يتوجّب على مجلسيْ السيادة والوزراء، التحرُّك الفوري والعاجِل وبذل كلِّ ما في الوِسع، للبحث عن موارد ودعم عاجِل للموازنة حتى لا تحل الكارثة، فقد بنَت الحكومةُ في موازنِتها الحالية قبل التراجُع عن رفع الدعم، على سد العجزِ من ما يتوفّر من عملية رفع الدعم، حيثُ تُوجِّه وزارة المالية ما كان يُصرَف على دعم المواد البترولية والمحروقات إلى برامج أخرى وبنودٍ في الميزانية عندما تنفذ، فبعد أن تراجعت الحكومةُ عن سياسة رفع الدعم عقب يوم واحد من إجازتها، فعلى الحكومةُ أن تبحث وبسُرعة عن موارد لتمويل شراء الوقود، لأن عائدات بيعه ودعمه لا تغطي 15% من تكلفة شرائه وتوزيعه، فضلاً عن الالتزامات المالية الأخرى.
هذا كله (كوم)، وما يجري مع الخارج (كوم) آخر، فالحكومة حسب ما رشَح من معلومات، كانت قد تعهّدت لجهات خارجية منها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ودول صديقة داعِمة، أنها ستتّخِذ إجراءات، وتعتمِد سياسات إصلاحية لهيكلة الاقتصاد وإصلاح اختلالاته واعوجاج مسيرته، ومن بين هذه الإصلاحات العمل على تحفيز العملية الاقتصادية برفع الدعم وإزالة التشوّهات التي عَلِقَت بالاقتصاد السوداني ومنع انهياره، ويشترط البنك الدولي وصندوق النقد إضافة إلى دول مانحة، أن تتم هذه الإجراءات توطئة لإرفاقها مع خطوات أخرى منها شطب الولايات المتحدة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، حتى يتسنى علاج مسألة الديْن الخارجي والسماح مرة أخرى بالقروض والمِنَح والمُساعدات وفُرص التمويل من المؤسسات الدولية وغيرها .
في هذا الجانب، لا خيار متاح الآن إلا لجوء السودان إلى أشقائه من الدول والصناديق العربية، وهي أمورٌ بكلِّ ما فيها من تعقيدات نتيجة لبعض الأخطاء السياسية، فهي الأسهل حالياً ربما تكون الخيار الوحيد، لكن هؤلاء الأشقاء والأصدقاء أنفسهم لا يُمكن أن يدعموا إلا إذا توفّرت بالفعل إجراءات تجعل ما يقدمونه ذا أثر ملموس في انتعاش الاقتصاد وتجاوُز عثراته، وليس خافياً أن بعض الأشقاء والأصدقاء لهم نفس آراء البنك الدولي وصندوق النقد في مسائل الدعم..
فعملية إقناع هؤلاء بمواصلة دعمهم ووقوفهم مع السودان ليست عسيرة، إذا وجدوا أن سياسات الحكومة تتّجِه من الناحية الاقتصادية وليست السياسية إلى انتشال الاقتصاد من وُهدتِه،
ومن المُستحسَن في مثل هذه الظروف الضاغطة أن يستنهض مجلسا السيادة والوزراء، جهودهما لابتداع مسارٍ جديدٍ لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه، وإلا فإن مشروع الموازنة الحالي بكل سوءاته سيكون قشة تقصِم ظهر بعير الحكومة.
إذا كان مشروع السلام مع حاملي السلاح خطوة في الاتجاه الصحيح، فإن تسوية الخلافات الداخلية بين مُكوّنات الحكم، ووضع سياسات مرنة وإزالة الاحتقان الداخلي، وتقوية التماسُك الوطني، هي أقصر الطرق لإدراك ما يُدرَك ومنع الانهيار الذي تلوح طلائعه، فأهل الحكم مُطالَبون اليوم قبل الغد إلى التصالُح مع شعبهم وقيادته برؤية وطنية جامعة حتى تستقر الأوضاع وتستقيم الأحوال وتهدأ النفوس، وإلا سيكون الأنفجارُ وشيكاً.