الحركات ودعوتها للمدنية والسودان الجديد.. (2)
لا زلنا نتابع ونقارن ما بين المستعمر العربي المسلم كما يصفونه والمستعمر الغربي، فتعالوا نستعرض سيرة المستعمر الغربي البديل الذي ينشده دعاة السودان الجديد بعد أن استعرضنا نظيره العربي في المقال السابق، فالمستعمر الغربي الذي حكم السودان لأكثر من خمسين عاما، وجد الناس عراة مهمشين وخرج وتركهم عراة مهمشين بل زادهم تهميشاً بقانونه الجائر، قانون المناطق المقفولة والذي لم نسأل أنفسنا لماذا مقفولة؟ ومِنْ مَنْ مقفولة؟ وإمعاناً في التهميش والفرقة خلقوا المهن المهينة كمهنة الصحة ليحُمّلوا وزرها للمسلمين وأظن أن النميري هو الذي ألغى هذه المهنة وفرض لبس الملابس على المواطنين.
إلى جانب أنهم لم ينشئوا أي مشروع اقتصادي أو تنموي أو تعليمي في تلك المناطق ولم يربطوها مع الشمال بالطرق لتظل مقفولة متخلفة، فإذا كانت التهم الموجهة ضد العرب المسلمين قابلة للتحري والحيثيات والنفي والإثبات، فالثابت الذي لا يقبل النفي أن الأوروبيين جاءوا لأفريقيا من أجل المال والرجال وقد مارسوا أكبر تجارة للرق في التاريخ الحديث جلبوا خلالها 30 مليون شخص من أفريقيا لأمريكا شروهم بضاعة وتجارة ترعاها الدولة على مرأى ومسمع من الكنيسة ومحمية بالقانون والذي أُلغي قبل مائتي عام فقط في أمريكا، ولا يزال التمييز العنصري سارياً حتى اليوم، حتى الدين الذي من المفترض أن يتساوى فيه البشر لم يتساووا، فللبيض كنائسهم، وللسود كنائسهم، وللبيض مقابرهم، و للسود مقابرهم ولهم أحياؤهم ومطاعمهم، فلك أن تختار ما بين ثقافة هذا حالها، وثقافة حرمت الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق، ثقافة تقول:(إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)،(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ )، وليس كل ما يأتي من الغرب مرفوض ولكن المرفوض أن نترك أفضل ما عندنا ونأخذ أسوأ ما عندهم فاختاروا ولا تكونوا كالمستجير من الرمضاء بالنار، تحرروا عن كل ماهو سيئ وأرجعوا لجذوركم وأصولكم إن كان لكم فيها خير فلا علاقة لكم بالثقافة الغربية من قريب أو بعيد والحر من يقول ها أنا ذا، وعزاؤنا أن في هذا النفق المظلم الذي يريد دعاة السودان الجديد أن يدخلونا فيه هناك بعض الإضاءات المتمثلة في آراء بعض الوطنيين من تلك المناطق والشمال المدركين لخطورة هذه الدعوة على وحدة السودان وتراثه، فقد كتب (بيتر جات كوت) في صحيفة الإنتباهة في العام ٢٠١١م قائلاً: (لست معجباً من وضع الصحيفة لصورة الفريق سلفاكير في الصفحة الأولى بطاقية الرعاة الغربيين فهذه الطاقية لا تمثل التراث في الجنوب ولا الشمال والفريق يعرف أن الرعاة يلبسون ريش النعام في الجنوب، فلماذا يتشبه بالمستعمر فهذه الطاقية لا مزايا لها سوى التقليد)، انتهى كلام المواطن الجنوبي .
والحمد لله، السودان بخير، ونقول لدعاة المدنية والسودان الجديد إن المعلوم الذي لا ينكره أحد أنه لم تكن هناك دولة إسلامية أو دينية بالمعنى المجرد بعد دولة سيدنا عمر بن عبد العزيز وحتى الآن كلها شعارات ولافتات لا وجود لها في واقع التطبيق، وعليه لا داعي لإضاعة الوقت في شيء لا وجود له، لأنه يعقد الأمور ويعيق المفاوضات، إلا إذا كان المقصود بالعلمانية إغلاق المساجد وفتح البارات وظهور الكاسيات العاريات، وهذا سوف يواجه بمقاومة شرسة من الشارع السوداني الذي لم يخرج على الإنقاذ لأنها دولة إسلامية، ولم يكن هدفه من الخروج أن ترجع هذه المنكرات كما أنه ليس من حق أي حركة أو حزب أن يفرض صورة جديدة أو شكلاً جديداً للسودان، فالشعب السوداني هو الذي يحدد ما يريد وكيف يُحكم.
الشيخ أحمد التجاني البدوي
E-mail:[email protected]