(لو كنت غلطان بعتذر)!!
اشتغلت (جرايد) منذ منتصف الثمانينيات.. وأخذت من نورها كما اصطليت بنارها.. أمهيت سيفي فرفت شفرتاه كما ابتغيت.. ولم أكن بدعاء الحرية أبداً شقيا..
وتلك مهنة أخطر ما فيها أنها تحيّزك الدنيا بحذافيرها ويستبد بك السكر دون سكر انعتاقاً من كل (العولاق) و(الأحافير) و(المحافير).. صنعة لو عرفها الأغيار لجالدونا عليها بالسيوف.. أن تخرج من ضيق الظلماء إلى رحابة المداد وعناده الشامخ.. فتحرج الكلمات كطوق نجاة لك ولكل الذوات المُتعبة… تخرق الحروف غلالة الخوف وجُدُره الواجفة.. لتقف مثل جندي جسور ومجنون فتح لتوه كميناً عصياً ومجنوناً، قالت عنه كل كتب (الدواس) أنه كمين مستحيل ومُميت.. حتى إن العصافير غنّت له:
(الترس دا مابنشاااال
الترس وراهو رجال).
لست وحدك من يكتب مقالك.. لست إلا مجالاً مغنطيسياً بشِقّيه السالب والموجب.. ولكنه بخاصية مُتفرّدة.. قطباك يتحوّلان إلى مراكز جذب وطرد في آن … ذات الفكرة التي أشرعت الإيراق وفتحت الهطول، ستمضي معك إلى ما بعد الطبع، فأنت لا تكتب بالقلم الرصاص وزمان الحساب مُوجِع ومُتطاوِل وبلا مواعيد ودون استئذان.. ذات المشاعر التي طوّقتك ومنحتك الأفكار والحماس والتشجيع في (أولتراس) لا قِبل ولا طاقة لك به امام طوفان العِرفان والحب المتسامي فلا تملك سوى الجنوح للسلم والإيواء للموج عله يعصمك.. هي ذات المشاعر التي (تستناك) جموعاً عند الباب في أدنى أخطائك لترفد وخزك بالذي كنت تخاف منه وتهتم..
بالأمس غادرتني الحصافة… أوغلت في (الشخصنة) وأنا أحاول الحديث إلى الدكتور عبد الله حمدوك الذي ظننتُ أنه لا يصغي.. ومهما كان المبرر فإن تلك الشخصنة ليست جيّدة ولا تفي بمعاييري الخاصة.. كنتُ مخطئاً حين حملني ضيقي وتبرُّمي من الحاصل، وأحبطني استمرار الأوضاع في ذات المسار المُميت برغم إسداء النصح والإنذار والتزامي بالترافُع اليومي المضني لصالح مستقبل بلا ضغائن لبلادنا، بلادًا حوت مآثرنا، يحميها القانون وتحرسها الفضيلة.. يقودها رجل من غمار أهلها (ماسك) زمام أمره قادر على أن يرى بقلبه وإن أفتوه الناس وأفتوه!!
لكنني بالغت فيها..
حين أودعت تلك الشخصنة غضبي كله واحتجاجي المُستحَق.. غالطتني اللغة وتنكّبت منهجي.. والطريق إلى الجحيم دوماً مفروش بالنوايا الحسنة وحُفّت النار بالشهوات..
لم يكن حمدوك ولا أي (كيانات) أخرى تستحق كل ذلك اللؤم وتلك الشيطنة..
هو واحد منا.. تغالبه المصائب ويتداعى على بابه الخصوم والدموع والثعالب والروث والزبد الجفاء والحمائم.. حديث التجربة والاستعداد والاستجابة.. هو في خضم كل ذلك التلاطم والتحديات بلا (guide) ولا (vision)..
الناس في بلدي يصنعون الحب.. وقد لمحوا أنني أفارق.. وكتّر خيرهم..
لم يزالوا عليَّ حتى اطمأن قلبي إلى لزوم الطريق والعودة قبل أن (يروح لي الدرب في الموية)..
وقد عرضت لي الأبراج شتى
عراضات ولكني أبيت
ما بين الاحتجاج على (أغلاط) الحكومة الانتقالية، وما بين صور ونمط إبداء الاحتجاج تكمُن المعضلة ويبرز الخيط الشفيف الذي يصل أو يقطع ما بين الضيق والحرج أو الانشراح والسعة..
وها أنذا يُهادن فيَّ حرفاً على ما اقترفته من (شخصنة) وإيذاء..
فودّعتُ الظنونَ ورافقتني
مآذنُ أثبتت ما قد نفيتُ
أخي حمدوك
(حِربنا في بكانو) فلا ضغائن شخصية ولا ينبغي لهدير أن يطغى على الهديل..وإن شدت كلماتنا على الجموح النافر…
كل الذي سيتوفر لنا بعد هذا منهج المراجعة والنصح والتقويم للأداء الذي يصوب نحو الأفكار والأفعال.. ولك كل الاحترام والعتبى حتى الرضا.. ولناس (المديدة) الحارة الحِجر.