“لا بد من طرائق جديدة لتذليل الصعاب التي تعترض مسالك الحكم الرشيد في بلادنا التي سبق نشوء الدولة – في تاريخها – نشوء الأمة”.. الكاتبة ..!
(1)
القدح في كفاءة أحدهم لنيل منصب ما لا يعني بالضرورة التشكيك في وطنيته أو نضاله الثوري، أو حتى عدالته أو جدارته بأن يكون ضمن أيقونات هذه الثورة. فالجدارة الثورية شيء والأهلية الدستورية شيء آخر. ولعل هذه هي أول وأولى مفاهيم هذه الثورة.. ثم أن الدفاع عن حق أحدهم في البراءة، أو رفض خضوعه للمحاكمة، أو الدفاع عن حقه في أن يتبوأ منصباً دستورياً لخدمة الوطن، ينبغي أن يقوم على أساس أحكام منطقية، واعتبارات محايدة لا شأن لها بالعلاقات الشخصية، أو المواقف العاطفية. هكذا – وهكذا فقط – تُبنَى دعائم الحكم الرشيد الذي به تتقدم الأمم..!
(2)
ما زلت عند رأيي حول ذلك النهج الإقصائي الذي توارثه ــ بتصرف – بعض المتشددين عن علماء وفقهاء كبار تجنبوا الخوض في بعض الأحداث التاريخية بنية المحافظة على نقاء الدين، فميزوا بين العامة “أنتم .. ونحن .. وهؤلاء .. وأولئك”، والخاصة “العلماء والفقهاء وطلبة العلم المحققين” فيما يجب أو يحق لكل منا معرفته من أمور هذا الدين.. وأي نقاش لتلك المسلمات المتوارثة يجعل هؤلاء وأولئك يفقدون السيطرة على منهجية علمية، فقهية، محققة، حذرة، متشككة، ظلت طوال أربعة عشر قرناً من الزمان تقرر وترسم حدود معرفة “العامة” ببعض “الخاص” .. الملاحظ أن معظم روايات المتشددين التي نسبوها إلى بعض الصحابة – رضى الله عنهم – هي البذور التي أضحت ثماراً لفقه التطرف الديني الذي أفضى إلى الإرهاب .. لا ضير إذاً في التحقق من بعضها – وتبيان علاتها من علماء الأمة وفقهائها الثقاة – من باب نصرة الإسلام الحق وتنوير المسلمين..!
(3)
هنالك فجوة جيلية تعصف باتساق المواقف بين سياقين مهمين في معظم الأحزب، سياق القيادة بأقوالها وأفعالها ومواقفها السياسية المعلنة، وسياق فئة من الجماهير برفضها واستنكارها لمواقف قياداتها، واحتجاجها وحراكها الثوري. ولأن المفارقة تكمن في أن الرافضين لمواقف تلك القيادات كانوا ولا يزالون أعضاءً يثور سؤال: كيف ولماذا يحتفظ الشباب بعضويتهم في كيان حزبي لا يشاورهم في قراراته ومواقفه التي تمثلهم، وبالتالي فهم يتمردون على تلك القرارات ويثورون على تلك المواقف؟! .. لقد بَثَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – الإيمان بحنكة الشباب في أمَّته، عندما نزع لواء الأنصار من “سعد بن عبادة” في فتح مكة، وأعطاه لولده “قيس بن سعد”، بعد أن أثار “سعد” حفيظة قريش بقوله “اليوم يوم الملحمة، اليوم ذلت قريش وخابت”. فاستلم “قيس” الراية من أبيه، ووقف في نفس المقام، وقال “اليوم يوم المرحمة، اليوم طابت قريش وعَزَّت”. فهل يا تُرى من مُذَّكٍر ..؟!
(4)
أخشى ما أخشاه أن يظهر فينا “جان بول مارا” آخر، وأن ينبت بين ظهرانينا “جيرونديون” آخرون، ينشغلون بالهدم عن البناء والتعمير، ويقدمون الانتقام والإقصاء على الإحياء والتجديد. نحن اليوم – كما يقول “بيتر فايس” في مسرحيته الشهيرة “مارا صاد”، على لسان صناع الثورة الفرنسية – “في مرحلة الفوضى”، ويجب أن ننتقل إلى المرحلة الثانية .. الثورة الفرنسية لم تنتقل إلى المرحلة الثانية لأن “نابليون بونابرت” كان قد استولى على الحكم بذريعة إنهاء الفوضى. “اللهم حوالينا ولا علينا”. اللهم جبراً يليق بعظمتك ولطفاً بهذا الشعب الذي ثار من أجل الخبز والكرامة أولاً..!
منى أبوزيد