رفقاً بالعدالة!! (1ــ2)
كنتُ أتمنى أن أقول عن تلك (الداهية) أنها (تتسلل) إلينا.. فالتسلل يتم (على الهوينا) كما أن المتسلل فيه نصيب من الخوف، لذا لواذاً يدلف واجفًا مرتجفاً.. فينفع معه (التحزم) ويجدينا (التلزم)..
لكن الذي استغشانا لم يكن تسللاً أبداً!!
مثل الكارثة تأتي وحدها ولكنها تتبرعم وتنشطر لتشكل كوارث منتجة لكوارث، لا تمنح الناس سانحة لملمة أطرافها والاستعداد…
اجتياحات بارزة أنتجها فوران الناس و(خجتهم) وبدا واضحاً أن مشهد الحوار الوطني تقمصته (لغة العوام) و(منطق الراندوك) الذي يتخذ من (البل) غاية أولية ونتيجة حتمية لا مناص منها وإن طال (النقار) وامتد الدمار.. وخربت البلود وقدت السدود ..
الحصار المضروب على مستقبلنا امتد ليصل حداً أفقد منطق العقل أي فرصة له في المحاججة وإبداء الحقيقة…
لا أحد منهم يريد أن يسمع بل أن الشوط سيمضي وفق ما رشح لآخر محطات الجنون وإن رغمت عقول..
والرشيد معانا…
والله ياذى الأذانا
وبرانا بنعرف مستوانا. .
منطق الرجرجة والدهماء لم يعد
محصوراً وضيقا حرجًا..
ساد له المكان فمد حباله على كل ما هو أثير ومرعي ومبرور…وتمطى حتى وصل إلى أيقونات تاريخية التمجيد والقداسة !!! فخرج هتافاً مُراً متواصلاً بطعم الشعور بالتعري حتى آخر قطعة:
(معليش معليش.. ما عندنا جيش).
أي والله…
كانوا تحت حمايتها والرعاية بينما كانوا في ذات الوقت يلعنونها!!
بصقوا على شرطتنا..
ورقصوا على أحلام اللانظام…
وكأن ثورتنا احتشدت لتجريدنا من ذاتنا.. لنصير بلا هوية ولا رابط.. معلقين بأسمال واهية وروابط غابية متوحشة.
(الما عندوا كبير يفتشلو كبير)..
لكنهم عمدوا إلى اغتيال الكبير في داخلنا… ابتداء من العلي القدير وقرآنه وتنزلاً إلى تلك الروابط الجامعة التي تشد من أواصرنا وتقوي تماسكنا وتمنحنا الثقة في مؤسساتنا الوطنية التي يجب أن تبقى لحين كريهة وسداد ثغر..
لم تكُن لتنجح الثورة لولا أن ذروة سنامها وموضع انشطارها اعثمد علي الاحتماء بـ(الكاكي) وأبناء الدولة السودانية الذين يعرفون كيف يحفظون سر الإجادة والتدخل حين يكون الصمت جريمة والسكوت انتحارًا..
والجيش لم يكن سوى محطة من محطاتهم للتجاوز والتجديف والضرب أقصى (السوادة) وتحت الحزام!!
افتتح سيف الدولة حمدنا الله سوقاً جديداً لإهدار تلك الاحترامات المطلوبة لمؤسساتنا.. وقص شريط الإجهاز على هيبة القضاء بعد أن توغلوا ملياً في هيبة الجيش وعبثوا مطولاً بشرطتنا…
مقال أسفيري للقاضي السابق الذي فُصل من القضائية -لأسباب نفصح عنها في حينها- و(الفاضي) حالياً والمقيم في الخليج.. حمل المقال عنوان:
(ماذا لو قضت المحكمة الدستورية ببطلان الوثيقة الدستورية؟!).
حضنا فيه جهارًا على نسيان قيمنا اغتيالاً لرمزية قضاتنا…
وسيف الدولة الذي يحزنه – ويفرحنا- أنه فصل من القضائية استدار محاولاً أن يفش غبائنه الخاصة ومن بعيد يجرب شيئاً من أدوات (السوشيال ميديا) لتحريك الأوضاع داخل البيت الذي لفظه.. من بعيد يجرب مرة أخرى ان يحدد المسار… وكان قد شارك بقوة وفعالية في الدفع بالحبر ومولانا نعمات الى منصات العدالة وكتب حينها وكأنه يطير فرحًا
(كسبتا الحرب بتوليهما .. نبارك للثورة مسيرة العدالة التي طال انتظارها).
وقتها كنا علي النقيض وحذرنا من التماهي مع تلك الرغبات الطفولية الساعية لتجاوز (الرولز) وتجاوز الوثيقة الدستورية الأصلية للتدخل في توجيه أدوات العدالة لتتحول القضائية ورئيس القضاء إلى مترافع بامتياز عن عميل.. وألا تكون بتلك المسافة الافتراضية المطلوبة!!
بصرف النظر عن عدالة وثورية ونقاء هذا العميل، فإنه يظل خصيماً ينبغي أن يتساوى وقوفه واغياره أمام منضدة القضاء..
أي بداية غير تلك البداية مجبوبة ومنبتة، عمر حنينها الأيام سرعان ما تتلاشى..
وحين نكمل خناق القضاء فذلك يعني أننا أنتجنا سلطة لا تخضع للمحاسبة من داخلها.. بل هي سلطة تكون رهينة بمنتجها ومخرجها الذي هو الآن – للأسف- سيف الدولة ليتنزل من (علاهو الفوق) ويتباهى في مقاله الأخير بحقه في مساءلة القضاء .. تلك المساءلة التي ينبغي أن تتم وفق الإطار المؤسساتي لا السوشيال ميديا!!
… يتبع