واشنطون.. الخرطوم.. لعنة العصا تُلهب ظهر الديمقراطية
ترجمة إنصاف العوض
طالبت صحيفة “ميامي هيرالد، الأمريكية واشنطون بالوضوح والشفافية مع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك حال أرادت إبقاء الديمقراطية الوليدة في السودان على قيد الحياة، ملمحة إلى أن إدارة ترامب تسعى لإسقاط الديمقراطية عبر التمسك بمطالبها التعجيزية القائمة على المطالبة بتفكيك المؤسسة العسكرية ودفع تعويضات مليارية، وقالت إن مبالغة إدارة ترامب حتى الآن في الإلحاح على حل المؤسسة العسكرية وغيرها من الملفات الشائكة يؤكد نبوءة موت الديمقراطية الناشئة فى السودان. وأضافت أنه لما كان بقاء حمدوك السياسي ومصير الحكومة المدنية الناشئة على المحك، تحتاج واشنطن إلى التوقف عن الخلط وتحديد مطالبها.
مطالب تعجيزية
فيما كشف مسؤول رفيع بوزارة الخارجية الأمريكية للصحيفة اشتراط واشنطن محاكمة الرئيس السابق عمر البشير بتهمة الإبادة الجماعية وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية لرفع اسم البلاد عن قائمة الإرهاب، وقال المسوؤل ـ الذي فضل حجب هويته ـ لصحيفة “نيويورك تايمز”، حتى لا يتم تجاوز البيانات الرسمية للوزارة حول الزيارة. وقال المسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية، شريطة عدم الكشف عن هويته، إن العقوبات المتعلقة بالنزاع في دارفور هي العقوبات المالية الوحيدة المتبقية، وأضاف أن رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك التقى بأعضاء لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب في الكابيتول هيل، وأن المشرعين اشترطوا على حمدوك الشفافية المالية في قطاع الأمن وحول العناصر المتبقية في النظام القديم الذين ما زالوا يدعمون الإرهاب الدولي، والتوصل إلى تسوية مع عائلات ضحايا فى العديد من الهجمات التي نفذتها القاعدة العاملة في البلاد. ويشمل ذلك تفجيرات السفارة الأمريكية في كينيا وتنزانيا عام 1998 وتفجير المدمرة كول في عام 2000، ووفقاً للصحيفة، فإن حمدوك التقى المسؤول الثالث في وزارة الخارجية ديفيد هيل بدلاً من وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو الذي كان في لشبونة يوم الأربعاء للقاء رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، وكان بومبيو أثنى على حكومة حمدوك قائلاً: أبدى رئيس الوزراء عبد الله حمدوك التزامًا بمفاوضات السلام مع جماعات المعارضة المسلحة، وأنشأ لجنة تحقيق للتحقيق في العنف ضد المتظاهرين والتزم بإجراء انتخابات ديمقراطية.
معايير أمريكية
وقال المبعوث الأمريكي الخاص للسودان دونالد بوث للصحيفة، إنه ليس من مصلحة أحد رفع اسم البلاد عن القائمة دون التحقق من أن السلطات الجديدة تفي بمتطلبات معينة بما في ذلك عدم رعاية الإرهاب، مضيفاً أن الرفع لن يتم في وقت وجيز، مشيراً إلى أن واشنطن يجب أن تكون حريصة على التحقق منه، مبيناً أنها عملية متعددة الخطوات تحتم أن يستوفي السودان المعايير القانونية والسياسية المطلوبة.
ووفقًا للصحيفة، فإن واشنطن ربطت إيجاد دليل مبدئي على أن إصلاحات حقيقية جارية، خاصة في مجالي الشفافية المالية وحل النزاعات المتعددة برفع اسم السودان عن قائمة الدول الراعية للإرهاب، وقالت الصحيفة إن الإصلاحيين بقيادة حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك سيعملون على إرساء مبادئ الحكم الرشيد في السودان من خلال فتح النظام للسماح بالمنافسة العادلة وضمان الشفافية المالية وتقليل الإنفاق العسكري والأمني، الأمر الذي يحدد مستقبل السودان.
وطالبت الصحيفة واشنطن والمجتمع الدولي بفرض ضغوط مالية من أجل تفكيك شبكة الفساد التي خلفها النظام القديم، بدلاً من التركيز على العقوبات الفردية التي وصفتها بذات الأثر الضئيل، وقالت: يجب على الولايات المتحدة وغيرها فرض ضغوط مالية على أولئك الذين يقوضون الطريق إلى الديمقراطية والسلام، بدلاً من معاقبة أكثر من مسؤول واحد في وقت واحد، وهو تأثير ضئيل للغاية، ويجب فرض العقوبات على شبكات المفسدين، والتي يمكن أن تشمل الشركات والميسرين التجاريين داخل وخارج السودان.
استهداف مالي
ويمكن أيضًا استهداف عمليات غسل الأموال والتدفقات المالية غير المشروعة من السودان عن طريق إصدار إشعار للبنوك في جميع أنحاء العالم من شأنه أن يؤدي إلى زيادة العناية الواجبة من جانب المنظمين لوقف محاولات استنزاف الأصول المنهوبة وكحافز قوي، يتعين على الولايات المتحدة وغيرها أن توضح للحكومة الجديدة في الخرطوم أنه عندما يكون هناك دليل مبدئي على أن هناك إصلاحات حقيقية جارية، خاصة في الشفافية المالية، وحل النزاعات المتعددة، سيتم إقصاء السودان من الدول رعاة قائمة الإرهاب.
وأضافت أن التحديات الهائلة التي تواجه السودان تجعله عاجزاً عن انتظار التغيير في السياسة الغربية. وأضافت: يعاني السودان المنكوب بعقود من العقوبات الأمريكية، وسوء الإدارة في عهد البشير، من ارتفاع التضخم والدين الخارجي الضخم الذي يقارب 60 مليار دولار والنقص الكبير في السلع الأساسية، بما في ذلك الوقود والخبز والأدوية.
وفي ظاهر الأمر، تأمل واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون في استخدام النفوذ لدعم السودان من أجل الضغط على الخرطوم لتوقيع أكبر عدد ممكن من الاتفاقيات والاتفاقيات الدولية لجعل السودان يتماشى مع المجتمع الدولي. ويوجد في أعلى القائمة اتفاق بشأن اتفاقية القضاء على التمييز ضد المرأة (سيداو) الذي رفضته الحكومة السابقة على أساس أن الاتفاقية تتعارض مع القيم الإسلامية.
لقد منع قرار عدم التصديق على الاتفاقية السودان حتى الآن من الانضمام إلى مجموعات مثل منظمة التجارة العالمية، وسيقوم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك بزيارة أخرى لواشنطن في الأسابيع المقبلة، ويتوقع أن يبدي استعدادًا للتصديق على الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان وحريات الصحافة.
تباطؤ غربي
فيما كشف مسؤول رفيع بالحكومة الأمريكية للصحيفة تباطؤ الغرب في مساعدة السودان قائلاً لم يتخذ الغرب أي خطوات ملموسة لمساعدة السودانيين، ما نراه الآن هو كلمات، ولكن لا توجد أفعال، إنهم يطالبون بأشياء قد تستغرق سنوات لمعالجتها، وأضاف أن المسؤولين الأميركيين والأوروبيين وضعوا شروطًاً تتضمن التوصل إلى اتفاق سلام مع الجماعات المتمردة في البلاد، إضافة إلى معالجة دور قوات الأمن السودانية في المرحلة الانتقالية، فضلاً عن عدد كبير من الشروط.
وكشف المسؤول أن ستيفان أوزوالد، مدير منطقة أفريقيا جنوب الصحراء في وزارة التعاون الاقتصادي والتنمية في ألمانيا، أخبر الوفد السوداني الذي زار برلين مؤخراً أنه من المهم بناء الثقة حول كيفية إنفاق المساعدات الأجنبية، ومخاطبة ثقوب سوداء في إشارة إلى تأثير قوات الأمن التي خدمت نظام البشير على مدى عقود.
والولايات المتحدة ليست معادية لإلغاء إدراج السودان في القائمة: في الواقع، بدأ أوباما العملية في نهاية فترة رئاسته. وقبل أن تتسبب الانتفاضة في التردد، كانت إدارة ترامب قد بدأت مناقشة رفع الأسماء من القائمة كجزء من اتفاقية مكافحة الإرهاب مع الخرطوم.
وأرجع الموقع تأني واشنطن في رفع اسم السودان عن قائمة الإرهاب إلى المحاذير والمخاوف التي صاحبت القرار المشابه ضد كل من كوريا الشمالية وكوبا، وقال: ينبغي على البيت الأبيض أن يدرك الأخطاء التي ارتكبتها إدارتا باراك أوباما وجورج دبليو بوش، اللتان كانتا حريصتين للغاية – وموثوقتين للغاية،في إلغاء إدراج كوبا وكوريا الشمالية من قائمة العقوبات، كما ينبغي أن يتعلم الدرس من التجربة الأمريكية مع ميانمار، حيث تمت إزالة العقوبات الاقتصادية في وقت مبكر للغاية.
مخاطر اقتصادية
ووفقاً للصحيفة، فإن مجموعة الأزمات الدولية حذّرت من انهيار تجربة الديمقراطية والحكم المدني في السودان، وقالت إن انتقال السودان في مرحلة ما بعد البشير يحمل وعدًا بالحكم المدني، لكنه يواجه أيضًا مخاطر، من بينها تجدد التمرد والركود الاقتصادي والانحدار إلى الحكم الاستبدادي.
وأضافت: يواجه السودان أزمة اقتصادية حادة وحركات تمرد واستقطاب سياسي، وتمثل اتفاقية 17 أغسطس أفضل طريق لتحقيق الإصلاح، وتجنب العنف المتصاعد، وعليه يتعين على الاتحاد الأفريقي وأمريكا والاتحاد الأوروبي، مع دول الخليج، دفع الجنرالات لاحترام اتفاق تقاسم السلطة، كما ينبغي أن يشجعوا الخرطوم على تحقيق السلام مع المتمردين في المناطق المهمشة، إضافة إلى إبعاد واشنطن البلاد من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
كما يتعين على الاتحاد الإفريقي أن يرسل إلى الخرطوم مبعوثًاً لدعم عملية الانتقال من خلال التوسط بين الجانبين والمساعدة في الحماية من احتمال قيام المؤسسة الأمنية (بكل مزاياها الهيكلية) بتحريك المعارضة المدنية إذا كانت هناك خلافات حول تفاصيل الصفقة لإجهاض الديمقراطية، في وقت يعاني فيه التحالف المدني المعروف بقوى الحرية والتغيير تشظيات خطيرة تحتاج إلى إدارة ذكية خشية انهيارة أمام المؤسسات الأمنية المتماسكة.
دفع خارجي
وترى الصحيفة أن هناك الكثير الذي يمكن للجهات الفاعلة الخارجية، بما في ذلك القوى الأفريقية ومؤيدو الخرطوم في الخليج والدول الغربية والمنظمات المتعددة الأطراف القيام به للمساعدة في نجاح ترتيبات تقاسم السلطة ودفع السودان نحو طريق الانتقال، مضيفة أن إنقاذ اقتصاد السودان المنهك سيتطلب دعماً دولياً واسع النطاق من خلال مبادرة مانحة رئيسية متعددة الأطراف، في وقت قدّر فيه رئيس الوزراء عبد الله حمدوك أن البلاد تحتاج إلى ضخ 10 مليارات دولار على مدى العامين المقبلين، مما يعنى أنه ينبغي على المانحين، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي ودول الخليج، البدء في اتخاذ خطوات لدعم هذا الطلب.
كما أن ذلك يحتم على واشنطن أيضًا التحرك بسرعة لإلغاء تسمية السودان كدولة راعية للإرهاب، والتي تمنع المؤسسات المالية الدولية من إصدار القروض وتعوق الاستثمارات الأجنبية الأخرى، مما يعوق القطاع الخاص في السودان، كما أن رفع التصنيف سيساعد الحكومة المعينة حديثًاً والتي يقودها مدنيون من خلال منحها فوزًا مبكرًا، وستكون خطوة مهمة نحو تأهيل السودان لتخفيف عبء الديون.