السياسي البديل
من أروع ما قرأت في الأسبوع الماضي ما خطه يراع الصحافي الكويتي الكاتب الكبير د. محمد الرميحي رئيس تحرير مجلة “العربي” السابق في مقالته عن الحراك من الوطن المؤقت إلى الدائم, ناقش في مقالته قضية برزت للسطح حديثاً في البلدان التي تشهد اضطرابات سياسية حيث سطت على الحكم في تلك البلدان نخبة من الساسة تعتبر الأوطان التي تقود السلطة فيها أوطاناً مؤقتة وليست مقرات دائمة لها..
وظاهرة الحكام من حملة الجنسيات المزدوجة بدأت بالعراق الذي جاءت القوات الأمريكية المحتلة ببعض العراقيين من حملة الجواز الأمريكي والمولد والنشأة والثقافة ونصبتهم القوات الأمريكية حكاماً على أنقاض حزب البعث العربي الاشتراكي الذي “ضربته” الولايات المتحدة الأمريكية وحطمت حكمه وبعثرت صفه، والكاتب الرميحي تناول هذه الظاهرة في بلدان مثل افغانستان والعراق ولبنان ومدى تأثير حملة الجوازات الأجنبية على الحياة العامة، حيث يعيش حامل “الهويتين” صراعاً داخلياً بين وطن أم ولد فيه وتوسدت أجساد آبائهم ترابه، وبين وطن منحهم العيش الرغد والحرية الشخصية والحريات العامة, فعاد محمولاً على دبابات الغزاة كما هو الحال في العراق أو عاد لوطنه محمولاً على أكتاف جماهير مخدوعة مثلما حدث في السودان بعد ثورة الشباب التي جاءت بمن يعتبر السودان وطناً مؤقتاً، وبالطبع عندما يشعر المرء بأنه عاد لوطنه مؤقتاً لا داعي لبذل الجهد وسكب العرق ولكن مهماً جداً حصد أكبر رصيد من المال والعودة مسرعاً لوطنه الآخر..
وللهجرة واللجوء للغرب أسبابه الموضوعية خاصة ومعظم منابع الهجرة للغرب هي الدول التي تقبع في قبضة الأنظمة الشمولية العسكرية، ولذلك سعى الغرب وأنفق أموالاً طائلة من أجل التغيير في أفريقيا، وقد نجح مشروع التغيير حتى الآن في عدد من البلدان منها زيمبابوي وأثيوبيا والسودان، ولكن تواجه مشروعات التغيير مصاعب كبيرة كما هو الحال في تونس، وما يحدث الآن في العراق من ثورة أهم الشروط التي ينادي بها الشباب الثائر أن لا يكون رئيس الوزراء من حملة الجنسية المزدوجة..!! وهي ذات مطالب بعض السودانيين بأن تضم الحكومة الانتقالية وزراء بلا هويات متعددة، ولكن تم خرق ذلك وجاءت الحكومة برئيس وزراء من حملة الجنسيات الأجنبية، ووزير عدل كذلك.. ووكيل وزارة الإعلام.. وغداً يعود المئات أو الآلاف من قادة الحركات المسلحة وجنودهم وضباطهم وغالبهم من حملة جوازات السفر التشادية واليوغندية والجنوب سودانية والإثيوبية.. وحتى السعودية منحت يوماً التابعية لبعض المسؤولين في السودان إمعاناً في “غمس” يدها الغريقة في الشأن الوطني..
ويقول د. الرميحي في مقالته إن الهجرة التقليدية المتمثلة في هجرة ملايين العرب الى أوطان أخرى قبل أن تنحسر أطلت هجرة أخرى يقل الحديث عنها خاصة وسط النخب التي جاءت لحكم البلدان المضطربة أو التي على شفا الاضطراب و”الهجرة الأخلاقية” التي تجعل مكاناً عزيزاً بأرضه وأهله إلى “مزرعة” تنتج بعض الخير الشخصي للفرد ذاك، ولا يهم أن ينبت مؤسسات أو مصحات أو طرق.. الذين يحملون جوازات السفر الأجنبية لا يضحون إلا بقدر ما يحصلون من ثمن لتلك التضحيات وعند الأعاصير السياسية وحينما يصبح لكرسي الحكم ثمناً يجب دفعه يهرع هؤلاء فراراً إلى بلدانهم البلدية التي يبلغونها بشق الأنفس وهم يتحدثون عن التضحيات والبطولات كما جاء على لسان سيدة يتولى زوجها منصباً رفيعاً في الدولة وهي تستشهد ببطولاته وما حاق به من ظلم حينما عجز عن أداء “الفاتحة” في روح أمه بسبب احتمال تعرضه للاعتقال!!
أداء الوزراء من حملة الجنسيات المزدوجة محل نظر الآن عند الشعب السوداني الصابر عليهم رغم الضنك ومشقة الحياة..!!