تباطؤ الغرب وانهيار الاقتصاد.. عقبات مُفتعلة لإقعاد حكومة حمدوك
ترجمة: إنصاف العوض
قطعت صحيفة “الفاينانشيال تايمز” البريطانية بفشل برنامج حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك والتي وصفتها بالعلمانية والموجهة نحو الغرب حال استمرت الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية الإحجام عن تقديم المساعدة الفعلية لها، وقالت الصحيفة إن تجاهل الغرب للتحديات التي تواجه حكومة حمدوك سيفشل برنامجه العلماني والموجه نحو الغرب على نطاق واسع، كما أنه سيؤدي إلى ذبول الاقتصاد السوداني مما يجعل البلاد عرضة لإعادة فرض الجيش سيطرته أو أن يصبح عميلاً لواحدة أو أكثر من دول الخليج.
جليد أمريكي
وأبانت الصحيفة بأن حمدوك فشل في تحقيق هدفه الأساسي من زيارته لواشنطن والمتمثل في رفع البلاد عن قائمة الدول الراعية للإرهاب، مشيرة إلى الوعود التي حصل عليها حمدوك من زيارة الستة أيام تمحورت في ذوبان الجليد مع واشنطن، والذي من شأنه أن يساعد في تحديد مصير حكومته من خلال الحصول على الدعم الاقتصادي من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي قبل أن تشرع واشنطن في رفع بلاده عن قائمة الإرهاب، وقالت إن نجاح رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك في الوعود التي استخلصها خلال زيارته التي استمرت ستة أيام وتمحورت حول احتمالات ذوبان الجليد ستساعد في تحديد مصير تجربة ما بعد الثورة السودانية، كما أن إعادة المشاركة تعني الوصول إلى رأس المال من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وفرصة لإعادة التفاوض على ديون قيمتها 60 مليار دولار لا يستطيع السودان سدادها.
وقد يؤدي ذلك أيضًا إلى إنهاء العقوبات الأمريكية المتبقية التي تمنع الشركات من الاستثمار في السودان، وهو بلد شاسع يضم 40 مليون شخص يمثل نقطة التقاء العالم العربي مع إفريقيا السمراء.
إشارات إيجابية
وقطعت الصحيفة بنجاح حمدوك على الجبهة السياسية الداخلية، وقالت إن حمدوك نجح (حتى الآن) في سد الفجوات الواضحة بين الأعضاء المؤيدين للديمقراطية والضباط العسكريين العاملين في المجلس السيادي، الأمر الذي يرسل إشارات إيجابية بعدم عرقلة الجيش للقرارات التصحيحية المتعلقة بتصفية النظام السابق وملاحقة امواله دولياً.
وأضافت: الوضع السياسي ليس أقل خطورة، إذ تم تعيين السيد حمدوك رئيسًا للوزراء من قبل مجلس سيادي مؤلف من 11 عضوًا يتكون من مدنيين وعسكريين. خلال الأشهر الـ 21 الأولى من الانتقال، سيرأسها الرجل العسكري الذي قاد البلاد منذ انقلاب أبريل ضد البشير. بعد ذلك، من الناحية النظرية، سيرأسها مدني يشرف على الاستعدادات لانتخابات 2022.
في هذا الترتيب، من غير الواضح من الذي لديه اليد العليا في إدارة البلاد في العالم الحقيقي، يمتلك الجيش الأسلحة. كما أن لديه الكثير ليخسره والكثير أيضا ليخفيه بعد ثلاثة عقود من الديكتاتورية.
خفة سياسية
ووصفت الصحيفة حمدوك بالاقتصادي المحترم الذي يتمتع بخفة الحركة السياسية، وقالت: أظهر رئيس الوزراء عبد الله حمدوك خفة الحركة السياسية. وكونه خبيرا اقتصادياً محترماً جعل إصلاح الحكومة والهياكل الاقتصادية في السودان هدفًا وطنيًا وشخصيًا، إذ يسعى حمدوك إلى إعادة هيكلة ديون السودان، بما في ذلك تخفيف عبء الديون وإعادة جدولتها، وبالرغم من الدعم الذي قدمته كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، إلا أن السودان لا يزال مطالباً بدفع 60 مليار دولار قيمة الدين الخارجي ولتخقفيف عبء الديون يحتاج حمدوك للإبعاد عن قائمة الإرهاب والتي أدرج فيها السودان منذ عام 1993. ولهذا الغرض، أمر حمدوك بطرد حماس وحزب الله من السودان وإغلاق مكاتبهما في الخرطوم، وغالبًا ما تستخدم هاتان المجموعتان السودان كقاعدة لتهريب وأنشطة الدعم الإرهابية، كما سيتم طرد أي أفراد أو مجموعات مدرجة في قائمة الإرهاب الأمريكية.
تميز إقليمي
وأضافت: بالنظر إلى أعباء السيد حمدوك الصعبة، كانت هناك بعض التطورات الإيجابية المدهشة فقى هذا الشهر، ألغت الحكومة الجديدة قانون النظام العام القمعي الذي كان يسيطر على النساء اللائي يرتدين ملابس غير إسلامية كجزء من التطهير ضد الإسلاميين الذين سيطروا على حكومة السيد البشير، وقام بحل حل حزب المؤتمر الوطني التابع للرئيس السابق.
وقد تكون هناك العديد من الأسباب التي تجعلها متشككة في نجاح التجربة، إلا أن أسباب النجاح أكثر إقناعًا كما أن التجارب السابقة أثبتت أن بطء الاستجابة قد يؤدي إلى انهيار التجارب الديمقراطية . فبعد أن أطاح القادة العسكريون في زيمبابوي بروبرت موغابي في عام 2017، كان الغرب بطيئًا في السعي إلى التقارب مع إيمرسون منانغاجوا، الرجل الذي حل محله. منذ ذلك الحين، دخلت زيمبابوي في حالة أسوأ من القمع والانهيار الاقتصادي.
في حالة زيمبابوي، ربما كان للغرب ما يبرره. كان السيد منانغاجوا هو السكرتير والذراع الأيمن لموغابي منذ عقود. وفي السودان، تعد قضية المشاركة السريعة أكثر أهمية كون الرجل لم يكن جزءاً من النظام السابق.
ثقة غربية
فيما كشف مسؤول رفيع غربى للصحيفة تباطؤ الغرب في مساعدة السودان قائلاً: لم يتخذ الغرب أي خطوات ملموسة لمساعدة السودانيين، ما نراه الآن هو كلمات ولكن لا توجد أفعال. إنهم يطالبون بأشياء قد تستغرق سنوات لمعالجتها. وأضاف أن المسؤولين الأميركيين والأوروبيين وضعوا شروطًا تتضمن التوصل إلى اتفاق سلام مع الجماعات المتمردة في البلاد، بالإضافة إلى معالجة دور قوات الأمن السودانية في المرحلة الانتقالية فضلاً عن عدد كبير من الشروط.
وكشف المسؤول أن ستيفان أوزوالد، مدير منطقة أفريقيا جنوب الصحراء في وزارة التعاون الاقتصادي والتنمية في ألمانيا، أخبر الوفد السوداني الذي زار برلين مؤخراً أنه من المهم بناء الثقة حول كيفية إنفاق المساعدات الأجنبية، ومخاطبة ثقوب سوداء في إشارة إلى تأثير قوات الأمن التي خدمت نظام البشير على مدى عقود.
تآكل استثماري
ووفقاً للصحيفة، صنفت الولايات المتحدة السودان كدولة راعية للإرهاب في عام 1993 في عهد الزعيم السابق البشير، الذي وجهت إليه المحكمة الجنائية الدولية تهمة الإبادة الجماعية والذي أثار غضب الدول الغربية لاستضافته الإرهابيين مثل أسامة بن لادن في التسعينيات. ومع تحسن العلاقات، بدأت واشنطن عملية رسمية لإلغاء قائمة السودان في يناير 2017 ولكنه تم تعليقها عندما اندلعت الاحتجاجات الجماهيرية في السودان العام الماضي في نهاية المطاف، أجبرت الانتفاضة الجيش السوداني على إبرام اتفاق لتقاسم السلطة مع المدنيين في الوقت نفسه، بلغ معدل التضخم 60%
ويعتقد بعض الاقتصاديين أن الأزمة ناجمة جزئياً عن قيام السلطات بطباعة النقود للحفاظ على دعم الوقود والخبز غير العملي الذي لا تستطيع تحمله، مما أدى إلى ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء هذا الشهر إلى 82 جنيهًا سودانيًا أي ما يقرب من ضعف سعر الصرف الرسمي.
وتقول الصحيفة إن الاقتصاديين السودانيين يرون أن المشكلة تكمن في استمرار الولايات المتحدة وضع البلاد في رعاية قائمة الإرهاب. وأنه على الرغم من رفع معظم العقوبات قبل عامين، إلا أن المستثمرين ما زالوا حذرين للغاية من الاقتراب من السودان خوفًا من العقوبات، ويقول أستاذ الاقتصاد السوداني في الجامعة الأمريكية بالقاهرة حميد علي للصحيفة: لقد تآكلت ثقة المستثمرين و تحطمت الكثير من الشركات الجيدة وتحولت الصناعات إلى قصاصات على مدار السنين إذ لن يقوم أي مستثمر جاد بالمغامرة ويستثمر في بلد معزول عن نظام الدفع الدولي.