القصة الكاملة.. كيف يعيق الجيش الجزائري مسار الثورة1ـ2
أعجبني وراق لي هذا التحليل الذي هو قراءة للمشهد الجزاىري بعد إعلان فوز السيد عبد المجيد التبون 74 سنة كرئيس للجزائر بنسبة فاقت الـ58% بعد صراع لأكثر من عام بين الشعب ومؤسسات الحكم الثلاث، بعد إجبار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على التنحي
كتب التحليل المحلل السياسي عصام الصايغ في يوم
06/12/2019
وتتضمن القراءة مشهد الحالة الجرائرية عدة أجزاء.
*1*
في 10 فبراير 2019 أعلن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة أنه سيدخل انتخابات الرئاسة في أبريل 2019 للمرة الخامسة.
أيامٌ خمسة تلت هذا الإعلان اشتعل فيها الغضب إلكترونيًّا، وسائل التواصل ضجت بإصرار بوتفليقة على الترشح ودعت للتظاهر ضد “العهدة الخامسة”.
في 15 فبراير تحول الغضب الإلكتروني إلى غضب على أرض الواقع شهدته العاصمة وعدة ولايات جزائرية أخرى.
أيامٌ خمسة احتاجها هذا الغضب ليدخل كل بيوت الجزائر، فخرجت المظاهرات في كامل ولايات الجزائر. بلغت التظاهرات ذروتها في 22 فبراير/ شباط، وأصبحت بهذا الحجم أكبر حركة لرفض بوتفليقة.
بعد الذروة بيومين غادر بوتفليقة.
لم يغادر الحكم، لكن غادر إلى سويسرا لإجراء فحوصات طبية عاجلة كما نقلت وكالات الأنباء الرسمية. رئيس الوزراء أحمد أويحيى أطلق بيانًا يُحذر فيه المتظاهرين من أن يأخذوا الجزائر للسيناريو السوري. أدت تصريحاته وسفر بوتفليقة لخروج مظاهرات واسعة في 1 مارس، ازداد عدد المتظاهرين ولم تزل المظاهرات محافظةً على سلميتها وتنظيمها المرن.
*2*.
*في 3 مارس أعلن بوتفليقة ترشحه رسميًّا، وكان في بيان الترشح الذي قرأه مدير حملته الجديدة عبد الغني زعلان، وعد بوتفليقة أنَّه في حال فوزه سيدعو لانتخابات رئاسية مبكرة لن يكون مرشحًا فيها.
بعد البيان بيومين قال الفريق قايد صالح، رئيس أركان الجيش الجزائري، إن الجيش سيحفظ الأمن.
وأضاف أنه لن يسمح بعودة البلاد إلى السنوات السابقة، سنوات الحرب الأهلية، سنوات الجمر والألم كما وصفها صالح.
يومان بعد البيان ثم اجتمعت المعارضة لتعلن أن الخطر هو المُضي في انتخابات الولاية الخامسة. في 7 مارس حذر بوتفليقة من الأعداء الحاقدين الذين يريدون جرَّ البلاد للفوضى.
*3*
*الترجمة الواقعية لرفض المتظاهرين لبيان الجيش وبوتفليقة جاءت في 8 مارس إذ خرجت تظاهرات وُصفت بالكبرى منذ بداية الحراك، إضافةً لتحركات مكثفة من الجاليات الجزائرية في الخارج.
رد فعل السلطات الجزائرية كان بتقديم الإجازة الصيفية وتعطيل الدراسة في الجامعات بدايةً من 10 مارس . في ذلك اليوم عاد بوتفليقة إلى الجزائر بعد انتهاء فحوصاته في جنيف.
*4*
“لا بوتفليقة ولا سعيد”
لم يمضِ يوم على عودته إلا وكان بوتفليقة قد أعلن أنه لن يترشح لولاية خامسة، لكنه أيضًا أعلن تأجيل الانتخابات الرئاسية بالكامل.
كما عين وزير الداخلية، نور الدين بدوي، رئيسًا للوزراء. القرارات كانت يوم الإثنين، لم تكد شمس الثلاثاء تشرق إلا والمتظاهرون في الشوارع. رفض المتظاهرون ما اعتبروا تمديدًا بحكم الأمر الواقع للولاية الرابعة، فالرئيس لم يعلن عن موعد مغادرته للسلطة.
*5*
بجانب إثارتها لغضب المتظاهرين، أثارت تلك القرارات جدلًا بين أساتذة القانون وخبراء الدستور. بعضهم يرى أن بوتفليقة استند إلى المادة 107 من الدستور التي تتيح له فرض قوانين “الحالة الاستثنائية”. ورفض غالبهم هذا التفسير لأنَّهم يرون البلاد تعيش حالةً عادية لا خطر فيها على الدولة ولا على الرئيس ولا على الشعب، لذا يُعد قرار بوتفليقة باطلًا دستوريًّا.
رفع الجزائريون مطالبهم واضحةً رافضة قرار التأجيل سواء كان دستوريًّا أو غير دستوري.
كما أضافوا شعار “لا بوتفليقة ولا سعيد”، إشارةً إلى شقيق الرئيس الذي قُدِّم كخليفة بوتفليقة. واستمرت المظاهرات مع بدء تنفيذ إضراب عام في كل أنحاء البلاد. في 12 مارس/ آذار دخل طلاب المدارس على خط المواجهة، جنبًا إلى جنب مع أساتذتهم.
*6*
لذا شهد 15 مارس/ آذار تظاهرات في 40 ولاية من 48 هي ولايات الجزائر بالكامل. بعد 5 أيام تغيَّرت اللافتات وصارت “ارحلوا كلكم”
أمام الغضب المتصاعد تغيَّرت نبرة الجيش فاقترح رئيس الأركان قايد صالح مخرجًا دستوريًّا للأزمة. المَخرج يعتمد الرئيس فيه على المادة 102 من الدستور التي تحدد إجراءات عزل، أو “ثبوت المانع” كما وردت في الدستور الجزائري، في حالة المرض الخطير أو المزمن الذي يجعل من المستحيل على الرئيس ممارسة مهامه.
*7*
بعد الاقتراح أعلن حزب التجمع الوطني الديموقراطي، الحليف الوفي للحزب الحاكم، دعوةً لاستقالة بوتفليقة، لكن في 29 مارس/ أكد المتظاهرون أن حراكهم إنما هو لرحيل كل نظام بوتفليقة.
وفي 31 مارس/ أعلن الأمن الجزائري توقيفه لرجل الأعمال علي حداد المُقرب من بوتفليقة أثناء محاولة السفر لتونس عبر الحدود البرية.
*8*
“الرقم 102 غير متاح، يُرجى الاتصال بالشعب”
في الأول من أبريل/ أعلنت الرئاسة الجزائرية أن بوتفليقة سيستقيل في الـ 28 من نفس الشهر.
لكن بعد الإعلان بيوم أعلن رئيس الأركان صالح تطبيقًا فوريًّا للحل الدستوري الذي اقترحه، أي عزل الرئيس فورًا. بعد فترةٍ وجيزة تناقلت وسائل الإعلام الرسمية خبرًا مفاده أن بوتفليقة قد أبلغ المجلس الدستوري استقالته ابتداءً من تاريخ 2 أبريل/ 2019.
بعد شغور منصب الرئيس أصبح لزامًا على المجلس الدستوري أن يجتمع ليُعلن شغور المنصب رسميًّا، ثم تجتمع غرفتا البرلمان، المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة، ليختارا من بينهما خليفة الرئيس الذي يجب أن يكون رئيس مجلس الأمة، لذا تولى عبد القادر بن صالح المنصب.
*9*
في 9 أبريل/ اجتمع البرلمان لإعلان بن صالح رئيسًا مؤقتًا، ووفقًا للدستور وجب عليه أن يدعو للانتخابات في فترة لا تتجاوز 90 يومًا، ولا يحق له بأي حال المشاركة في الترشح في هذه الانتخابات.
بن صالح الذي كان رجل بوتفليقة المُفضل لم يلقَ قبولًا في الشارع الجزائري.
فور إعلانه رئيسًا مؤقتًا خرجت المظاهرات تطالب بتنحية كل رموز نظام بوتفليقة عن المرحلة الانتقالية.
*10*
ورُفعت شعارات تطالب بإسقاط “الباءات الثلاثة”، إشارةً إلى بن صالح، وبلعيز، رئيس المجلس الدستوري، وبدوي، رئيس الوزراء، باعتبار الثلاثة كانوا ركنًا أساسيًّا في نظام بوتفليقة.
كما أعلنت حركة مجتمع السلم، أكبر حزب إسلامي في الجزائر، موافقتها لمطالب المتظاهرين واعتقادها أن تعيين عبد القادر عمل استفزازي وإهانة للشعب الجزائري.
استمر الحراك في الشارع واستمر بن صالح في الرئاسة.
وفي رابع بيان له يوم 10 أبريل أعلن بن صالح أن الانتخابات سوف تُجرى في 4 يوليو/ 2019. التاريخ يوافق آخر يوم خميس قبل نهاية مهلة الـ 90 يومًا، وجرت العادة في الجزائر أن تُجرى الانتخابات يوم الخميس.
*11*
*بعد البيان أعلن قائد الأركان أنَّه سـ “يسهر” شخصيًّا حرصًا على شفافية التجهيز للانتخابات القادمة. لكنَّه حذر كذلك من حدوث فراغ دستوري في الدولة، كأنما يرد على مطالبات المتظاهرين برحيل كل وجوه نظام بوتفليقة وعلى رأسهم الرئيس المؤقت بن صالح.
والحديث ذو صلة.. سنعود