تليين مواقف واشنطن.. جَزَرة بأمر الثورة
ترجمة: إنصاف العوض
قطعت صحيفة “ميامي هيرالد” الأمريكية برفع إدارة الرئيس ترمب العقوبات المُتعلِّقة بالإرهاب قبل أبريل 2020 من أجل السماح بانسياب المُساعدات المالية للسودان، فيما يتأجّل رفع العقوبات المُتعلِّقة بدارفور لحين توقيع الجماعات المُسلحة اتفاق سلام نهائي.
وقال مسؤول أمريكي رفيع للصحيفة، إن إدارة ترمب سترفع العقوبات المُتعلِّقة بالإرهاب مطلع 2020، في حين تحتاج العقوبات المُتعلِّقة بدارفور لبعض الوقت، وكشف المسؤول الأمريكي للصحيفة أن واشنطن اشترطت على حمدوك تسوية الدعاوى القضائية مع الضحايا في المحاكم الأمريكية، وتعميق التعاون الاستخباراتي مع الولايات المتحدة، واتّخاذ خطوات لضمان عدم وجود دعم للجهات الفاعلة لا يُخضع للمُحاسبة، مُضيفاً بأن حكومة حمدوك لا تزال بحاجةٍ إلى استخدام المزيد من الخطوات من أجل إقناع واشنطن، لا سيما فيما يتعلّق بالإصلاح الأمني وتحديد أولويات التّحوُّل الديمقراطي.
أحكام أمريكية
وأبان المسؤول الأمريكي للصحيفة أن العقوبات الأخرى المُتعلِّقة بدارفور تتطلّب اتفاق سلام مع تلك الجماعات المسلحة، والشروع في عملية قضائية للضحايا هناك، إضافةً إلى خطوات ملموسة لإصلاح قطاع الأمن، مُشيراً إلى أن واشنطن تشترط مواصلة القادة المدنيين في تنفيذ الإصلاحات والتزام الجيش بقبول هذه الإصلاحات من أجل المُضِي قُدُماً في تحسين العلاقات مع الخرطوم.
وكشفت الصحيفة اشتراط الكونغرس الأمريكي، تسويات مع عائلات ضحايا أمريكيين أُصيبوا خلال الاعتداءات على السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا عام 1998، من أجل دعم الحكومة السودانية للرفع من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وقالت الصحيفة إن نواب الكونغرس الأمريكي شددوا على ضرورة التوصل إلى تسوية مع عائلات ضحايا الاعتداءين المذكورين لدعم الحكومة السودانية في مطالبها لواشنطن برفع اسمها من قائمة الإرهاب، مضيفة بأن الأحكام الأكثر تحدياً للحكومة هي الأحكام القانونية الأمريكية البارزة ضد الحكومة السودانية لدعمها للتفجيرات الإرهابية التي قامت بها المُدمِّرة الأمريكية كول عام 2000 وتفجيرات السفارة الأمريكية في نيروبي وكينيا ودار السلام بتنزانيا عام 1998.
مُهمّة مُستحيلة
وطالبت الصحيفة، حكومة حمدوك بالعمل مع السلطات الأمريكية لاسترداد الأصول لمليارات الدولارات من الأموال التي سرقها النظام السابق كوسيلة لإيجاد مصدر إيرادات جديد للوفاء بهذه الأحكام، مُبيِّنةً بأن الضغط الذي تتعرّض له إدارة ترمب من قِبل أسر الضحايا، يجعل من المُستحيل تغيير موقف واشنطن تجاه القضية، بالرغم من أن السودان لديه تمثيل قانوني مناسب في الولايات المتحدة، وأضافت أنّه من المُستحيل أن يستوفي السودان الشروط المطلوبة لإزالة اسمه من الدول الراعية للإرهاب، بينما لا يزال يَرزح تحت العُقُوبات، مِمّا يُهدِّد بضياع مكاسب الثورة والتحوُّل الديمقراطي.
ووفقاً للصحيفة، فإنّ رئيس الأركان السابق للمبعوث الخاص للسودان، المدير السابق للشؤون الأفريقية في مجلس الأمن القومي الأمريكي كاميرون هدسون، أرجع فشل رئيس الوزراء عبد الله حمدوك لإقناع واشنطن برفع العقوبات عن حكومته لمخاوف إدارة الرئيس ترمب من أن يعيد الجيش استلام السلطة بمُجرّد رفع العقوبات، مُشيراً إلى أنه لا يزال أمام السودان طريقٌ طويلٌ قبل أن يتخلّص من قائمة الإرهاب الأمريكية والعقوبات الفرعية، لأنّ حكومته المدنية تُواجه مُهمّة لا يُمكن التغلُّب عليها، وكشف هدسون عن قائمة المطالب الأمريكية الأخيرة، وقال إن واشنطن تريد توضيحات حول جهاز الأمن والمخابرات بعد الإصلاحات الأخيرة، وإنّها تُخضع بالكامل للسيطرة المدنية، إضَافَةً لوجود عدد من الإرهابيين الدوليين المَعروفين والجَمَاعات المُتمرِّدة من البلدان المجاورة، كونهم يستخدمون الامتداد الصحراوي الكبير غير الخاضع للحكم من البحر الأحمر إلى ليبيا كأرض اختباء واسعة، فضلاً عن امتلاك جماعة حزب الله اللبنانية وحركة حماس الفلسطينية، اللتين صنّفتهما وزارة الخارجية الأمريكية على أنهما منظمتان إرهابيتان، مكاتب سياسية في الخرطوم.
عزلة مصرفية
ووفقاً للصحيفة، صنّفت الولايات المتحدة، السودان كدولة راعية للإرهاب عام 1993 في عَهد الرئيس السابق البشير، الذي وجّهت له المَحكمة الجنائية الدولية تُهمة الإبادة الجماعية، والذي أثَارَ غَضَب الدول الغربية لاستضافته الإرهابيين مثل أسامة بن لادن في التسعينيات، ومع تحسن العلاقات، بدأت واشنطن عملية رسمية لإلغاء قائمة السودان في يناير 2017، ولكنه تم تعليقها عندما اندلعت الاحتجاجات الجماهيرية في السودان العام الماضي.. في نهاية المطاف، أجبرت الانتفاضة، الجيش السوداني على إبرام اتّفاق لتقاسُم السلطة مع المدنيين في الوقت نفسه، وبلغ معدل التضخم 60%.
ويعتقد بعض الاقتصاديين أنّ الأزمة ناجمة جزئياً عن قيام السُّلطات بطباعة النقود للحفاظ على دعم الوقود والخُبز غير الذي لا تستطيع تحمُّله، مما أدى إلى ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء هذا الشهر إلى 82 جنيهاً سودانياً أي ما يقرب من ضعف سعر الصرف الرسمي.
وتقول الصحيفة إن الاقتصاديين السودانيين يرون أن المُشكلة تكمن في استمرار الولايات المتحدة لوضع البلاد في رعاية قائمة الإرهاب، وأنه على الرغم من رفع مُعظم العُقُوبات قبل عامين، إلا أنّ المُستثمرين ما زالوا حَذِرين للغاية من الاقتراب للسودان خوفاً من العقوبات.
ويقول أستاذ الاقتصاد السوداني في الجامعة الأمريكية بالقاهرة حميد علي للصحيفة: لقد تآكلت ثقة المُستثمرين وتَحَطّمَت الكثير من الشركات الجيدة وتحوّلت الصناعات إلى قصاصات على مدار السنين، إذ لن يقوم أيِّ مُستثمر جادٍ بالمغامرة ويستثمر في بلد معزولٍ عن نظام الدفع الدولي.
جبر الضرر
وترى الصحيفة أنّ العقوبات الأمريكية ستُشكِّل مسار هذه الحكومة الانتقالية، وفي حال حدث خطأ، سيستغرق الأمر سنوات لجبر الضرر، وفي الوقت نفسه يعد السودان أحد أكثر البلدان مَديونيةً في العالم، حيث يُدين بمبلغ 60 مليار دولار (46 مليار جنيه إسترليني) من الديون الخارجية دُون أيِّ وسيلة لسدادها، وبالرغم من أن دول الخليج وجّهت بعض الأموال إلى البلاد بعد الثورة، لكن رئيس الوزراء حمدوك قال الشهر الماضي إنّ السودان يحتاج إلى 8 مليارات دولار أخرى من المُساعدات الخارجية خلال العامين المقبلين لتجنُّب الانهيار الاقتصادي، وترى الصحيفة أنه يعول على قيام واشنطن برفع تسمية السودان للإرهاب لتمهيد الطريق أمام الاِستثمارات التي تَشتد الحاجة إليها، وكذلك القُرُوض المُقدّمة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والتي يتم حظرها تقنياً.
اعتراف استخباراتي
وترى الصحيفة أنّ السودان لم يعد راعياً للإرهاب الدولي. ووفقاً لتقرير الولايات المتحدة السنوي الأخير عن الإرهاب، الذي كتب، بينما كان البشير لا يزال في منصبه والذي يقول، على الرغم من تاريخه، أصبحت مكافحة الإرهاب اليوم من أولويات الأمن القومي للسودان، والسودان شريكٌ مُتعاونٌ للولايات المتحدة في مُكافحة الإرهاب، على الرغم من استمرار وجودها على قائمة الدول الراعية للإرهاب لا تزال الولايات المتحدة تَحتفظ بمخاوف مشروعة أولاً.. منذ سقوط النظام السابق، واجهت أجهزة الاستخبارات الوطنية السودانية وهي الوكالة المسؤولة عن مُكافحة الإرهاب العديد من العقبات، بالإضافة إلى ذلك، لا يزال السودان موطناً لعددٍ من الإرهابيين الدوليين المعروفين والمجموعات المُتمرِّدة من الدول المُجاورة، ومُعظمهم يَستخدمون المساحة الصحراوية الكبيرة غير الخاضعة للحكم من البحر الأحمر إلى ليبيا كملجأٍ واسعٍ للاختباء.. وعليه سيحدد التعاون في مجال الاستخبارات مدى إدراك قوات الأمن السودانية لهذه الأنشطة، وما الذي تفعله لمنعها ورَدعها، وما إذا كانت هناك رغبة سودانية في التّعاوُن الكَامل مع الوكالات الأمريكية لإيقافها وإذا حدثت مثل هذه الأنشطة، فيتعيّن على حمدوك إعلان تبرؤ حكومته منها، والتّأكُّد من أن قواته الأمنية لا تلعب دوراً فيها، خَاصّةً وأنّ من مصلحة واشنطن أن يكون لها شريكٌ في مُكافحة الإرهاب يمكنها الوثوق به.
جيوب خبيثة
وفي الوقت الذي اتّخذ فيه رئيس الوزراء بالفعل خطوات مُهمّة لاقتلاع جيوب النفوذ الخبيثة وتثبيت قيادة جديدة، والتي يُفترض أنّها أكثر مسؤوليةً أمام السُّلطات المدنية، فإنه يتحتّم عليه طلب الدعم الفني من مكتب مدير وكالة الاستخبارات الوطنية والمُخابرات المركزية لمزيدٍ من الإصلاح وإعادة تنظيم جهاز الأمن والمُخابرات الوطني تحت الحكم المدني.
وكما تُفيد التقارير أنّ العصابات الإجرامية ومُهرِّبي الأسلحة والمُتاجرين بالبشر يستفيدون من عجز السودان عن السيطرة على حدوده بشكلٍ مُناسبٍ لعبور البلاد والقيام بعملياتهم دُون رقابةٍ نسبيةٍ. وهنا أيضاً، يجب على رئيس الوزراء أن يعترف بهذه العُيُوب، وأن يطلب نوع المُساعدة التقنية نيابةً عن الجيش الذي تُوفِّره الولايات المتحدة الآن بقوة في جميع أنحاء الساحل.
إن إعادة تقديم المُساعدة العسكرية والمُشاركة القوية في المَعلومات الاستخباراتية، ستمنح السلطات الأمريكية في نهاية المطاف فهماً مُباشراً لمصالح الجيش ونيّته في مُواكبة الإصلاحات المدنية، والتي هي في نهاية المطاف أكثر مِصداقيةً من أيِّ وعدٍ يُمكن أن يُقدِّمه حمدوك.