اعتذارك بفيدك!!
أقدم اللواء عبد الرحمن الصادق المهدي، على تقديم اعتذار مُعلن عن مشاركته في سلطة الإنقاذ في منصب مساعد الرئيس البشير حتى سقوط حكومته في 11 أبريل الماضي.
وجاء الاعتذار المُعلن من اللواء عبد الرحمن قبل أقل من شهر لقرار مرتقب بإحالته للتقاعد من الخدمة في يناير القادم بعد ترقيته لرتبة فريق وعودته إلى حزب الأمة القومي تمهيداً لخطوة أخرى بخلافة والده الإمام الصادق الذي يعد نفسه لدور أخير بعد ثلاث سنوات من الآن..
عودة عبد الرحمن الصادق المهدي لحزب الأمة تم التمهيد له بإعادة آخرين لبيت الحزب حتى لا تثور الأسئلة الصامتة داخلياً والجهيرة خارجياً عن أسباب عودة عبد الرحمن ووضع المتاريس والكتل الاسمنتية في طريق عودة نجوم الحزب المسافرة، وأبرزها بالطبع مبارك الفاضل المهدي.. قبل أسبوعين تمت إعادة فصيلين منشقين من الحزب الأول لدكتور أحمد بابكر نهار الذي انشق ومعه مبارك الفاضل ومسار والزهاوي إبراهيم مالك، وعندما لاح لأحمد بابكر “بارق” وقرأ ما يحدث في الساحة قبل السقوط اختار القفز من السفينة الغارقة وتركها تتقاذفها الرياح حتى “غرقت”، وكان خروج أحمد بابكر نهار مثل خروج الشاعر أحمد رفيق المهدي من وطنه ليبيا، حينما اشتدت عليه وطأة تضييق المستعمر الإيطالي على الثوار في الداخل، وقال قولته الشهيرة “خرجت من موطني مثل الطريد”!! ولكن الفصيل الآخر الذي عاد لحزب الأمة القومي بقيادة الأمير بابكر دقنة، فقد ظل قريباً من البشير، وبعيداً عن نبض الشارع حتى اجتاحت السيول البشرية الحكومة حينذاك، وقذفت ما بين كوبر والقاهرة وأنقرة، واحتفى حزب الأمة بالعائدين، ولم ينفذ أي منهم شروط د. إبراهيم الأمين التي وضعها من قبل للمنشقين بالعودة للحزب بعد الاغتسال في نهر النيل سبع مرات وقيل إن السابعة بتراب قبة الإمام المهدي!!
الإمام الصادق المهدي فكّر ونظر وتدبّر في الذين من حوله من الرجال والنساء ولم يجد شخصية ترتبط جينياً بالسلالة المهدوية، وله رصيد معرفي بالدولة وإداراتها وعلاقات خارجية مثل الأمير عبد الرحمن الصادق الذي تدرّب في القصر على المراسم واستقبال الضيوف ومخاطبة المؤتمرات.. ولقاء السفراء أكثر من بقية قيادات الحزب التي لا تتعدى خبراتها النضال والمعتقلات، وهي قيادات “محلية” جداً.. لا مقارنة بينها والأمير عبد الرحمن الذي لبى نداء والده مهاجراً لاريتريا وقائداً لجيش الأمة.. وبعد العودة من الهجرة الأولى جعله الإمام الصادق “حلقة وصل” بينه والرئيس البشير شخصياً!! وجسر الأمير علاقات معلنة وأخرى غير معلنة بين الإمام والمشير.. كان يهرع في هجعة الليل لتسوية بعض التقاطعات التي تحدث حتى لحظة سقوط النظام السابق، كان عبد الرحمن ضابطاً مخلصاً للبشير ومساعداً فاعلاً في القصر، ولكن الحياة تمضي والمتغيرات في الساحة تدفع بالأمير للاعتذار عن سنوات القصر المنيف والنظر إلى ما هو قادم من نعيم السلطة في رحم الغيب..
الصادق المهدي أرهقه المسير وأضناه التعب.. ورسمت سنوات الهجرة والغربة والنضال بصمتها على الوجه الدائري والشعر الذي (أبيض) ولم يعد أمام الامام غير إعداد ابنه عبد الرحمن لخلافته في مقبل الأيام.. واعتذار الأمير مفيد جداً في هذا الزمن ليمسح عن ذؤابتيه بعض الرهق والتعب والحياء ليعود مثلما عاد مصطفى سعيد في رواية موسم الهجرة للشمال وهو يردد (ليس مهماً كيف عُدت ولماذا عُدت، ولكن المهم أنني عُدت)!!