الخرطوم: هويدا حمزة
يستحق أن يُطلق عليه لقب (مبارك مبادرات) بعد أن خرج (البلدوزر) بمبادرته الثانية بعد الثورة الثانية والتي تتضمن تسليم البشير للجنائية الدولية أو (تكوين محكمة هجين) من الجنائية الدولية، والمحاكم الوطنية للتحقيق في جرائم الإبادة الجماعية والقتل خارج القانون والاغتصاب والتهجير القسري ..الخ، على أن تنعقد المحاكمة في الخرطوم. وكانت المبادرة الأولى عقب الثورة واحتدام الصراع بين المجلس العسكري و(قحت) حول (اقتسام السلطة)، وحملت عنوان: (مبادرة حزب الأمة لتجاوز الأزمة السياسية وتأسيس السلطة الانتقالية)، وليس المجال للخوض في تفاصيلها، ولكن للتساؤل عن منطقية هذه المبادرة قانونياَ، أم إنها لا تعدو حجرًا يلقيه مبارك الفاضل في البركة الساكنة كما تعوّد حين يريد أن يطفو على سطح الأحداث السياسية, وما مدى مقبولية مبادرة تخرج من شخص مثل مبارك الفاضل تاريخه السياسي والوطني قابل للأخذ والرد؟
إلا عبر تسوية
المرحلة القانونية، تجاوزت هذه المبادرة، لأن قضاء المحكمة الجنائية الدولية هو قضاء تكميلي للقضاء الوطني لا يتدخل إلا حين ينهار القضاء الوطني أو يبرز عدم نزاهته أو يكون غير مؤهل أو غير مستقل، والمحكمة الجنائية الدولية عندما أصدرت القرار 1953 سنة2004 بررت بأن القضاء السوداني غير مؤهل لمحاكمة البشير، وبالتالي اعتبرت أن هذا مجال لتدخل القضاء التكميلي، وقررت إحالة الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية للتحري والتحقيق، ومن ثم الإحالة للمحاكمة، إذا ثبتت الجريمة، مما يعني أن مرحلة القضاء الوطني تجاوزتها الأيام، ولم تعُد لها فرصة إلا أن تتم تسوية مع المحكمة الجنائية الدولية يتم بمقتضاها مثل هذه المبادرة حسب القانوني والقيادي بحزب المؤتمر الشعبي أبو بكر عبد الرازق الذي أضاف في حديثه لـ”الصيحة”، (لكن في واقع الأمر نظام روما الأساسي والمحكمة الجنائية الدولية لم يتحدثا عن مثل هذه المبادرة ولا القانون الجنائي الدولي، ولذلك هي مبادرة سياسية لا قانونية تجاوزها الزمن ولا مجال لتنفيذها إلا في إطار تسوية مع الجنائية الدولية ولها الحق أن تقبل أو ترفض).
القول ما قالت الجنائية
أمريكا نفسها لم تضع تسليم البشير كشرط لرفع العقوبات، لأنها غير موقعة على ميثاق روما الأساسي في المحكمة الجنائية الدولية، ولكنها جزء من مجلس الأمن الذي أجاز القرار وفقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي بموجبه تمت الإحالة للمحكمة الجنائية الدولية للتحقيق والتحري وفقاً لأحكام المادة 13 “ب” من نظام روما الأساسي للمحكمة الدولية، وبالتالي أمريكا ليس لها إلا التأثير على مجلس الأمن بإقناع الدول دائمة العضوية وبقية الدول، وبالتالي يكرر أبوبكر أن مبادرة الفاضل سياسية والمحكمة الجنائية الدولية تمكن من مثل هذه المبادرة أو أن يصدر مجلس الأمن قراراً بسحب القضية، وهذه سابقة جديدة لم يتم إرساؤها في تاريخ القضاء الدولي لأن جرائم الحرب كان الأصل فيها أن يصدر مجلس الأمن قراراً بتفويض محكمة جنائية لمحاكمة المجرمين مثل محكمة نورمبيرج أو لايبزج أو طوكيو أو يوغسلافيا السابقة أو أروشا لرواندا، أما بعد نشوء المحكمة الجنائية الدولية في 1998 فمجلس الأمن لأول مرة يحيل قضية للمحكمة الجنائية الدولية وبالتالي لم تكن هنالك سوابق لسحب الملف، وإذا فرضنا جدلاً أن مجلس الأمن قد أصدر هذا القرار فالمحكمة الجنائية الدولية طرف في هذا القرار، فإذا وافقت تم السحب، وإذا رفضت فشل السحب، لأن المحكمة الجنائية الدولية لديها اتفاقية مع الأمم المتحدة وهي التي تحكم مثل هذه الأمور.
حركة في شكل وردة
مراقبون تحدثوا لـ”الصيحة” قالوا إن المبادرة ربما كانت تنطلق من رأي مبارك السابق والقائل بوجوب محاكمة رموز المؤتمر الوطني على فساد ارتكبوه خلال 28 عاماً، لافتاً إلى مشاركته في الطاقم الوزاري والاستشاري للبشير والتي كانت مخيبة للآمال وهو رجل عرف بتصريحاته النافذة والقوية والتي تأتي لإحداث صدى وحراك داخل الساكن في البركة السياسية، وأضافوا (سياسياً يعتبر تصريحه أحد التصريحات التي أوجبت المرحلة الحالية النطق بها خاصة وأن المحكمة الهجين معمول بها في نظام المحكمة الجنائية الدولية وفقاً للوائحها وطرق تنظيمها في حالة انعقادها لمحاكمة مجرم ثبت اتهامه بارتكاب جرائم حرب) .
مبادرة حسن النية
وقال أبو بكر عبد الرازق إن مبارك الفاضل قيمة سياسية معتبرة ومحترمة لدى الرأي العام، فهو سياسي عتيق وخبير، إضافة إلى أن المبادرة تعتبر تحمل إطاراً لمعالجة المشكلة الوطنية، وتحمل قدراً عالياً جداً من حسن النية، وتريد أن تنزع فتيل التوتر وأن ترسي المصالحة الوطنية الشاملة، وبالتالي مبارك شخصية تستطيع أن تستقرئ الواقع السياسي بشيء من الواقعية.
أخطأ واعتذر
يقول عبد الرازق إن مبارك أخطأ في تصريحه الإعلامي لـ(بي بي سي) حول مصنع الشفاء واعتذر عن ذلك، وفي العرف القانوني والسياسي والاجتماعي نحن نقبل الاعتذار والمسألة ليست متعلقة بمبادئ أو وطنية، بل باستقرائه وتحليله لما يجري في الساحة السياسية.
فكرة مسروقة
المحلل السياسي دكتور صلاح الدين الدومة قال لـ”الصيحة” إن المبادرة لم تأتِ بجديد، وكانت أحد الخيارات المطروحة أن يُسلم البشير أو يُحاكم بمحاكم هجين، وهي فرقعة يريد بها أن يكون أن يقول (أنا موجود في الساحة).
إذن فمبارك قد (سرق الفكرة) حسب الدومة الذي أضاف (حتى علماء الأدب يقولون إن هذه أسوأ أنواع السرقات).
اتصلت الصحيفة على رئيس حزب الأمة مبارك الفاضل لمناقشة هذه الآراء معه، إلا أنه على غير عادته لا يُجيب…