رئيس الحركة الشعبية مالك عقار في حوار مع “الصيحة”
“الحُرية والتّغيير” نُشطاء سِيَاسيُّون.. واقتصاد الحرب لن يخدم الدولة
مُشكلات السودان مُعقّدة وحلّها ليس عَصِيّاً
الحلو رفيق درب وليس عدوّاً ولن نيأس من التنسيق معاً
لا يُوجد دولة سُودانية.. الموجود حاجة كدا.. ملزقة بـ”البصاق”..
مُشكلة السودان تكمن في فشل النخب لإدارة التنوُّع
الحكم الذاتي مَطلبٌ للمنطقتين، ولا يُمكن أن نُجرِّب المُجرّب
سنصل إلى سلامٍ.. ولا نُريد أن نُسمِّي (الجنا في بطن أمه)!
حاورته بجوبا: شادية سيد أحمد
قال رئيس الحركة الشعبية مالك عقار، إنّه من السابق لأوانه تقييم منهج التفاوض الحالي، ولكن خلال الفترة القصيرة نرى أن هناك جدية من الأطراف كَافّة للتوصل إلى سلام، وفيما يتّصل بالتنسيق مع حركة عبد العزيز الحلو، قال عقار: حتى الآن لا تُوجد خطوات ملموسة وحاولنا معه وسنُحاول ولن نيأس وعبد العزيز الحلو رفيق درب وليس عدوّاً بالنسبة لنا، ويجب التنسيق معه ومع كل المَسارات بغية الوصول إلى سلامٍ، وأضاف عقار خلال الحوار الذي أجرته معه “الصيحة” أنّ مُشكلة السودان مُعقّدة ولكن حلها ليس عصيّاً أو مُستحيلاً.
فاوضتم النظام السابق لفتراتٍ طويلةٍ، هل ترى أنّ هناك اختلافاً في المنهج التفاوضي السابق والحالي؟
المُقارنة في منهج التفاوُض يكون بين ذات السلطة، أي أن يكون للسلطة منهجٌ للتفاوٌض وتعمل على تغييره وليس بين سلطتين مخلتفتين نسبة لأن أي سلطة مختلفة قطعاً سيكون لها منهج مختلف وأسلوب مختلف، وكذلك أهداف مختلفة، نحن تفاوضنا مع سلطة المؤتمر الوطني حقبة من الزمن تفوق الـ15 عاماً خلال فترتين.. توصلنا خلال الفترة الأولى في العام 2005 إلى اتفاقٍ، الهدف منه إحداث التحوُّل الديمقراطي وجعل خيار الوحدة جاذباً، إلا أن قضية السلطة والثروة طَغَت على ذلك وأحدث ذلك إحباطاً كبيراً، وما حدث هو تقسيم إدارة الولايات لشمال وجنوب السودان مما أضر بالاتفاق وأدى إلى انفصال الجنوب باعتباره خياراً جاذباً لأهل الجنوب، وكان كل ما تقدّم أهل الجنوب للوحدة، تراجع الشمال عن ذلك ثلاث خطوات نحو الفرقة والشتات، المنهج كان يشير إلى أن هناك سلطة تعمل بكل السُّبل للمُحافظة على بقائها في السلطة وكانت تمنح باليد اليمنى وتأخذ في المُحافظة على أشيائها باليد اليسرى.
وماذا عن منهج التفاوُض للفترة الحالية بعد التغيير الذي حَدَثَ؟
ما زال الوقت باكراً للحكم على منهجية التفاوُض الذي يدور الآن أو تقييمه، ولكن خلال الفترة القصيرة هذه نستطيع أن نقول إنّ هناك إيجابيات نسبةً لأنّ الوضع في السودان الآن هشٌ ويُجابه بالعديد من التحديات الكبيرة تتمثل في أنّ السودان يكون أو لا يكون، وفي حالة أصبح السودان لا يكون، تكون الدولة قد تشظّت ولا تُوجد خُطة لالتقاط هذه الشظايا وإعادة ترتيب الدولة السودانية، وفي الاتجاه الثاني أن يحدث تحوُّلٌ ديمقراطيٌّ وهذا هو المطلوب، ولكن الآن يوجد صراعٌ علنيٌّ وآخر خفيٌّ ما بين مُكوِّنات الدولة وهذا تحدٍ يتطلب المُعالجة، المنهجية السابقة تتبع لسلطة مُعيّنة وهذه المنهجية تتبع لسلطة أخرى والكيانان مُختلفان.
هل للسلام دورٌ في هذه المُعالجة؟
نعم وهناك من الحكماء وينظرون بعين الحكمة أنّ تحقيق السلام مطلبٌ أساسيٌّ ليجمع هذا الشتات ويُساعد في بناء الدولة المُستقرة والاستقرار، ويوجد الآن في السودان عددٌ من الجيوش قرابة الخمسة، ولذلك فإن الترتيبات الأمنية من الأساسيات التي تُساعد على الاستقرار في السودان ولا تُوجد آلية أو عصا سحري لجمع هذه القوات وتتم إذابتها في بوتقةٍ واحدةٍ ومُكوِّنٍ واحدٍ “الدعم السريع، القوات المسلحة، القوات الجهوية والحركات المسلحة”، ولا بُدّ أن تُخضع كل هذه المُكوِّنات لإعادة هيكلة وإصلاح يفضي إلى تكوين جيش مهني واحدٍ سُوداني يعكس التنوُّع السوداني وهذا يُساعد على الاستقرار والنمو الاقتصادي، خَاصّةً وأن الاقتصاد ما زال هو اقتصاد حرب، واقتصاد الحرب طبعاً لا يُصلح الدولة، ومن خلال كل تلك الدوافع نحتاج إلى تحقيق السلام، الحكومة لها الرغبة في تحقيق السلام حتى الآن إلى أن يثبت العكس وكذلك بعدم الجدية، نحن كذلك جادون في تحقيق السلام حتى يتبيّن أننا لسنا جادين في ذلك، الأطراف جميعها جادّة، ولو استثمرنا هذه النقطة سنُحقِّق السلام ونُعالج جُذُور المُشكلات ونصل إلى تسوية قضية الحرب، وهذا ليس ببدعة وممكن أن يتَحقّق السلام ولا يُوجد مُستحيلٌ.
من خلال الوضع الحالي والوتيرة التفاؤلية للمُتفاوضين.. تحقيق السلام خلال هذه الجولة واردٌ؟
لا نستطيع أن نضع زمناً مُعيّناً لتحقيق السلام، لأن الحوار على طاولة التفاوُض لا يزال مُستمراً، ومشاكل السودان مُعقّدة ولكنها قابلة للحل، لا تُوجد دولة تُسمى الدولة السودانية وهي لملمة بتاعت أطراف أسميناها السودان، ولا يُوجد منهاج لبلورة الدولة السودانية التي نتحدّث عنها، وهناك فُرص كثيرة منذ أعوامٍ خلت عبر كثير من الاتفاقيات أضعناها ليكون لدينا سُودان، أما السودان الحالي حاجة كدا “ملزقة بالبصاق”، لأنّ التبايُن الثقافي والعرقي مازال يسيطر على الموقف السوداني، ولكي تتم مُعالجة هذه القضايا تحتاج إلى وقتٍ، ولكن هذا بالطبع لا يعني أن يكون الوقت إلى ما لا نهاية، يجب أن يكون هناك وقتٌ معقولٌ ومُناسبٌ لأنه بعد الاتفاق تكون هناك وقت آخر للتنفيذ وبالتالي لا نستطيع أن نأتي بالاتفاق في يومٍ واحدٍ أو نعمل السودان في شهر، وتحقيق السلام عملية إجراءات وليس توقيعاً فحسب، ولكن أؤكد لك من خلال هذه الجولة هناك شئ ما إيجابي سيتم التوصُّل إليه دُون تحديد توقيتٍ مُحدّدٍ، (وأهلنا ما بسمو الجنا وهو في بطن أمه).
أشرت من خلال حديثك إلى تعقيدات المُشكلة السودانية.. في تقديرك هل تُوجد إرادة كاملة لحلها؟
من خلال ما أحس وأرى من خلال إجراءات التفاوُض، ألمس أن هناك إرادة لدى الأطراف لمُعالجة المشكلة من جذورها، الحرب والنزوح والوضع المُزري ليست بالمشكلات الأساسية في السودان، كل هذه إفرازات للمُشكلة، ومشكلة السودان تكمن في فشل النخب لإدارة التنوُّع وهذا تسبّب في خلق المرارات، ونبحث الآن عن حُسن إدارة التنوُّع، ولكي تُعالج هذه المشاكل، هناك ثمن لا بُدّ أن يتم دفعه كل من موقعه داخل أو خارج السلطة، لا بُدّ أن يدفع لتتم مُعالجة القضية السودانية.
ذكرت أن الوضع هشٌّ في السودان في حال عدم التوصُّل إلى اتفاق سلام.. يُمكن أن ينحدر السودان نحو الهاوية؟
السودان الآن في الهاوية والسؤال هل يقع في القاع أم لا.. من ناحية انحدر هو انحدر، لكن هل سيقف عند هذا الحد أم يقع في القاع؟!
على ماذا يتوقّف هذا؟
على أشياءٍ ومُعطياتٍ كثيرةٍ، من بينها تحقيق السلام وهو شرطٌ أساسي، إلى جانب أشياء كثيرة ويتوقّف ذلك أيضاً على إرادة واستعداد السودانيين أنفسهم لانتشال دولتهم، ومُخاطبة القضايا وليست المُشاعر.
قضية كيف يحكم السودان من وجهة نظر مالك عقار؟
كيفية إدارة التنوُّع.. تتمثل في كيف يُحكم السودان، الوضع الماثل الآن للكيان السوداني أقول لك، يصعب إدارة وحكم هذا الكيان من مركز قوي قابض في الوقت الحالي، السودان لا بُدّ أن يُحكم وفق آلية تخلق وئاماً بين الهامش والمركز وبين الولايات أو الأقاليم والمركز، ولو تم ذلك سنصل إلى كيف يُحكم السودان، ولكن أرى أنّ هناك مجموعات لا أريد أن أسمِّيها.. فالإنسان مرآة لبيئته وهذا ينعكس من الحديث والتداوُل في الأشياء ويقومون بتداركها، ولكن بعد أن يقع الفأس في الرأس، وهذه أيضاً من التحديات التي تُواجه السودان.
ما هي الأسباب التي أدّت إلى مُطالبتكم كحركة شعبية بالحكم الذاتي في المنطقتين وحَق التشريع؟
كل أنظمة الحكم في السودان جرّبت، الحكم المركزي القابض، الحكم المركزي غير القابض، قابض من ناحية القوانين والصلاحيات كل هذه التجارب لم تنجح ولا يُمكن أن نجرِّب كل فترة ذات الأشياء، نجرِّب المُجرّب، والدول التي حقّقت استقراراً لها ذات التعددات الموجودة في السودان، والسودان بوضعه الحالي يصعب حكمه من المركز، لا بُدّ أن يُحكم من الأجزاء، ولكي يتم ذلك نحن نرى أن الحكم الذاتي للمنطقتين هو أفضل أنواع الحكم، نحن لسنا سُجناء التعابير، القضية قضية الصلاحيات التي سيُمارسها إقليم النيل الأزرق أو جنوب كردفان، وما هي الصلاحيات المطلوبة ولماذا، والأمر ليس هوى نفسي، لا بُدّ أن تكون هناك أسباب مُحدّدة تتوافق مع الصلاحيات التي ستُمارسها، هناك إقليم منتج وله ثروات غير مُستمتعة، والصلاحيات تتوقّف على حوجة الولاية أو الإقليم.
ولكن بالمُقابل هناك ولايات فقيرة؟
نعم هناك ولايات فقيرة.. ولم نقل لها إنتِ فقيرة.. “اتكلي على الله”.. لا بُدّ أن يكون هناك معيارٌ مُعيّنٌ في كيفية التعامُل مع الولايات الفقيرة والتي لها ثروات.. النيل الأزرق من أغنى الولايات ولكنها من أفقر الولايات.
ماذا تقصد؟
لا تُوجد بها تنمية، أي هي فقيرة تنموياً رغم أن بها ثروات كبيرة، والمركز يقوم باستغلال هذه الثروات.. بها ثروات معدنية وقانون الثروات المعدنية هو قانون مركزي، والزراعة كذلك قوانينها مركزية.. ولاية النيل الأزرق تنتج من الكروم في اليوم الواحد قرابة الـ٣٧ جراراً هذا في المتوسط، كل جرار به ٣٦ طناً، وسعر الطن ٥٠٠ دولار وحق الولاية ٥٠٠ جنيه وهذا تباينٌ.
أشرتم إلى الاستعداد التّام للتّنسيق مع حركة عبد العزيز الحلو بشأن منبر جوبا.. ماذا تمّ في هذا الشأن؟
عبد العزيز الحلو ليس عدوّاً لنا ورفيق درب ونحن كُنّا حركة واحدة في يوم من الأيام والأسباب انقسمنا، الحلو له وجودٌ في المنطقتين، ونحن لنا وجودٌ، ونحن مع التنسيق لأنه لا يُمكن أن يكون هناك توقيع اتفاقيتي سلام للمنطقتين، بهذه الطريقة لن يتنفذ السلام، لذلك نُريد أن نُنسِّق سوياً في هذه القضايا، ليس مع عبد العزيز الحلو فحسب، بل مع المسارات كافة نسبةً لوجود قضايا قومية مُشتركة.
هَل من خَطواتٍ في هذا الاتّجاه؟
حتى الآن لم تتم أيّة خطوات مع عبد العزيز الحلو، حاولنا وما زلنا نُحاول ولن نيأس لأنه لا بُدّ أن يكون هناك تنسيقٌ مع كل المسارات نسبةً لوجود قضايا قومية مُشتركة، الترتيبات الأمنية والسلطة والثروة والمُواطنة وحُقُوق الإنسان وكيف يحكم السودان وغيرها من القضايا المشتركة.
رسالة من مالك عقار المُتفاوضين؟
ننشد أن يكون هناك سلامٌ عادلٌ للسودان، سلامٌ يُخاطب الفقراء قبل الأغنياء، والهامش قبل المركز، والنازحين واللاجئين قبل أصحاب الشركات.
مَرّ عامٌ على الثورة وأنتم جُزءٌ من الحرية والتغيير.. تقييمكم لأداء الحرية والتغيير؟
الحُرية والتّغيير.. نُشطاءٌ سياسيُّون..!