حزب النسيان العربي..!
عزيزتي منى..
أكتبي لنا عن فنون النسيان، كيف نتعلم أن ننسى وأن نمضي في هذه الحياة دون أن يكون في القلب غصة، ودون أن يوثر الماضي على خياراتنا المستقبلية.. كيف لنا أن نتقبل الفقد والخذلان، كيف نخوض معركة الصراع مع الحزن والإحباط من أجل البقاء كما كنا على الأقل.. كيف نسامح أنفسنا على إراقة كرامتها وإهدار كبريائها تحت أقدام من لا يستحقون قلوبنا.. كيف نمضي هكذا في مسارات الحياة ونحن مجروحون ومتروكون هكذا دون وداع..
حتى أنسى من أدمى فؤادي وفتت كبدي بخيانته ورحيله اللا مبالي قرأت كتاب ” نسيان كوم” للكاتبة الجزائرية “أحلام مستغانمي”، وفي ذلك الكتاب تقول: “كلّ من كنت أظنّهم سعداء انفضحوا بحماستهم للانخراط في حزب النسيان. ألهذا الحدّ كبيرٌ حجم البؤس العاطفي في العالم العربي؟!. لا أحد يعلن عن نفسه. الكلّ يخفي خلف قناعه جرحًا ما، خيبةً ما، طعنة ما. ينتظر أن يطمئنّ إليك ليرفع قناعه ويعترف: ما استطعت أن أنسى! أمام هذه الجماهير الطامحة إلى النسيان، المناضلة من أجل التحرّر من استعباد الذاكرة العشقيّة، أتوقّع أن يتجاوز كتابي – نسيان كم – أهدافه العاطفيّة إلى طموحات سياسيّة مشروعة. فقد صار ضروريًّا تأسيس حزب عربي للنسيان. سيكون حتمًا أكبر حزب قومي. فلا شرط للمنخرطين فيه سوى توقهم للشفاء من خيبات عاطفيّة. أُراهن أن يجد هذا الحزب دعمًا من الحكّام العرب، لأنّهم سيتوقّعون أن ننسى، من جملة ما ننسى، منذ متى يحكمنا بعضهم، وكم نهب هو وحاشيته من أموالنا، وكم عَلِقَ على يديه من دمائنا. دعوهم يظنّوا أنّنا سننسى ذلك”..!
عزيزتي منى: كيف أنساه.. كيف؟!
باحثة عن النسيان
عزيزتي صاحبة الرسالة” الباحثة عن النسيان”.. لستُ أدري هل أنت تفضفضين فقط، أم أنك تطلبين خارطة للنسيان فعلاً؟!.. وهل تطلبينها مني – العبدة الفقيرة إلى الله – بعد أن قرأت معلقة النسيان التي نظمتها “أحلام مستغانمي”؟!.. ألم تقفي عند هذه العبارة في ذات الكتاب “ثمّة رجال لا تكسبينهم إلاّ بالخسارة. عندما تنسينه حقًّاً سيتذكّرك. ذلك أنّنا لا ننسى خساراتنا”؟!.. أنصحك بأن تعودي إلى قراءة الكتاب وأن تتوقفي طويلاً عند هذه الكلمات: “أطيلي صلاتك حتى لا تعودي تنتبهين إلى من سرق قلبك، إن كان أخذه.. أم ردّه. كلّما أقبلت على الله خاشعة صَغُرَ كلّ شيء حولك وفي قلبك. فكلّ تكبيرة بين يدي الله تُعيد ما عداه إلى حجمه الأصغر ، تُذكّرك بأن لا جبّار إلاّ الله ، وأنّ كلّ رجل متجبّر، حتى في حبّه، هو رجلٌ قليل الإيمان متكبّر . فالمؤمن رحوم حنون بطبعه لأنّه يخاف الله”..!
هذا ما كان من أمر نصيحتي لك بإعادة قراءة فنون النسيان كما أرست وأسست لها عزيزتنا “أحلام”، أما عندي أنا فالمقدرة على النسيان تبدأ منذ البداية، من مسافة الأمان التي ينبغي أن نحرص عليها في كل علاقة مهما بلغت متانتها، تلك المسافة – يا عزيزتي – هي التي تحفظ الكرامة وتصون الكبرياء، وتعصمنا من التعلق، وترسم لنا مسار العودة حتى لا نضل الطريق إن عدنا خائبين..!
احرصي دوما على مسافة الأمان وسترين كيف أن ما نتعلق به يتركنا، وما لا نعطيه اهتماماً مبالغاً فيه ينجذب إلينا.. وتذكري دوماً القاعدة الصوفية “التجلي في التخلي”..!
منى أبوزيد