الخرطوم: إنصاف ــ محمد ــ مروة
تباينت آراء الخبراء الاقتصاديين حول رفع الدعم بين مناصر ورافض ومتحفظ بشروط، ويرى مناصرو الفكرة أن رفع الدعم هو السبيل الوحيد المتاح أمام الحكومة لإصلاح مسار الاقتصاد المتدهور، فيما يرى الطرف الآخر أن الظروف التي تمر بها البلاد وتزايد الضغوط المعيشية على المواطن تجعل من الصعب تطبيق الخطوة لتأثيرها المباشر على المواطن الذي لا يحتمل المزيد من المعاناة.
واتفق الخبراء على أن الحكومة ينبغي عليها مكاشفة الشعب بما تعتزم القيام به، حتى لا يُفاجأ المواطن برفع الدعم في الربع الأول من العام الجديد، كما أشاروا لأهمية إجراء إصلاحات في السياسات، لأن الموازنة ليست كلها أرقام بل تحوي سياسات تُحدد مسار الاقتصاد خاصة تشجيع الإنتاج وزيادة الصادر واستقطاب موارد المغتربين وغيرها من المحفزات التي تسند الموازنة لتجتاز البلاد صعوبات المرحلة الحالية.
عدم ترشيد الصرف
أكد عضو اللجنة الاقتصادية بقوى الحرية والتغيير عادل خلف الله، في تصريح أمس لـ(الصيحة) أن اجتماع مجلس الوزراء أمس الأول أقر تأجيل قرار رفع الدعم عن المحروقات، لأن البدائل المقدمة للموازنة متعددة، ويتمثل أساس المشكلة في الفروقات الحسابية وليس دعم الديزل والكهرباء، المشكلة هي كيف نعالج مشكلة عدم استقرار سعر الصرف.
منوهاً إلى أنهم في قوى الحرية والتغيير من أنصار مدرسة أن الدولة تدعم دعماً حقيقياً السلع الأساسية والتوسع فيها، لأن هذا أحد واجباتها تجاه المجتمع والأمر الآخر أن الاقتصاد السوداني غني، وهناك موارد غير مفعلة ومصادر نقد أجنبي غير موظفة والقضية تؤثر فيها عدة جوانب لابد من معالجتها بحزمة من الإجراءات لكيفية تعظيم موارد النقد الأجنبي وصولاً لمستوى تثبيت سعر الصرف، وهذه الخطوة من ضمن تعظيم الموارد بجانب تحويلات وودائع ومدخرات المغتربين لتوفير نقد أجنبي.
وأقر بمشكلة عدم ترشيد أولويات إنفاق الإيرادات والتي تستنزف نقداً أجنبياً مبالغاً فيه على حد قوله، بالإضافة إلى استيراد السلع التفاخرية التي يجب زيادة الرسوم الجمركية عليها، والاتجاه نحو التصنيع المحلي والصناعات الصغيرة محلياً لتحريك الاقتصاد.
وقال: هناك أشيا ء ما عادت تتحمل، فلابد من مردود عاجل والاستفادة من الميز التنافسية للمحاصيل السودانية.
وأكد أن رفع الدعم أثير حوله جدل كثيف في مبلغ لا يذكر بشأن الخطأ في المسائل الحسابية، ويقدر دعم المحروقات بـ 37 ملياراً في العام، والكهرباء 6 والقمح 8 مليارات يمكن خصم 35%، ويشكل 23% من الإنفاق وليس الإيرادات. وقدمت الميزانية بعجز 57 ملياراً، وأجريت دراسة بأن الإعفاءات الجمركية فقط تشكل 40% من الإيرادات والطبقات المقتدرة هي التي يمكنها المساهمة في الاقتصاد، وتساءل هل: الأولوية للطبقة الطفيلية المحدودة أم المواطن، وقطع بعدم مواجهة مشكلة في مصادر النقد الأجنبي أو المحلي، وأشار إلى أن المؤتمر الاقتصادي المزمع عقده سوف تحشد له الكفاءات في مختلف مجالات الاقتصاد وأساتذة الجامعات والأكاديميين وأصحاب العمل، ومدارس فكرية مختلفة، ويهدف إلى بلورة خطة محددة تنفذ للحكومة خلال الفترة الانتقالية، ووضع معالجة عملية للمشكلات التي تواجه الاقتصاد السوداني، مضيفاً أن الميزانية لابد من وضعها في إطار سياسي.
تبادل الاتهامات
واتهم الخبير الاقتصادي د. عادل عبد المنعم في حديثه إلى (الصيحة) بعض المجموعات الاقتصادية في قوى الحرية والتغيير بمهاجمة الموازنة ورفض رفع الدعم بحجة أنه يؤثر على الفئات الفقيرة دون غيرها من شرائح المجتمع، وقال إن هذا الحديث خطأ ولا يصدر إلا من شخص لديه أغراض أخرى، وزاد: من الواضح أن هذه الفئة تم نسفها طوال فترة الدعم الذي لم تستفد منه شيئاً بقدر ما تضررت منه، ومن ثم حدث انخفاض كبير في قيمة الجنيه الذي يفقد 100% من قيمته سنويًا.
ويضيف عادل أن تأخير رفع الدعم حتى شهري أبريل وأغسطس من العام المقبل ورفع سعر الدولار الجمركي سوف تكون له آثار اقتصادية سيئة جداً يصعب تداركها، وتوقع إن لم يتم رفع الدعم في مطلع يناير القادم أن يصل الدولار إلى 120 جنيهاً في يناير، وفي حال استمرار سياسة عدم رفع الدعم أو تم رفعه بدرجة ضعيفة، سوف يصل سعر الدولار إلى 200 جنيه نهاية 2020م، وقال إن الأمر في غاية الخطورة، ويجب وضع موازنات ومعالجات بالنسبة لرفع الدعم وتوعية المواطنين، أهم شيء للمواطن هو سعر الجنيه الذي يحمله في يده ويمثل القوة الشرائية، ويجب عدم التركيز في رفع الدعم أو عدمه هذه سوف تأتي تلقائياً، وإنما يجب التركيز على كيفية زيادة سعر الجنيه الذي يحمله المواطن صاحب الدخل المحدود ومعظم السودانيين من هذه الفئة.
وقال إن عدم رفع الدعم تترتب عليه ضريبة تسمى ضريبة التضخم، وهذا ما حدث حالياً، فمنذ نهاية ديسمبر 2017م وحتى ديسمبر 2019م توجد ضريبة تضخم بلغت 200% على أصحاب الدخول المحدودة والفقراء، وقضت على دخولهم بنسبة كبيرة جداً تصل إلى 70%، إضافة إلى أن استمرار الدعم تسبب في اختلالات وتشوّهات في الاقتصاد وعدم استقرار الأسعار، بينما هنالك في الطرف الآخر فئات استفادت من عملية الدعم متمثلة في فئات المنتجين ومقدمي الخدمات والذين دائماً ما يقومون برفع أسعارهم لمجاراة الأسعار التضخمية في السوق، فالمواطن بات مطحوناً بين مطرقة التضخم وسندان رفع الأسعار بواسطة الفئات الأخرى التي يتعامل معها، فرفع الدعم في المقام الأولي انطباعي نفسي، فأي شخص يتم إخباره برفع الدعم أو زيادة سعر سلعة يكون انطباعه الأول سيئاً، ويقوم برفض هذا الاتجاه، لكن كسياسة اقتصادية لدولة يجب على الدولة تبنيها مهما كلف الأمر، طالما أنها حكومة مسنودة شعبياً هدفها الإصلاح الاقتصادي، فيجب أن تتبنى سياسة رفع الدعم.
بعض المجموعات الاقتصادية في قوى الحرية والتغيير تهاجم الموازنة وترفض رفع الدعوة بحجة أنه يؤثر على الفئات الفقيرة، وهذا حديث خطأ لا يصدر إلا من شخص لديه أغراض أخرى، فمن الواضح أن هذه الفئة تم نسفها طوال فترة الدعم ومن انخفاض كبير في قيمة الجنيه الذي يفقد 100% من قيمته سنويًا.
دعوة للشفافية
أما الخبير الاقتصادي الدكتور محمد الناير فقال إن توقعاته صحت بعدم رفع الدعم عن المحروقات وإجازته في موازنة 2020م فى ظل غياب السلطة التشريعية، ومن ثم تم التراجع عنه لأن هذا القرار سوف يحدث آثاراً كارثية على المواطن السودانى الذي لن يستطيع العيش في ظل رفع الدعم عن المحروقات.
وقال إن الموازنة هي رؤية لمدة عام كامل، ومن المفترض وضوح رؤيتها منذ البداية، لأن القطاع الخاص السوداني يحمي أمواله من خلال موازنة الدولة، وكذلك المستثمرين والشعب السوداني بمعنى أي شخص يمكنه تقييم الموقف في الاقتصاد السوداني، وهل هنالك أعباء إضافية أو هل هناك تراجع على أرباح الأعمال على الشركات وكل الاقتصاد السوداني مرهون بالموازنة العامة والسياسات، لذلك نتمنى أن تكون هناك مصداقية بشأن قرار رفع الدعم حتى لا يتفاجأ المواطنون برفعه خلال الربع الأول من الموازنة، وأعتقد أن مقترح عقد مؤتمر اقتصادي جامع خطوة جيدة، ويجب أن يُدعى إليه كافة خبراء الاقتصاد في الخارج والداخل وأساتذة الجامعات والجهاز التنفيذي للدولة للتفاكر بشفافية ووضوح، ويتم وضع سياسات وحلول مبتكرة لتفادي قرار رفع الدعم عن المحروقات، ومن المؤكد أن الحكومة خلال 3 أشهر تستطيع السيطرة على قطاع الذهب، وإدخال أموال الاقتصاد المهدرة عبر التهريب والتخزين ويتم تخصيص أموال المغتربين وتدفقها عبر القنوات الرسمية، وتفعيل قانون من أين لك هذا لاسترداد المال العام المُعتدى عليه، ولو تمت إصلاحات أخرى مع رسوم الدفع الإلكتروني التي تقلل الأصول النقدية والكاش وإعادة رؤوس أموال المصارف وتقوية هيكلة المؤسسات الأخرى، كل هذه المعالجات يمكن أن تُصحح مسار الاقتصاد السوداني وتغني الحكومة عن أي حديث في المرحلة القادمة عن الاقتصاد السوداني وإصلاحاته التي طرحتها وزارة المالية وفقاً للشفافية والوضوح.
خطوات الإصلاح
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي د. هيثم محمد، خلال حديثه لـ(الصيحة): بالرغم من انعكاس رفع الدعم على المواطنين، إلا أنه لم يعد هناك خيار آخر غيره، فالدولة ليست لديها موارد كافية لاستمرار الدعم، مضيفاً: لابد من التوعية بقضية رفع الدعم خاصة مع توقف صادر الماشية وتعثّر الموسم الزراعي، مردفاً: من المتوقع أن يكون التدرج عبر ثلاث مراحل تدوم كل واحدة منها ما بين 3 و6 أشهر حتى يتمكن الاقتصاد من معالجة النقص عند الحاجة، فرفع الأسعار التدريجي مهم بل وضروري، ولفت بضرورة النظر لقدرة تحمل المواطن عبء تدهور معيشته، وتجنب الصدمة التي قد تدفع الناس للغضب. مضيفاً: لابد من خطوات واضحة لإصلاح الاقتصاد وفق خطة علمية مدروسة التي منها الرفع التدريجي للدعم عن الوقود والكهرباء، على أن يكون مرتبطاً بالإصلاح الضريبي الذي سوف يكون له أثر إيجابي على الموازنة العامة للدولة، ويوجه الحاصل الضريبي للإنفاق على التعليم وبرامج الحماية الاجتماعية، مما يضع أسساً قوية للنمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي في نفس الوقت. وابان أن إرجاء رفع الدعم عن المحروقات نظراً للضغوط الاقتصادية التي يعانيها المواطنزن جراء ارتفاع الأسعار. وقال: في تقديري، ستكون هناك حزمة إجراءات أخرى، من ضمنها خفض النفقات والمشتريات الحكومية بغرض صيانة الاقتصاد، الذي لم يعد قادراً على تحمل مزيد من الاقتراض والعجز، بجانب ذلك قد تلجأ الحكومة إلى الرفع في حال عدم توفر الدعم اللازم لإنقاذ الموازنة التي ستتعرض لخطر الانهيار جراء ارتفاع الفاتورة النفطية.
سياسات ورقابة
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي د. عز الدين إبراهيم: من الملاحظ أن انعقاد المؤتمر الاقتصادي في مارس واجتماع مؤتمر أصدقاء السودان في أبريل، وتساءل: هل كان التوقيت محض صدفة؟ مشيراً لتقارب توقيت الاجتماعين خاصة وأن تمويل الميزانية بشكلها الطموح يعتمد على تمويل الأصدقاء في أبريل فتوقيت المؤتمر في مارس والذي يعتبر الربع الأول من العام، حيث سيتم تسيير الموازنة بالطريقة القديمة خاصة الصرف والإنفاق، وذلك حسب القانون الخاص بالموازنة، فمن المتوقع أن يتم تأجيلها، مشيراً أن ذلك لا يمنع من وضع سياسات اقتصادية خاصة وأن الموازنة ليست أرقاماً فقط، قد تكون سياسات اخرى لا تعتمد على صرف الحكومة، وقد يتم تغيير النظم والقوانين كمثال منع التجنيب، فالوزارة في الفترة الماضية كانت تأخذ إيرادات ولا توردها لوزارة المالية، مردفاً لعدم وجود موازنة لا يعني ذلك الاتجاه للتجنيب، فلابد من تشديد الرقابة من وزارة المالية على المال العام، لافتاً إلى الاتجاه لإصلاح الخدمة المدنية من حيث القوانين والنظم تمهيداً للموازنة القادمة في أبريل. وقال خلال حديثه لـ(الصيحة) عن إعداد الموازنة تصاحبها السياسة النقدية من بنك السودان بجانب ذلك، لابد من الاتجاه لمواجهة مشكلة التضخم وارتفاع سعر الصرف، فالأمر يقع كذلك على عاتق وزارة المالية فيما يخص السياسة المالية، لافتاً أن الإجراءات النقدية لتصحيح الأوضاع تُساهم في تسيير الأمور، مشيراً أن السياسة النقدية لا تحتاج إلى مناقشتها بمجلس الوزراء ومثال لذلك الاحتياطي القانوني في البنوك، بجانب ذلك لابد من معالجة السياسات الإنتاجية الخاصة بتطوير قوانين الاستثمار والتي من شأنها أن تساهم في جذب الاستثمار الخارجي كعمل نافذة واحدة للمستثمرين فالإصلاحات الإدارية لابد منها لحين وضع الميزانية القادمة .
وعلى الرغم من قناعة قوى الحرية والتغيير بأن الدعم بشكله الحالي يتعرض لكثير من النقد من حيث عدالته وتوزيعه، وأنه لا يشمل جميع فئات وشرائح المجتمع، رأت خلق توافق اجتماعي وسياسي أكثر حول الموازنة لابد أن يتم إرجاء قضايا الدعم وغيرها وصولاً إلى إجماع حولها حتى يتسنى للجميع الاستفادة من الدعم المقدم من قبل الحكومة بالصورة العادلة، فالمعلوم أن عدداً من القطاعات لا يستفيد منها المواطن لعدم توفر الدعم اللازم لها من قبل الدولة كالصحة والتعليم.