اللائي يفقدن حياتهن عند الوضوع لعدم وجود رعاية صحية كافية!
لست اليوم بصدد الحديث عن الفقر ومآلاته وأبعاده وصوره، فجميعكم بإمكانه أن يتحدّث عنه حديث العارفين وله معه صولات وجولات وحكايات.. ولكنني سأتحدّث عن (خط الإنسانية).. وهو الخط الذي لا نقع تحته ولا فوقه لأنه لا وجود له أساساً في واقعنا السوداني المعاصر!!
فالإنسانية تَتَبَدّى في أبسط صُورها في العدل والرحمة والاحترام.. وهي القيم الثلاث التي لا يمكنك أن تجزم بتداولها بين الناس في بلادي.. والتي فشلت الحكومات في توفيرها أو تعليمنا إيّاها أو فرضها قسراً كما يحدث في الكثير من بقاع الدنيا حتى صارت بمرور الأيام سلوكاً أصيلاً للشعوب!
وستعلم البُعد الحقيقي لكلامي هذا، حالما قدّر لك أن تعبر مطار الخرطوم لتحط رحالك في مدينة ما قد لا يتجاوز عمرها الأربعين عاماً منذ أن بدأ يدب فيها العُمران!.. ولكن لأنهم جعلوا الإنسان أولاً فقد نجحوا في توظيفه كما يجب طائعاً مُختاراً وبكل حماسٍ ليبني نَهضةً عُمرانيةً مُدهشةً ويُؤسِّس للحياة في أبهى صورها.
هنا.. لدينا وزارة كااااملة يتغيّر اسمها كل حين تُعنى بالموارد البشرية ولا أرى أثراً لمهام حقيبتها الوزارية على الإطلاق!!.. هنا.. لا وجود للابتسام أو سرعة الأداء أو الإخلاص في العمل في أيِّ مرفق تتعلّق به تفاصيل حياتك اليومية إلا على نحو فردي فقط، لأنّ أحدهم كان بفضل ربي (ود ناس) وكان هذا هو أسلوب تربيته وحياته.
أما أن يفرض عليك النظام ضرورة الالتزام بقضاء حوائج الناس بذمة وضمير وإتقان.. فلا تنتظر ذلك في السودااان!!
في الخارج.. تُفرض الغرامات على كل صغيرةٍ وكبيرةٍ تمس إنسانيتك حتى ولو لم تكن من مُواطني تلك البلاد، فيكفي أنّك في حماها وتدعم اقتصادها.
في الداخل.. يقوم الاقتصاد على أكتافنا.. وتخرج علينا الجهات المعنية كل صباح بجباية جديدة.. وكلما استشرى الفساد في المال العام حكموا علينا بشد الحزام.. وما زلنا لا نراوح خانة الأنعام لنرتقي لمصاف الإنسانية!!
وإذا قرّرت يوماً إجراء مُعاملة حكومية أو استخراج ورقة رسمية، فاستعد لإهدار يومك والأيام التالية في اللهاث بين المكاتب والمُوظّفين الساخطين.. وكذلك الحال في المحاكم.. وأقسام الشرطة.. والمُستشفيات.. حيث يسيطر الخوف على مشاعرنا وتصرُّفاتنا حتى وإن كنا أصحاب حق واضح.. فالسُّلطات هنا لا تُفرِّق بين الناس.. فتمارس سطوتها على الجميع.. ترويعاً وتقريظاً وتهكُّماً!!
نفتقر إلى الشعور بالأمان.. لأننا نعلم أننا قد نقع في أي لحظة تحت طائلة العقاب أو الإهانة دون تحرٍ أو تمحيصٍ.. وبعدها.. حالما اتّضح أنّك مَظلومٌ.. فلن يكلف أحدهم نفسه مَشَقّة الاعتذار!!
ولكن.. غالبيتنا نُساهم بقدر في محو خط الإنسانية من حياتنا.. معظمنا ندور في دائرة مُغلقة وكما نُدين ندان.. معظمنا لا نجيد فن التعامُل الإنساني ونفتقر لثقافة الاعتذار والتسامُح والتّجرُّد والإتقان والمسؤولية!!
لذلك سنظل نرزح طويلاً تحت وطأة الظلم والتهاوُن والإستياء والخوف والرغبة في الفرار أو الهجرة.
الأمر يحتاج وقفةً مع النفس.. لنعلمها أبجديات الإنسانية والوطنية وتقوى الله.. فحتى تصبح إنساناً سويّاً، أرجو ألا تنتظر عربة النفايات لتميط الأذى عن طريقك.. ولا تتوقّع من الحكومة أن تلزم أحدهم بصدقة التبسُّم في وجهك.. فالحكومات منشغلة بما هو أكبر من إنسانيتنا!!
تلويح:
تعلم كيف تصبح إنساناً لتُحافظ على إنسانية الآخرين.. فهذه المادّة غير مُدرجة في المُقرّرات الدراسية الخاوية!!