*لم أعرف إلا بالأمس أن الدكتور الذي راج عنه مقطع فيديو كلية الخرطوم التطبيقية هو الدكتور فاروق كورينا…
شاهدتُ الفيديو وبلغ مني الامتعاض حداً لم أستطع معه التعليق والكتابة..
الفيديو الغرائبي يظهر فيه كورينا محفوفاً بزفة مُلحّنة من طلبة يتبعونه بأقذع الهتاف وعلى نحو متواصل من الزعيق الذي ليس فيه ذرة من احترام للعلماء ولا نفحة من توقير الكبير…
بدأ المشهد من قاعة الدرس والمحاضرة بمحاصرته، وهو في محراب الدرس.. لم يكن يحمل ملتوفاً ولا عصا.. كان يحاول أن يبذر علمه ويمضي، أحاطوا به بحجة مشاركته ليس في فض اعتصام القيادة بل في مسيرة الزحف الأخضر!!!
وكأننا لبثنا سنيناً في كهفنا لنصحو على غير تلك القيم الراسخة والموروثات المَرعيّة، فعل مضى وإلى الأبد احترامنا العميق لأساتذتنا وعلمائنا.. وهل يبدد الاختلاف في الرؤى والأفكار ما بيننا من وشائج وأصول؟!.. ثمة خطوط حمراء تم تجاوزها الأمر الذي يعني (انو تاني ما في قشة مرة)… وسنغتال ما بعدها من قيود أخلاقية حتى لا يبقى في دنياواتنا عاصم من القواصم…!!
فصول المأساة والجريمة لم يكن مسرحها الوحيد كلية الخرطوم التطبيقية بل مثلت برغم كثافة الغث، مثلت فنتازيا صغيرة لعرض السيرك الكبير الذي نصبوه على امتداد الوطن الجريح.. حتى إن وزارة التعليم العالي تفرجت على الفيديو (بمزاج) ثم قالت في انبساطة وتشفٍّ:
(شكراً حمدوك)…
فلنقل مع الجوقة الصاخبة إن د. فاروق كورينا كان زاحفاً وابن ستين زاحف.. أين الغلط؟!..
أو ليست الحرية لنا ولسوانا؟! أم إن شعار (حرية… سلام وعدالة) كان للمزايدة فقط بين يدي شعبنا الطيب الكريم؟!
وأيهما أفضل لبلادنا أن نختلف في الهواء الطلق أم أن يدخر أستاذ الجامعة طاقته ومعارفه لصنع (المكائد) و(الكمين) والتجسس لصالح الأجنبي مثلما كانوا يفعلون؟!
إن ما حدث في الكلية، لم يكن حدثاً أحاديًا ضائعاً منفرداً بل هو منهج يأخذ في كل يوم شكلاً وطابعاً جديداً تحت شعار (بس كده) و(الما عاجبو يشرب من البحر)!!
نصحكم جبريل إبراهيم قائد حركة العدل والمساواة حين قال (من الأفضل أن ندفع الإسلاميين للعمل في النور بدلاً من أن يبحثوا عن طرق وأسالب أخرى).
هي النصيحة المليون لقوى الظلام الجائح، لكنهم لا يستبينوا إلا غشاوة ضغائنهم.. فيستبد بهم الفجور في الخصومة لدرجة أن يصعد محمد ضياء مثل أولاد التطبيقية في أول أيام عمله مديراً (مُعيّناً) لشركة المواصلات العامة إلى منبر العاملين وبتوعدهم:
(أي زول مؤتمر وطني أحسن يغادر).
إن كنت تملك شهادة بحث سارية المفعول لهذا الوطن فلتبرزها أو كما قال العزيز التوم هجو.
كان الناس في ميدان جاكسون وشروني يترقبون أن (يحلهم الحلّ بلة)، ولا شأن لهم إن كان السواق جبهة أو كوز كامل الدسم أو أن الكمساري (قحتاوي) والثورة خيار الشعب..
نحتاج لقيادة تنظر أبعد من الانتقالية.. وتلك سنوات ــ إن مد الله في الآجال ــ يمكن للخصوم أن (يعدوها خنق) والله يبعث (العوارض) و(العراضات).. نتلفت جاي جاي نلقى نفسنا في 2020.
أها وبعد داك؟!
تحضرني طرفة (الأدروبات) في شجارهم مع أحد أبناء غرب إفريقيا… كان عاتياً و(مفتل).. لذا لم يُبالِ بضرباتهم ومسكاتهم المتنوعة.. واقف كالطود ودون أن يرد بضربة واحدة.. وبدا واضحاً أنه ينتظر (نهاية الفلم).. وبالفعل وبعد مضي زمن من بداية الشجار ظهر التعب جلياً على الجماعة فانبرى أحدهم مخاطباً زولنا:
(فلاتي…. كان خلينا… تخلي؟!).