمعسكر الكبير ومقر منظمات منها لصفة مدينة لضعف بنيتها التحتية وانعدام الخدمات والمباني، بعد أن فعل الطيران الحكومي في سنوات الحرب الأولى والثانية فعلته حتى بمسجد المدينة العتيق وكنيستها، ولم تشهد كاودة بناء صرح تعليمي أو خدمي طوال سنوات الحرب، ولكن بعد اتفاقية السلام، ومع قدوم مولانا أحمد هارون لمنصب الوالي بحنوب كردفان تم تشييد مبنى المحلية وأمانة الحكومة، وشيدت مدرسة ثانوية عليا بنات بتوجيهات ورعاية مباشرة من نائب رئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه، وصيانة المسجد العتيق الذي يؤدي فيه الآلاف صلاة الجمعة بعضهم يصلي في النقعة لضيق مساحة المسجد، وتتكوين كاودة من ثلاثة أحياء أو قطاعات كاودة السوق والمدارس والمسجد ومبنى الإدارية، وهي منطقة زاخرة بالحياة، ويرتاد السوق الذي يتكون من دكاكين من الحديد والزنك وبقايا البراميل الفارغة وكاودة اللويرا وهي منطقة على ارتفاع يجعل سحاب الخريف يمر من بين القطاطي القشية وبها مقبرة الراحل يوسف كوه مكي رمز النضال النوبي وكل شهداء الحركة الشعبية يتم دفنهم في المقبرة التي تسمي (ونجي) وتعني الزهرة بلغة العطورو سكان منطقة كاودة.
وهناك منطقة ثالثة تسمي كاودة المطار وهو عبارة عن مهبط ترابي تستخدمه طائرات المنظمات الدولية في تقديم المساعدات الإنسانية للسكان ومعسكر المنظمات تم تشيده من المواد الخشبية المؤقته بما في ذلك المستشفى الذي تجري فيه بعض العمليات الصغيرة وتقدم فيه الخدمة الطبية لجنود وضباط الجيش الشعبي.
وتعتبر كاودة إدارية تتبع لمحلية هيبان التي تقع الى الشمال الشرقي من كاودة ذات الارتفاع الشاهق والطرق الوعرة جداً والطبيعة شديدة التعقيد والوصول إلى كاودة عسكرياً شبه مستحيل نظرًا للتحصينات التي وضعتها الحركة الشعبية على مداخل المدينة الثلاثة من جهة الغرب عبر طريق أم سردبة أم دلو تبانيا أو طريق تلودي مندي أو الطريق الجبلي كاودة هيبان.
ولا تعتبر كاودة مقراً لقيادة الجيش الشعبي العسكرية ولكنها ذات رمزية سياسية للحركة الشعبية وهي تقع عندهم موقع الجزيرة أبا للأنصار وكسلا للختمية، وبيت المال للشيوعيين والنجف وكربلاء للشيعة والعيلفون للإسلاميين وبحري للختمية وبذلك تصبح كاودة رمزية مهمة جداً للحركة الشعبية.
وزيارة رئيس الوزراء ورئيس مجلس السيادة في الأوضاع الراهنة تمثل اختراقاً مهم جدًا في جدار الأزمة التي تفصل بين الحلو وحكومة المركز تاريخياً، ولكن التقديرات الأمنية تسمح بزيارة أهم شخصيتين في الدولة ورأسي الجهاز التنفيذي والمجلس السيادي لمنطقة لا تقع تحت سيطرة الدولة ؟ وهل تسمح الحركة الشعبية بوصول طاقم التأمين بكامله لمدينة كاودة ؟ أم تتولى الحركة الشعبية تأمين البرهان وحمدوك ؟ وهل مطار المدينة يمكنه استقبال طائرات الانتنوف ٧٤ الرئاسية ؟ أم يستخدم الرئيس ورئيس الوزراء طائرة مروحية من كادقلي إلى كاودة ومن المسؤول عن مسار الرحلة وتأمينها، وهي تعبر الجبال الشاهقة والمناطق التي لا وجود للجيش السوداني بها؟
إذا تم تجاوز كل هذه العقبات بروح الثقة والشجاعة التي يتحلى بها الرجلان أي البرهان وحمدوك، وتمت الزيارة وفق الترتيبات التي يتفق عليها، فغنها تمثل حدثاً إعلامياً وسياسياً من شأنه نقل الساحة من مربع العراك السياسي الخرطومي إلى مربع السلام الذي من شأنه تحقيق قدر كبير من توفير الدم الذي يهدر في حرب عبثية لا جدوى منها، وفي ذات الوقت تمثل مثل هذه الخطوة بادرة حسن نوايا من الحكومة الانتقالية تجاه الحركة الشعبية التي تصبح مطالبة برد الزيارة بانتقال الحلو مباشرة من كاودة للخرطوم دون العبور حتى بكادقلي وأبو كرشولا لأنهاء التفاوض في
مقر النيلين وتوتي أم خضاراً شال حول القضايا التي دفعت أبناء جبال النوبة لحمل السلاح بعيداً عن جدلية العلمانية وحق تقرير المصير الذي لن يحل قضايا الأهل في جبال النوبة.