*أمس بدأت أزمة المواصلات في الانفراج، بعد أن شهد المواطنون أياماً عصيبة في ندرة المواصلات وانعدامها في أحيان كثيرة.
*كلما تتفاقم أزمة المواصلات أتذكر البصات ذات اللونين الأحمر والأخضر التي كانت تقف في موقف جبرة القديم، والذي تحول الآن الى موقف سيارات في جزء منه والآخر أصبح محلات للأكل والشرب وأشياء أخرى.
*بصات القوز والحلة الجديدة والتي كنا نطلق عليها “علب الصلصة” للونها الأحمر أولاً ولقدم صناعتها ثانياً، كانت تريح أهل القوز والرميلة والحلة الجديدة، وأيضا سكان السجانة، ولم نشهد في يوم ندرة فيها أو أزمة في المواصلات.
*أما الكلاكلات وجبل أولياء فكان لها بصات بصندوق كبيرة ولون مختلف، وكان له مواعيد للتحرك من وسط الخرطوم لجبل أولياء، وإن أراد راكب النزول في الشجرة أو اللاماب يجد “صرة وش” من الركاب فمن يريد الركوب في تلك البصات عليه أن تكون محطته الأولى في الكلاكلة على أقل تقدير.
*في ذاك الزمان كانت الأقاليم بها خدمات ترضي المواطن، ولم تعرف الخرطوم هجرة من الأقاليم إليها، فأهل الزراعة يستمتعون بزراعتهم وأهل الرعي “مرتاحين” مع أنعامهم، لم تكن أمراض العصر منتشرة فتجار تلك الفترة لم يعرف الطمع طريقاً إلى قلوبهم، لذا لا يبيعون “السموم” الغذائية التي انتشرت الآن.
*ربما كان سكان الخرطوم من جبلها إلى جيليها لا يتجاوز الإثنين مليون نسمة، فشارع الحرية كان باتجاهين وليس هناك حاجة بأن يصبح اتجاهاً واحداً، والطرق كانت مرتبة ومنظمة وكأن هذه المدينة لا يسكنها بشر.
*تلك الفترة وقبلها كانت الخرطوم نظيفة، فعمال النفايات يعملون بجهد واجتهاد ويجدون راتباً يكفي لسد رمقهم وأبنائهم، فالتعليم “حقيقة” كان مجانياً وليس “وهماً” وكذلك كان العلاج في حوادث الخرطوم ومستشفاها التي تستوعب كل من يقصدها للعلاج.
*كل هذا الخير انتهى بعد أن استلمت الإنقاذ الحكم، وجفت الأقاليم وقصد أهلها الخرطوم لإيجاد الخدمات المختلفة، أصبحت المدن البعيد فقيرة صحياً وتعليمياً، ولم يجد المواطن ملاذاً سوى اللجوء للخرطوم لإيجاد مبتغاه.
*في ظرف سنوات عديدة توسعت الخرطوم وتضاعف تعداد سكانها إلى أضعاف ما كانت عليه، وأصبحت الخدمات شبه معدومة، وشهدت ندرة في كل شيء ..المواصلات.. المستشفيات.. المدارس، وأصبح التعليم الخاص في القمة بعد أن كان في القاع، وتحول النجباء من أبنائنا الى المدارس الخاصة بعد أن وجدوا الملاذ فيها، وتوقف الدعم في المدارس الحكومية.
*الخرطوم الآن أصبحت تستوعب في “بطنها” الملايين لذا حدثت ندرة المواصلات والسكن والعلاج والتعليم، ولن ينصلح الخرطوم ما لم ينصلح حال الولايات بتوفير العلاج فيها والتعليم والطرق وغيرها من الخدمات التي يحتاجها المواطن لتحدث هجرة عكسية من الخرطوم للولايات.
*العاصمة القومية التي كان يفاخر بها جميع أهل السودان سابقاً، اليوم أصبحت عبارة عن “ريف” كبير الحجم يفتقر للخدمات الضرورية، وعلى الحكومة الانتقالية أن تبدأ التحول والتطور في خدمات “عاصمة” السودان لتصبح بقامة وطن بحجم السودان.