انعدام الخدمات الصحية بمنطقة كورني.. والحجارة إجلاس تلاميذ المدرسة
١٥ عاماً لم تصل عربة للمنطقة
رصد: حسن حامد
“من رأى ليس كمن سمع” شعار رفعته وزارة الصحة بولاية جنوب دارفور في جولاتها التفقدية لمحليات الولاية الـ(٢١) بقيادة مديرها العام الجديد اختصاصي المسالك الدكتور محمد إدريس عبد الرحمن، للوقوف على أوضاع المواطنين ميدانيًا في إطار شعارها الثاني المرفوع “الصحة لا تعرف الحدود”، وفي رحلتها هذا الأسبوع لمحليات شمال نيالا كشفت عن واقع مرير في القطاع الصحي وانعدام الخدمات في بعض المناطق، خاصة محلية شرق جبل مرة التي يعاني مواطنوها من غياب الخدمات ليس في الصحة فقط، وإنما في المجالات الأخرى وتحديداً منطقة ” كورني” التابعة لمنطقة دربات حاضرة محلية شرق الجبل التي تصلها الوزارة لأول مرة بعد جهد ومعاناة الوصول إلى المنطقة التي تقع في الاتجاه الشرقي لدربات في أعلى قمم الجبلـ حيث صعبت طبيعة الجبل ووعورة الطريق مهمة وصول وفد الصحة برفقة مدير منظمة الصحة العالمية والمدير التنفيذي للمحلية الذين وصلوا للمنطقة مع قرب مغيب شمس يوم الأحد، حيث ظهرت معالم المعاناة في وجوه أهل المنطقة بفقدهم الخدمات كافة، وقولهم بأن المنطقة لم تدخلها عربة منذ خمسة عشر عاماً، بل وبعض الشباب الذين وصلت أعمارهم لعشرين سنة بأن لم يروا بعينهم عربة طوال حياتهم إلا بعد وصول العربات التي تقل وفد الصحة.
بداية الرحلة
استهل مدير عام وزارة الصحة بالولاية رحلته التفقدية للواقع الصحي صبيحة الأحد بمحليات شمال نيالا بدءاً بمحلية مرشنج الذي تفقد مركز صحي حاضرة المحلية، ووقف على الخدمات المقدمة للمواطنين والتحديات الماثلة وأبرزها النقص الحاد في الكوادر المقدمة للخدمة خاصة وأن كافة المحليات الواقعة شمال نيالا يعتمد مواطنها على تلقي الخدمات من مراكز صحية فقط، ولم تكن فيها مستشفيات ريفية سوى محلية الوحدة الوحيدة التي يوجد بها مستشفى ريفي، وهو مستشفى الملم الريفي الذي يخدم المرضى من محليات مرشنج والوحدة وشرق الجبل بجنوب دارفور بالإضافة للمواطنين من مناطق شنقل طوباي ودار السلام بولاية شمال دارفور رغم اعتماد هذا المستشفى على طبيب عمومي وحيد، هذا الواقع وغيره وضع وزارة الصحة ومديرها العام الجديد أمام تحدٍّ كبير لمعالجة هذا الوضع فى ظل ارتفاع تكاليف العلاج وتحدي نقص الكوادر الذي تعاني منه ولاية جنوب دارفور بمحلياتها الـ(٢١).
الطريق إلى دربات
لم يكن الطريق ممهداً للوصول إلى منطقة دربات حاضرة محلية شرق الجبل، حيث كان الوصول إليها بعد رحلة شاقة استمرت خمس ساعات بذل من خلالها سائقو العربات جهوداً مضنية في الطريق الشاق والصعود لأعلى قمة الجبل، وعندها فقدت عربات الوفد كل إطاراتها الإسبير بسبب وعورة هذا الطريق إلى أن وصل الوفد دربات التي مازالت آثار الحرب والدمار الذي لحقها ماثلة فيها من خلال المباني الخربة التي لم يعد إليها غالبية أهلها رغم عودة الحياة واستقرار الأحوال الأمنية وانتعاش سوقها الذي يستقبل أسوعيا أكثر من ثلاثين عربة تجارية قادمة من أم درمان ونيالا والفاشر لحمل خيرات جبل مرة المتمثلة في البطاطس والبرتقال والصلصة والويكة وغيرها من المحصولات التي طوع أهل المنطقة تلك الجبال والصخور لإنتاجها حتى تصل لكافة مدن ومناطق السودان المختلفة.
وفي دربات وقف المدير العام لوزارة الصحة ووفده على مركز صحي المنطقة واستمع إلى المعاناة التي تواجه أهل المنطقة في الحصول على العلاج وكيفية وصول المرضى من أعلى الجبل لتلقي الخدمة على قلتها، حيث أمن الجميع على أهمية ترفيع هذا المركز إلى مستشفى ريفي وتزويده بكل المطلوبات لرفع معاناة السنين التي لازمت المواطنين.
الصورة القاتمة
من دربات توجه وفد الصحة برفقة مدير تنفيذي المحلية شرقاً صوب منطقة كروني التي تبعد أكثر من تسعة كيلومترات من حاضرة المحلية، كان الوصول إليها شاقًا لموقعها وسط الجبال وطريقها الوعر حتى تمكن الوفد من وصولها مع الغروب، وعندها تجسدت كل معاني المأساة والمعاناة الواضحة في أهل المنطقة التي يقطنها أكثر من ستة آلاف مواطن، فوصول وفد الصحة كشف عن تلك المأساة من خلال الغياب التام لأي خدمة صحية، بجانب شكاوى أهل المنطقة من مشكلة المياه بجانب انهيار بيئة التعليم، حيث يستخدم أطفال مدرسة الأساس الحجارة كإجلاس، وكذا الحال في المدرسة الثانوية.
والغريب في الأمر، أن شباباً وصلت أعمارهم لعشرين سنة قالوها بالحرف الواحد إنهم لم يشاهدوا عربة في حياتهم إلا بعد وصول وفد الصحة للمنطقة.
رسم معاناة التعليم
مدير مدرسة كورني الأساسية محمد يحيى محمد صالح يقول، إن المدرسة تأسست فى العام ١٩٩١م، ومنذ ذلك الحين ظلت في هذا الوضع وبعض فصولها مشيدة بالرواكيب وتلاميذها يجلسون على الحجارة، وأضاف أن بالمدرسة ٩٧٥ من التلاميذ منهم ٤٠٥ تلميذ و٥٧٠ تلميذة يقابلهم (١١) معلماً من بينهم ستة متطوعين، وشكا يحيى من عدم توفر الإجلاس ووسائل التعليم والإثاث والأدوات المكتبية التي تمكن المعلم من أداء رسالته، مطالباً السلطات المختصة بتشييد هذه المدرسة وتسويرها مع ضرورة توفير المعينات والدعم للأسر الفقيرة، وقال” هذه حالنا في كورني، ونتمنى أن تصل رسالتنا للمسؤلين). وأضاف أن المنطقة بها ٦١٨٧ نسمة تنقص الخدمات في المجالات كافة.
الولادة بـ”داية” الحبل
عدد من مواطني المنطقة حكوا قصصاً من المأساة التي تواجه المرضى والنساء لحظة الإنجاب، وكيفية حمل المريض على سرير على الأكتاف في مسافة تستغرق أكثر من أربع ساعات لصعوبة النزول من أعلى الجبل إلى مركز دربات الذي لم يكن بعيداً من المنطقة لولا طبيعة الجبل المحيطة بالمنطقة، وقالت المواطنة فاطمة أحمد إن المرأة أكثر سعادة بوصول وزارة الصحة للمنطقة، وأضافت: الجميع يعاني هنا من عدم وجود الصحة ومشكلة المياه التي يجلبونها من حاضرة المحلية دربات وقالت إن النساء يلدن بداية الحبل وهمّهن قيام مركز صحي لوضع حد لتلك المعاناة.
بينما اكتفت الحاجة حواء بالدعوات للوفد رغم أنها لا تستطيع التحدث بالعربية، لكنني استعنت بمترجم لكي أوصل صوتها، حيث قالت: طلبي الصحة والمياه والتعليم لأحفادي.
بينما قالت المواطنة خديجة أبكر خميس: ما في صحة وما في مياه والتعليم تعبان والحمد لله، ونشكر الناس ديل على وصولهم لينا لحدي هنا.
رسالة لحكومة الولاية والمركز
المدير التنفيذي لمحلية شرق جبل مرة الجديد عثمان سعيد، عبر عن سروره لوصولهم لمنطقة كورني التي قال إنها لخمسة عشر عاماً لم تصلها عربة، وتابع” رسالتنا نرسلها قوية لحكومة الولاية والمركز بأن هذه المنطقة بها مواطنون وحق مشروع لكل مواطن أينما وجد أن توفر له الخدمات”، وأضاف أنهم زاروا مدرستي الأساس والثانوي ووجدوها متهالكة، إلا أن المدرستين ظلتا تتفوقان على مدارس المحلية وجسدت بذلك شعار ” المعاناة تخلق التميز.”
وأكد المدير التنفيذي عزمهم على إزالة هذه المعاناة بتوفير الخدمات الأساسية، وقال إن زيارة وفد وزارة الصحة فاتحة خير على مواطن المنطقة الذي عانى كثيرًا.
قيام مركز صحي بكورني
مدير عام وزارة الصحة بالولاية د. محمد إدريس عبد الرحمن، قال إنه حزين جدًا لوجود عدد كبير من المواطنين والأطفال دون سن الخامسة ولا توجد أي خدمة صحية لهم. وأضاف أن شعاره المرفوع بالطواف على المحليات “من رأى ليس كمن سمع” للوقوف على الحاجة الفعلية على الأرض، وأنهم وقفوا بأعينهم على مأساة أهل كورني، وأعلن إدريس عن اعتماد وزارته إنشاء مركز صحي بخدمات ممتازة لأهل المنطقة، وتابع” من دربات كنا نسمع عن المعاناة الكبيرة التي تواجه المرأة الحامل اثناء الولادة في هذه المناطق ذات الطرق الوعرة التي صعّبت مهمة وصولنا لهذه المنطقة.
وتعهّد إدريس بإنشاء مستشفى ريفي متكامل بدربات لتقليل معاناة المواطنين، وزاد “رغم حزننا على هذا الواقع، إلا أننا فرحون بأن وصلنا لهذه المنطقة ورأينا هذه المعاناة وما تواجهه النساء من تعسر الولادة وغيرها، وسوف نجتهد لتقديم الخدمة لمستحقيها وفي محلهم.
المطالبة بالمستحقات
ختام جولة وزارة الصحة كانت بمنطقة بلى سريف بمحلية شرق الجبل ومستشفى الملم الريفي بمحلية الوحدة، وفي الأولى تفقد مركز صحي المنطقة المشيد بطريقة جميلة لكنه يشكو من نقص الخدمات بالداخل، وشكا عدد من العاملين بمركز بلي سريف من عدم صرف رواتبهم لأكثر من أربعة أشهر بجانب نقص الخدمات بالمركز الذي يغطى قطاعاً عريضاً من المواطنين.
وفي مستشفى الملم الريفي الذي اختتمت عنده الزيارة، برزت قضية انقطاع المياه بالمستشفى، ويقول مديرها الطبي عبد العظيم إبراهيم إن مستشفى الملم يعالج مرضى من ثلاث محليات بالولاية، ومناطق تتبع لشمال دارفور. وأضاف أن أكبر هاجس لهم الآن انعدام المياه بالمستشفى بسبب تعطل البئر الموجودة بداخله ولسنوات بجانب الحاجة لتأهيل العملية وتزويدها بالمعدات وغرفة متكاملة للولادة، وإصلاح العنابر، ودعا إلى ضرورة تعيين الكوادر بالتطوع حتى تقدم خدمة جيدة للمواطن البسيط.
فيما طالب مسؤول الإعلام بمحلية الوحدة محمد الدومة الحكومة بنظرة خاصة لهذا الصرح باعتباره المستشفى الوحيد بمحليات شمال الولاية وحل مشكلة القابلات بجانب الإسراع في افتتاح مراكز صحة الأسرة التي شيدت في مناطق أم داشو، تربا وكيلا.
لحن الختام
عموماً زيارة وزارة الصحة لتلك المحليات كشفت عن خلل واضح في الخدمات المقدمة ونقص في كل المجالات بجانب انعدام الصحة في بعض المناطق، ما جعل مديرها العام يعبر عن بالغ حزنه لهذا الوضع الأليم وتأكيداته بإنشاء مستشفى بحاضرة شرق الجبل دربات، وتحديث مستشفى الملم والبدء في إدخال التخصصات الرئيسة المتمثلة في الجراحة والباطنية والنساء والتوليد والأطفال علاوة على إنشاء مركز صحي بمنطقة كورني، فإنه لا يملك عصا موسى لتحقيق ذلك رغم أنها حق مشروع لهذا المواطن الذي أعياه رهق البحث عن الخدمات في مجالاتها الصحية والتعليمية والمياه، فإننا نساعد أهل تلك المناطق عبر هذه النافذة بإطلاق الصوت العالي لحكومتي الولاية والمركز أن ساندوا وزارة الصحة لإنقاذ الموقف ومعالجة هذا الوضع الأليم و”من رأى ليس كمن سمع.”