قضية إنهاء الحرب في السودان، تعتبر قضية جوهرية وأولوية مقدمة على كل شيء وعلى الرغم من الفرصة الكبيرة التي توفرت لقوى الحرية والتغيير بحيث تصل الى سلام في المنطقتين ودارفور في أقرب فرصة، بعد إزالة الحكم السابق، إلا أن الواقع اليوم يختلف وإن كان التفاؤل حاضراً من خلال قناعة المجلس السيادي بشقيه العسكري والمدني وقيادة الفريق أول ـ محمد حمدان دقلو لفريق التفاوض بعملية إحلال السلام والطرح الذي قدم وصار مقبولاً للأطراف الأخرى سواء كانت الجبهة الثورية بتحالفاتها أو الحركة الشعبية شمال بمكوناتها إلا أن حالة التخبط وعدم وضوح الرؤية السياسية التي أظهرتها الحكومة خلال الثلاثة شهور الماضية باتت سبباً مباشراً في تعثرات جوهرية على هذا الملف، فعدم إعطاء اهتمام للدور القطري في ملف دارفور وحثها على المواصلة فيما كانت تقوم به الدوحة في السابق سمح لانقسام داخل مكون حركات دارفور، فبات لقطر تأثير مباشر على حركة العدل والمساواة بقيادة دكتور جبريل إبراهيم، بينما أمسكت الإمارات بتلابيب حركة مني أركو مناوي، وواصلت تقويتها لمركز جيش تحرير السودان امتداداً لتعاون قائم في ملف ليبيا.
واضح أن الإمارات وتشاد بدأتا يحشدان لتقوية مركز حركة مناوي بدعمها بعناصر الحركات التي سبق أن وقعت اتفاقيات مع الحكومة السابقة، وهذا مؤشر يصعب من عملية تحقيق سلام شامل في دارفور.
أما في ملف المنطقتين، فالحركة الشعبية شمال جناح عبد العزيز الحلو بات الحلو هو الأقرب للتوقيع على اتفاق السلام مع الحكومة، متجاوزاً مطالب الانفصال ودعوات تقرير المصير المطروحة كموقف تفاوضي، وفي هذا متوقع أن تمنح المنطقتان فترة حكم ذاتي بصلاحيات واسعة.
وفي المسار ذاته سينجح الخط القاضي بعودة مالك عقار إلى جناح الحلو وتوحيدهما، هذا الأمر بات وارداً بعد حرق كروت ياسر عرمان في الحركة الشعبية، وتحوله الى شخصية سياسية مستقلة، وعودته للعمل بالداخل، وهذا المسار من شأنه أن يؤدي إلى خفوت المطالبة بالانفصال، لكنه بالمقابل سوف يصعب مسار دارفور ويعقد الأمور، لا أقول على دارفور وحدها، لكن على مستوى شرق السودان ومناطق أخرى في السودان.
هذه التحديات وبوادر الانشطارات داخل الجبهة الثورية والصراعات بين الحركات سيوردنا المهالك، ولن يكمل للسودانيين فرحتهم، صحيح كل المجتمعات المحلية والإقليمية والدولية ترفض عودة العنف المسلح مرة أخرى، وهناك شبه استحالة لذلك، لكن شكل الاستفزازات من المناضلين بعضهم البعض لن تخدم أهداف الثورة والاستقرار المنشود، ومن شأنها شغل حكومة الفترة الانتقالية بحروب كلامية وانتكاسات مستمرة ستكون محبطة للشعب السوداني.
ومن المعلوم بالضرورة قد حكومة الوفاق الوطني بقيادة المؤتمر الوطني سقطت عندما انسد الافق الاقتصادي والسياسي أمام الجميع، ولم تسمع السلطة السياسية رأي الناصحين، وبات الحل والتسوية الشاملة غير وارد إلا عقب نجاح التغيير، وهذا المؤشر استدركته الحكومة وقتها قبل المعارضة، ولذلك انشغلت عليه عبر المنظومة الأمنية وقد حدث ما حدث بتوافق مع المعارضة وتنظيماتها.
الآن ها هو المجتمع الدولي يحشد طاقاته للتحرش بحكومة عبد الله حمدوك لأنها فاقدة الرؤية التي تمكنها من العبور والقضاء على تركات الماضي، هذا بعد أن منيت الحكومة بالدعم اللامحدود، فهي اليوم تنتظر نتيجة التقييم بعد أربعة شهور ليحدد أصدقاؤها شكل ونوع وكمية الدعم الذي يمكن أن يُقدم للسودان إلى ذلك الحين هناك تحولات وتحالفات متوقع أن تثمر واقعاً مختلفاً مع الاحتفاظ بأهداف الثورة ومطالبها المشروعة.
واقع جديد يخرج البلاد من حالة الإرهاب والتوهان والتنكر وانتهاك المواثيق ومحاولات وضع اليد واحتلال المؤسسات على النحو الذي تم بشأن النقابات والاتحادات المهنية تحت سقف قانون التمكين المجحف الذي يطبق الآن.