الخبير الاقتصادي د. عادل عبد المنعم لـ(الصيحة)
موازنة 2020 طموحة لصالح الفقراء ومحدودي الدخل
أجاز مجلس الوزراء موازنة 2020م بعد مخاض عسير وترقب كبير، لاسيما وأنها تأتي في ظروف استثنائية والبلاد تمر بمرحلة حكم انتقالية جديدة مواجهة بكثير من التحديات في سبيل تحقيق إصلاح سياسي واقتصادي شامل ومعالجة التشوهات التي أحدثها النظام السابق، الصيحة حاولت تفكيك بعض ما جاءت به الموازنة عبر هذا الحوار.
حوار: مروة كمال
*تقييمك لموازنة 2020م؟
ميزانية طموحة بحجم 611 مليار جنيه، قدرت بحوالي 11 ملياراً بسعر الصرف للدولار الجمركي 55 جنيهاً، والاعتماد الداخلي بحوالي 6 مليارات جنيه، وتعتمد على دعم خارجي 5 مليارات جنيه، وأعتبر ذلك دعماً طموحاً، وعلى أقل تقدير يمكن أن تحقق دعماً خارجياً 3 مليارات جنيه، وأتوقع أن تحقق على أسوأ الفروض 80% من المبلغ الموضوع في الموازنة، وأكد أنها موازنة لصالح الفقراء ومحدودي الدخل، وتعمل على إعادة توزيع الدخول من الأغنياء للفقراء. فالموجهات العامة والهيكلة العامة للموازنة ليس بها خطأ.
*رؤية اقتصادية عن رفع الدعم عن الوقود؟
خطوة رفع الدعم عن الوقود تأخرت كثيراً، والشاهد أن آخر زيادة طرأت على الوقود منذ العام 2013م، ولا شك أن دعم البنزين والوقود عامة ترتب عليه تمويل كبير جداً بالعجز، وتراكم للكتلة النقدية، وهو من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى التضخم الحالي، وعالميًا رفع الدعم عن الوقود سياسة متبعة وتركت آثاراً إيجابية في كثير من الدول التي اتبعتها.
*مدى تقبّل الشارع العام لهذا الاتجاه الذي يتخوّف منه؟
في البداية سوف تجد مقاومة، وهذا شيء طبيعي، فأي شعب أو مواطن يرفض زيادة سلعة خاصة وإن كانت هذه السلعة مهمة، لكن على صعيد الدول النامية لديها آثار إيجابية خاصة على المواطنين أصحاب الدخل المحدود، لجهة أن يعمل على إعادة توزيع الدخول من الأغنياء للفقراء، فمن السهل على الحكومة أن تقوم بالدعم وطباعة أوراق نقدية، وتجعل من الخبز والوقود مدعوماً وبأسعار رخيصة، بيد أنها سلعة أوسلعتان بينما عدم رفع الدعم تترتب عليه ضريبة تسمى ضريبة التضخم، وهذا ما حدث حالياً، فمنذ نهاية ديسمبر 2017م وحتى ديسمبر 2019م توجد ضريبة تضخم بلغت 200% على أصحاب الدخول المحدودة والفقراء وقضت على دخولهم بنسبة كبيرة جدًا تصل إلى 70%، إضافة إلى أن استمرار الدعم تسبب في اختلالات وتشوهات في الاقتصاد وعدم استقرار الأسعار، بينما هنالك في الطرف الآخر فئات استفادت من عملية الدعم متمثلة في فئات المنتجين ومقدمي الخدمات والذين دائماً ما يقومون برفع أسعارهم لمجاراة الأسعار التضخمية في السوق، فالمواطن بات مطحوناً بين مطرقة التضخم وسندان رفع الأسعار بواسطة فئات الأخرى التي يتعامل معها، فرفع الدعم في المقام الأول انطباعه نفسي، فأي شخص يتم إخباره برفع الدعم أو زيادة سعر سلعة يكون انطباعه الأول سيئاً ويقوم برفض هذا الاتجاه، لكن كسياسة اقتصادية للدولة يجب عليها تبنيها مهما كلف الأمر، طالما أنها حكومة مسنودة شعبياً هدفها الإصلاح الاقتصادي، فيجب أن تتبنى سياسة رفع الدعم.
زيادة الأجور في الموازنة؟
زيادة الأجور من بشريات موازنة 2020م، وهو أمر من واجب الدولة لجهة أن أصحاب الدخل المحدود وعلى رأسهم أصحاب المرتبات تعرضوا لضريبة تضخمية بلغت 200% منذ نهاية ديسمبر 2018م وحتى العام الحالي نتيجة لعدم رفع الدعم مما أدى إلى تراكم دخول العاملين بالدولة بنسبة كبيرة جداً وفقدت 70-80% من قوتها الشرائية، وأحالت حياتهم إلى صعوبات كبيرة جداً لمواجهة متطلبات الحياه، فالمرتب بات لا يكفي لأكثر من أسبوع، فموازنة 2020 انتبهت إلى هذا الجانب الهام، وتقرر مضاعفة هذا المرتبات بنسبة 100%، وهذا شيء إيجابي لصالح الموازنة خاصة وأن العاملين بالدولة يصل عددهم إلى حوالي 150 ألفاً للحكومة الاتحادية و450 ألفاً للولايات، بجانب العاملين بأجهزة القوات النظامية، فالعاملون يشكلون عماد الدولة، وتعتمد عليهم في تسيير مهامها، فالعاملون عانوا كثيرًا في الفترة الماضية بسبب السياسات الخاطئة التي كانت تقوم بدعم لا يذهب إلى مستحقيه، وإنما لصالح الأغنياء خاصة المواد البترولية وتقديمها بسعر أقل من السعر العالمي، مما يزيد من استهلاكها وحرقها بواسطة الفئات المقتدرة لجهة أن من الأسباب أن أصحاب الدخل المحدود والفقراء هم من يستقلون المركبات العامة، وهنالك بعض كتاب الأعمدة بالصحف يحاولون إثارة هذه الطبقة المطحونة التي لا تتوفر لديها المواصلات العامة حتى بدعوى رفع الدعم عن المحروقات سوف يتسبب في رفع أسعار المواصلات والتي بدأت في الأساس بارتفاع قبل رفع الدعم، لجهة أن أصحاب المركبات قاموا برفع التذاكر نتيجة لارتفاع أسعار الإسبيرات نتيجة للانخفاض الكبير في سعر الجنيه نتيجة لطباعة النقود والتمويل بالعجز وسعر الصرف للدولار الجمركي غير الواقعي، فالدعم لم يشفع للفئات التي تستقل المواصلات بالتنقل بسعر زهيد، بل أصبح أصحاب الحافلات يقسمون المشوار إلى ثلاثة لزيادة الإيرادات مما شكل عبئاً على المواطنين.
بعض المجموعات الاقتصادية في قوى الحرية والتغيير تهاجم الموازنة وترفض رفع الدعم بحجة أنه يؤثر على الفئات الفقيرة، وهذا حديث خطأ لا يصدر إلا من شخص لديه أغراض أخرى، فمن الواضح أن هذه الفئة تم نسفها طوال فترة الدعم، ومن انخفاض كبير في قيمة الجنيه الذي يفقد 100% من قيمته سنوياً.
*الدعم سوف يتم رفعه تدريجياً الجدوى من ذلك؟
تأخير رفع الدعم حتى شهري أبريل وأغسطس ورفع الدولار الجمركي سوف تكون له آثار اقتصادية سيئة جدًا، وأتوقع إن لم يتم رفع الدعم مطلع يناير القادم وفوراً أن يصل الدولار إلى 120 جنيهاً في يناير، وفي حال استمرار سياسة عدم رفع الدعم أو تم رفعه بدرجة ضعيفة سوف يصل سعر الدولار إلى 200 جنيه نهاية 2020م، فالأمر في غاية الخطورة، ويجب وضع موازنات ومعالجات بالنسبة لرفع الدعم وتوعية المواطنين.
أهم شيء للمواطن هو سعر الجنيه الذي يحمله في يده ويمثل القوة الشرائية، ويجب عدم التركيز في رفع الدعم أو عدمه، هذه سوف تأتي تلقائياً، وإنما يجب التركيز على كيفية زيادة سعر الجنيه الذي يحمله المواطن صاحب الدخل المحدود، ومعظم السودانيين من هذه الفئة.
*اتجاه الدولة نحو رفع الدعم عن البنزين أولاً كيف تقيّمه؟
أنا من أنصار رفع الدعم عن البنزين والجازولين معًا كاملاً بنسبة كبيرة جدًا منذ مطلع يناير لإحداث أثر على الجنيه وزيادة الإيرادات، حقيقة هي سياسات تأخرت كثيراً، وكان يجب اتباعها منذ أن تولى المجلس الانتقالي مهام اللجنة الاقتصادية رفع الدعم وزيادة الدولار الجمركي الذي تم خفضه في حكومة إيلا إلى 15 جنيهاً، وجميعها سياسات مشوهة، فالدولة تقوم بدعم البنزين بما لا يقل عن 57 مليار جنيه في العام، وهذا مبلغ كبير، وأعتقد أنه أكبر من ذلك، لجهة أن الموازنة مبنية على سعر 18 جنيهاً، وليس واقعياً، فسعر لتر المياه بات أعلى من سعر البنزين، الجالون 28 للبنزين و18 للجازولين، وهذه أسعار غير واقعية ومشوهة ولم تنعكس على المواطن، فالمواطن يدفع تكاليف كبيرة جداً في نقله لجهة أن صاحب المركبة يشتري إسبيرات بأسعار عالية جداً، وهذه عملية غير مجدية بدعم سلعة أو سلعتين بدليل ان لها ضريبة تضخمية تأخذ من دخل المواطن، وما يدفعه في جميع السلع الأخرى.
*هنالك تحذيرات أطلقها اقتصاديون وسياسيون من موازنة 2020م كيف تراها؟
هذه التخوفات غير واقعية، وعليهم ترك الموازنة لتطبق، وأن تمضي الحكومة في سبيلها، خاصة وأن الموجهات العامة الأساسية لأي مراقب اقتصادي يراها في الموازنة هي موجهات صحيحة والتي قامت على رفع الضرائب على أصحاب الدخول وأصحاب الأرباح العالية، وإلغاء الإعفاءات الضريبية والتدرج في إلغاء الدعم وسعر واقعي لسعر الصرف والدولار الجمركي.
*هنالك تخوف من ارتفاع أسعار السلع التي ترتبط بالدعم ما مدى صحة ذلك؟
الوقود سلعة تدخل في معظم السلع والخدمات، لكن لن يؤدي لرفع الأسعار لجهة أن ضريبة التضخم تلقائيًا أدت إلى رفع الأسعار لكثير من المنتجات، فالمواصلات مثلاً الجازولين مكون أساسي في عملية النقل تصل إلى 50%، فكلما زاد البنزين والجازولين بأسعار كبيرة أثر في وقف التضخم وتدهور الجنيه، وله آثار إيجابية سريعة، وأيضاً كلما تم الرفع بنسب ضعيفة كان الأثر بطيئاً، فبعض السلع هنالك احتمالات بارتفاعها نتيجة للبداية الصدمة، بيد أن الأثر الإيجابي يأتي عقبها بزيادة قيمة الجنيه، وأتوقع في حال الحكومة اتخذت خطوات جريئة، وقامت برفع سعر البنزين والجازولين وتخفيض سعر القمح بنسبة 50%، وسوف تحقق إيرادات كبيرة وتدعم الجنيه بصورة غير مسبوقة، وأتوقع تراجع سعر الدولار بصورة دراماتيكية كبيرة جدًا خاصة إذا تم ترشيد الاستيراد مع رفع الدعم سوف ينهار الدولار ويمكن أن يصل إلى 60 جنيهاً، فضلاً عن امتصاص الكتلة النقدية الكبيرة جدًا، وبالتالي تكون زيادة في دخول المواطنين وقوتهم الشرائية وانخفاض الأسعار وأثر إيجابي على علاقات الإنتاج واستقرار الأسعار.