(السنطة) بجنوب دارفور.. ما بين وباء “الدفتيريا” وغياب الخدمات
(80) إصابة بـ”الدفتيريا” و(10) وفيات تكشف عن واقع مرير بالمحلية
الأهالي يُوشِّحون مدير عام الصحة قلادة ظلم “السنطة” صحياً
مدير عام الصحة بالولاية: بذلنا جهوداً كبيرة لمحاصرة الوباء.. ولكن!!
ممثل الحرية والتغيير بالمنطقة: المواطن ظل يعاني من انعدام الخدمات الصحية
مواطن: نحتاج لحل عاجل لقضية الصحة بهذه المحلية
السنطة: حسن حامد
تقع محلية السنطة في الجزء الجنوبي لولاية جنوب دارفور، يمتهن غالبية سكانها حرفتي الزراعة والرعي. وتعد السنطة من المحليات ذات الإنتاج في المحصولات الزراعية وإنتاج الصمغ العربي، ورغم تلك الأهمية، إلا أن هذه المحلية ظلت تعاني الإهمال في الخدمات كافة وزاد سكانها معاناة تأثرهم بأزمة دارفور والصراعات القبلية التى ضربت الولاية خلال السنوات الماضية مما جعلها متأخرة عن ركب رصيفاتها من محليات الولاية، وبرغم الشكاوى المتكررة من سكان محلية السنطة ووحداتها الإدارية المكونة لها ومطالباتهم بتحسين الخدمات، إلا أن الحال ظل كما هو عليه الآن، ولم يُحدِث المعتمدون الذين تعاقبوا على أمر هذه المحلية في عهد حكومة الإنقاذ أي تقدم لهذه المحلية في الخدمات سواء أكان في مجالات الصحة والتعليم والمياه.
وظلت الخدمات الصحية في تراجع مريع حتى ظهر وباء الدفتيريا بوحدة تجريبة الإدارية، وسجلت العديد من حالات الإصابة التي سارعت وزارة الصحة الولائية والاتحادية ومنظمة الصحة العالمية في تدخلات سريعة للسيطرة على الوباء من خلال إرسال فريق صحي معالج يتواجد الآن في المركز الصحي الذي يحتاج لإخراجه من غرفة الإنعاش حتى يتمكن من تقديم الخدمات لسكان الوحدة الإدارية الذين يتجاوز تعدادهم الـ(٧٠) ألف نسمة بحسب الأهالي هناك.
وقوف مدير عام الصحة بالولاية د. محمد إدريس عبد الرحمن برفقة عدد من إدارات وزارته على الأوضاع الصحية ضمن جولاته على محليات الولاية، وكشف عن واقع مرير في الخدمات الصحية وفي بعض المراكز الصحية ببعض المحليات.
يقول أهل الاختصاص إن أدوية الطوارئ لم تصلهم منذ العام ٢٠١٧م، بجانب تدنٍّ في خدمات التحصين مما أدى إلى ظهور وباء الدفتيريا بمحلية السنطة الذي سجلت بموجبه السلطات المختصة (٨٠) حالة إصابة، منها عشر وفيات طبقاً لإدارة الطوارئ والوبائيات بوزارة الصحة بالولاية.
احتواء المرض
يقول مدير عام الصحة بالولاية الدكتور محمد إدريس، إن وزارته منذ ظهور المرض أرسلت عدة أتيام وقامت بأخذ عينات وأرسلت ست منها للمعمل المرجعي الذي أثبت حالة موجبة ومن بعدها زار المنطقة وفد ذو تخصص عالٍ من المركز، وأخذ عينات إضافية تأكد بعدها سريرياً ومعملياً أنها حالات دفتيريا دفعت على إثرها الوزارة بعثة صحية علاجية لمركز تجريبة، وباشرت علاج الحالات، وتم توزيع العلاج. وتابع: (وقفنا على الوضع، والحمد لله الأمور تمضي نحو الأحسن، وحتى الأسبوع قبل الماضي لم تسجل حالات جديدة ولكن الثلاثاء الماضية ٢٤/ ١٢/ ٢٠١٩م ظهرت ثلاث حالات جديدة وقفنا عليها وحالتهم مستقرة).
وكشف إدريس عن إجراء تطعيم شامل للمواطنين بالسنطة بالجرعة الأولى في يوم ٢٥/ ١١/ ٢٠١٩م بجانب انطلاقة الجرعة الثانية المستمرة حالياً والترتيبات جارية للجرعة الثالثة علاوة على وصول مصل “الأنتي تايتنوس” لإعطائه للحالات الموجبة، وأثنى إدريس على الجهود التي بذلها الفريق الصحي الذي أبعثته وزارته للمنطقة.
وأقر بأن مركز صحي تجريبة الذي أنشئ فى العام ٢٠٠٨م يعاني من ضعف الخدمات وتراجعها وأن وزارته وضعت خطة لتأهيله وإضافة مبانٍ جديدة وعنابر ليكون نواة لمستشفى ريفي لخصوصية المنطقة وبعدها عن رئاسة المحلية السنطة، وكذلك محلية برام.
وأمّن إدريس على أهمية وجود طبيب للمنطقة خاصة في موسم الوبائيات في إشارة إلى أن المركز الصحي الوحيد ظل يعمل بواسطة مساعد طبي، والآن أحيل إلى المعاش، ويعمل الآن بواسطة معاون صحي فقط، وتابع: “نجتهد لتوفير كوادر من أجل استقرار الخدمات بالمنطقة”.
شكاوى الأهالي
أهل وحدة تجريبة تقدموا العديد من الشكاوى حول واقع الحال بالمنطقة، وطالبوا بضرورة التدخل العاجل لإنقاذ الموقف سيما وأن تجريبة منطقة عبور لحركة الرحّل.
ويقول على سعيد تكنة، إن المركز الصحي يواجه ضغطًا كبيراً أعياه تقديم الخدمة للمواطنين البالغ عددهم (٧٥) ألف نسمة. وأضاف: رغم ذلك الآن أن الخدمة فيه شهدت تراجعاً مخيفاً بسبب إحالة المساعد الطبي للمعاش، واستنجد تكنة بوزارة الصحة، وقال إنهم يحتاجون للخدمات الصحية بتوفير الكوادر ومعمل حتى يتمكن هذا المواطن البسيط من الحصول على الخدمة.
بينما أشار ممثل الحرية والتغيير بالمنطقة إبراهيم المهدي إلى أن المواطن ظل يعاني من انعدام الخدمات الصحية وغيرها، على الرغم من أن مركز المنطقة المتواضع يخدم حتى شريحة الرحل، وتابع: “زيارتكم هذه لفتة بارعة لم نشهدها طيلة حكم الإنقاذ”، وتمنى أن يجد المواطن أفضل الخدمات في عهد حكومة الثورة تلبي حاجتهم، لافتاً إلى أن المنطقة بها أربع مدارس وأعداد مهولة من الطلاب والتلاميذ الذين لا يجدون من يعالجهم حال إصابتهم بالأمراض.
وزاد: “نرحب كثيراً بحكومة الحرية والتغيير، ونتمنى أن تنظر بعين الرحمة لمواطنيها البسطاء الذين يحتاجون للخدمات كافة، وهذه المحلية ذات الإيرادات والثروة الحيوانية والزراعية والصمغ العربي ورغم أهميتها، إلا أن مواطنها ذاق طعم المعاناة في عهد النظام البائد، وتأخرت المنطقة في كل المجالات”.
من جانبه، قال حمدان سليمان، إن جولة مدير عام وزارة الصحة ووفده جسدت شعارهم المرفوع “من رأى ليس كمن سمع”، وقال: رأيتم بأعينكم معاناة المواطنين في الجانب الصحي، وبموجب ذلك ظهر وباء الدفتيريا، ونشكر وفد الوزارة الذي بذل كل الجهود في السيطرة عليه”.
وأضاف: نأمل أن تقدم الحكومة خدمات الصحة والمياه والتعليم لمواطنيها أينما وجدوا، واختتم حديثه بأنهم يأملون من وزارة الصحة ومن خلال وقوفها على الواقع بأن تنظر بعين الرحمة لأكثر من (٧٥) ألفاً من السكان يتعالجون في هذا المركز المتواضع الذي لا توجد فيه الخدمات، وزاد” نأمل من المدير العام أن يضع الأمر ضمن أولوياته”.
شكوى من الظلم
جولات وزارة الصحة لمحليات القطاع الصحي للولاية التي رصدتها “الصيحة”، ففي كل المحليات وقف المدير العام ووفده على سير الخدمات والمعاناة الماثلة والتي نفتح لها ملفات خاصة بها، ولكن في حاضرة المحلية السنطة، لم يقف على خدمة لعدم وجودها، واكتفى بعقد اجتماع موسع مع أهالي المحلية لتشخيص داء غياب الخدمات الصحية، ومن كتابة فاتورة العلاج التي تقي المواطنين متاعب العلاج بالجارة ولاية شرق دارفور، ورغم وجود مركز صحي متكامل يديره الصندوق القومي للتأمين الصحي، إلا أن الأهالي شكوا من تدني الخدمة فيه.
وقدّم مدير عام الصحة، شرحاً وافياً للأهالي حول أهداف جولاته على محليات الولاية، وأوضح أنها تأتي بغرض تقييم الموقف في كل محلية، ومن ثم وضع خطة متكاملة لتغيير الواقع في خطتهم للعام ٢٠٢٠م التي يستبشرون فيها خيراً كبيراً من خلال رفع نسبة الدعم المخصص للقطاع الصحي في الموازنة العامة للدولة، وأضاف أن وزارته شرعت في إعادة هيكلة الصحة بكل المحليات في إطار مشروع تقوية النظام الصحي.
وأضاف: تم تعيين مديرين للشئون الصحية بكل محلية يتولون شأن الصحة إنابة عن المدير العام ويضعون خططهم حسب حاجة محلياتهم لتقوم الوزارة والمنظمات العاملة في الحقل الصحي بتنفيذها، وأكد عدم السماح لأي جهة العمل بالمحلية دون علم إدارة الشئون الصحية.
وقطع بأن وزارته ستشرع في إدخال خدمات الاختصاصيين ابتداء بخمس محليات تضم التخصصات الأربعة، الجراحة، الباطنية، الأطفال، والنساء والتوليد، مع تقوية البنى التحتية من أجل توطين العلاج بالريف وحاضرة الولاية.
وقال إدريس إن محلية السنطة وضعها الصحي معلوم لديهم، وإنهم في العهد الجديد هذا سيُحدِثون فيها تطوُّراً ملحوظاً في الجانب الصحي وإنشاء مستشفى ريفي بالمحلية، مطالبًا حكومة المحلية بتخصيص قطعة الأرض من أجل تحقيق ذلك.
أكثر من ١٩٠ ألف مواطن يعانون
قال مدير الشئون الصحية بمحلية السنطة محمد إدريس آدم إن سكان المحلية يبلغ تعدادهم ١٩٣٩٧٨نسمة جميعهم يعانون من غياب الخدمات الصحية، وسلم محمد وزارة الصحة ملفاً متكاملاً عن واقع الحال بالمحلية، متعشماً أن يرى التنفيذ من قبل حكومة الثورة.
وأضاف أن الصحة بالمحلية شهدت تراجعاً مخيفاً، وتابع: “ما حصل ليس بإرادتنا”، وأن المحلية توجد بها أربعة مراكز صحية فقط عاملة منها اثنان والبقية جديدة لم تفتتح بعد.
وشكا محمد من تدني خدمات التحصين، وقال إنهم يستأجرون ثلاثة من السوق بحر مالهم لحفظ الأمصال، وتابع: “لعدم وجود ثلاثة اضطررنا لاستجلاب الأمصال شهراً بشهر”، وبرغم تلك المعاناة مطلوب منا تغطية ٢٢٦٤٩ من النساء في سن الإنجاب و٣٨٥٣ من الحوامل و٤١٠٣١ من الأطفال دون سن الخامسة، بالإضافة لـ ١٥٩١٧ من الاطفال دون سن الخامسة، كل ذلك خلال خطة العام المنتهي ودون وجود عربة لتغطية مناطق المحلية المترامية الأطراف، وعبر جوال وحيد بالمحلية، ومركز ثابت وحيد، وحتى الفرعيات التي تعمل بالمتطوعين لم تجد الدعم للتنفيذ مما فاقم قضية التغطية ببرامج التحصين.
واختتم حديثه قائلاً “كلها مآسٍ عشناها في قضية التحصين، ولدينا أربعة فنيين على مستوى المحلية، ومثلهم مؤقت، والكلام كثير عن قضايا الصحة والتحصين بهذه المحلية”.
ظلم الأهالي صحياً
عبّر المواطن جمعة علي عليان عن بالغ حزنهم على الوضع الأليم الذي عاشه المواطن، وفي نفس الوقت عبر عن سعادتهم بما تلقوه من وزارة الصحة في عهدها الجديد من بشريات وبارك للمدير العام الجديد التكليف، وقال إن أهل السنطة ولفترة طويلة لديهم قلادة شايلنها مكتوب عليها “ظلم أهالي السنطة صحياً”، ولم يجدوا عنقاً لكي يعلقونها عليه، وتابع: “اليوم وجدناك أخي المدير العام، وعاد إلينا الأمل من جديد ودعنا أن نعلق قلادتنا هذه في عنقك بأن تنزعها من خلال تنفيذ الخدمات الصحية”.
وقال جمعة: مواطن السنطة إذا مرض لم يجدوا طريقة إلا السفر به صوب مستشفى محلية الفردوس بالجارة ولاية شرق دارفور، وأضاف أن أهل السنطة من أكثر الناس ظلماً في المجال الصحي، لأنهم أناس بسطاء، وأوصى جمعة مدير عام الصحة بإخراج قلادتهم من رقبته.
حالة مأساوية
المواطن حاج آدم محمود، شكا من انعدام الكوادر الصحية بالمنطقة، وقال إن هناك معاناة كبيرة تواجهها المرأة الحامل وأضاف: “إذا الشخص زوجته في حالة الولادة القادر منهم يستأجر عربة لنقلها إلى مستشفى محلية برام أو الضعين حاضرة ولاية شرق دارفور، لكن المسكين يشيل زوجته بالحمار أو الكارو إلى أن يصل محلية الفردوس، إما أن تضع هناك أو تقلها الكوادر الصحية بالفردوس بإسعافهم إلى مستشفى الضعين”.
وأثنى حاج آدم على الروح الإنسانية للكوادر الطبية بمحلية الفردوس، وقال إنهم لم يسألوا أي شخص من أين أتى، ويعلمون بأن الطب مهنة إنسانية، فلم يطلبوا من أسرة المريض سوى تزويد عربة الإسعاف بالوقود لنقله إلى مستشفى الضعين”.
وقال حاج آدم، إن السنطة تعاني من غياب الخدمات، وشكا من تدني خدمات التأمين الصحي بالمنطقة، وأضاف أن السنطة بها أكثر من ثلاثين ألف مواطن تحت مظلة التأمين الصحي الذي يمتلك مركزاً متكاملاً مزوداً بميز للكوادر وعنابر، لكن خدماته متردية جداً، وليس فيه سوى مساعد طبي، وأردف: “أخي مدير عام الصحة، رسالة نحملها لكم بأن ناس التأمين الصحي إما أن يوفروا لنا الخدمة أو إذا ما قادرين عليهم الخروج من هذا المركز وتسليمه لكم، لأننا وإلى حيث تعهدكم بإنشاء مستشفى ريفي للمحلية وتغيير هذا الوضع الأليم، نحتاج لحل عاجل لقضية الصحة بهذه المحلية”.
من المحرر
على أية حال، فإن الوضع الماثل بمحلية السنطة بكافة وحداتها الإدارية غير مقبول مهما تعددت المسببات، فتوفير الخدمات الصحية والتعليمية والمياه هو واجب الحكومة تجاه هؤلاء البسطاء ومحلية السنطة بحاجة ماسة لتعزيز خدمات الصحة ومسارعة الخطى لإكمال مشاريع التغطية الشاملة التي تأسست بموجبها العديد من المراكز الصحية من بينها اثنان في السنطة ولكن لم تصل معداتها من الاتحادية حتى تفتتح وتقدم الخدمة للمواطنين، وإلى ذلك الحين، سيظل المواطنون في وحل المعاناة في المجالات كافة.