الخبير الاقتصادي بروفيسور عثمان سوار الدهب لـ (الصيحة)
الموازنة ما زالت في طور الإعداد.. وفي حال تمريرها سيضر بمصداقيتها
ما طُرح حول الموازنة عبارة عن مُوجّهات
يجب تحديد سقوف للصرف لتفادي العجز
حوار: إنصاف أحمد
ظل الحديث عن إعداد موازنة العام 2020 مثار جدل خاصة وأن الإعداد لها تأخر كثيراً، حيث شارف العام 2019 على الانتهاء، الأمر الذي اعتبره المختصون بالشأن الاقتصادي يشكل خطراً على الموازنة خاصة مسألة المصداقية في حال تم الاستعجال لها، بالإضافة إلى تأثيرها على عدد من البرامج الاقتصادية.
ولمعرفة المزيد، “الصيحة” جلست إلى الخبير الاقتصادي بروفسير عثمان سوار الدهب، فإلى مضابط الحوار:
*أولاً ما هي أسباب تأخير إعداد الموزانة برأيك؟
الموازنة ما زالت في دور الإعداد، وكان من المفترض أن تكون قد أجيزت، لأنها تحتاج لنقاش حتى عند وصولها لوزارة المالية حتى يكون هنالك نقاش بين الوحدات وبين المختصين في المالية حول الموازنة التي تقدمت بها كل وحدة حكومية، ثم تتم إجازتها كما هي أو تعدل، وبالتالي يتم تكوين تصوّر عام من وزارة المالية حول شكل الموازنة، بعد ذلك يتم طرحها على مجلس الوزراء، ويتم تداولها بين المسؤولين لفترة لا تقل عن أسبوعين، ومن ثم تذهب للمجلس التشريعي كقانون تخضع لتعديلات ثم ترفع لرئاسة الجمهورية لتتم إجازتها الإجازة النهائية، والتصديق عليها بعد إجازتها من المجلس التشريعي، فالميزانية الحالية لابد أن تأخذ وقتاً في وزارة المالية ثم مجلس الوزراء، حيث يتم التداول حولها، وتأخذ وقتاً أكثر من أسبوع إلا إذا أراد الناس أن يمرورها بسرعة، فهذا يضر بمصداقية الموازنة ثم يتم نقاشها بين المجلس السيادي ومجلس الوزراء اللذين يمثلان الجهاز التشريعي، وبعد التصديق عليها يتم رفعها لمجلس السيادة للمصادقة عليها ومن ثم يتم العمل بها في الأول من يناير.
*هل سيكون له أثر على إعداد الموازنة؟
في اعتقادي أن هذه الخطوات تأخذ وقتاً إذا أردنا أن نجيزها بشكلها الحالي، فسيكون هنالك تأثير على أشياء كثيرة من حيث أنها لم تجد الوقت الكافي لإجازتها ومناقشتها عبر الأجهزة المعنية بدءاً من وزارة المالية إلى مجلس السيادة.
*هل تعتبرها شاملة لكافة البرامج؟
ما طُرح حول الموازنة حتى الآن عبارة عن موجهات يتم استصحابها منها بناء السلام وبرنامج إصلاح الدولة ومشروعات التنمية والرعاية الاجتماعية، أيضاً الصحة والتعليم والبيئة، وكذلك استمرار دعم السلع الأساسية، هذه الموجهات أعتقد أنها تتوافق مع مطلوبات المرحلة، لكن فيما يختص بالبرنامج الإسعافي ينبغي ألا تستصحب معها ما أحدث في العام 2019، وفي اعتقادي، لابد من مراجعة استمرار الدعم خاصة وأنه إذا استمر بهذه الطريقة سيؤدي إلى استنزاف موارد الدولة خاصة الوقود والخبز، كما ينبغي أن يكون هنالك اهتمام بالسياسات الاقتصادية الكلية والتي تشمل المالية والنقدية بشكل تكاملي، ولابد من محاربة الفساد لأنه ظل ينهش مفاصل الدولة منذ فترة طويلة، ويكون عبر تقوية الرقابة المالية بصورة أقوى من التي كانت في السابق بجانب تعظيم دور المراجع العام والمراجعة الداخلية، ولابد من الاهتمام بالتعداد السكاني والزراعي والصناعي والحيواني خاصة أنه بدون التعداد لا يتم وضع خطة استراتيجية والتي تبنى على إحصائية.
*دعا رئيس مجلس الوزارء للاتجاه لتصنيع الخام هل شملت الموازنة الجديدة ذلك؟
صحيح أن رئيس مجلس الوزراء دعا للاهتمام بالمواد الخام في التصنيع خاصة وأنها تزيد من القيمة المضافة، ولابد أن يؤخذ بها في الموازنة الجديدة عبر الاهتمام بتحسين الإنتاجية خاصة القطاع الزراعي، فلا يتداعى الإنتاج نصف طن للفدان، وهذا يكون إهداراً للموارد وزيادة في التكلفة. لابد أن تكون هنالك مراجعة لسياسة التسويق خاصة مراقبة الأسعار حيث لا يوجد انضباط من قبل التجار.
*برأيك ما هى أهم الموجهات بالنسبة للموازنة القادمة؟
التركيز على تحديد السقوفات بالنسبة للصرف لا ينبغي ألا يكون هنالك تجاوز وإلا سيحدث نوع من الإهدار وضغط على المشروعات والذي يقود إلى العجز وهذا يؤدي للابتعاد عن التجنيب والذي كان يحدث في السابق مما كان له الأثر على الميزانيات السابقة، لابد من منع تحويل بنود الصرف منعاً تاماً فبعض الوحدات تقوم بالتحويل من بنود صرف إلى أخرى وهذا خطأ.
إن الموازنة الحالية لم تعُد مسألة تقرير مالي يحدد الصرف وإنما عبارة عن برامج ومشروعات لتحقيق أهداف وبناء دولة الرفاهية، ايضًا ولابد من الاهتمام بالموارد الأهلية التي تعتمد على الضرائب والرسوم، فالجهات المختصة تصرح باستمرار الجمارك دون أن يكون هنالك تخفيض للدولار الجمركي من 18 جنيهاً، وفي ريي هذا حديث صائب، ففي حال تخفيضه سيحدث خلل في الموازنة، فينبغي الاستمرار في التعامل بالسعر القديم، وكذلك الاهتمام بالضرائب المباشرة، وضرائب أرباح الأعمال للوصول لمستوى عالٍ من الأرباح على كافة المستويات، حتى الآن الجمارك تسير بصورة حسنة، هذا يعني هنالك المزيد الذي يأتي للدولة من موارد خارجية .
*بالنسبة للصادرات؟
أعتقد أن الصادرات تشكل دوراً مهماً في الموازنة حتى الآن، الصادرات المهمة هي الذهب والمواشي، فالذهب ظلننا نتحدث عن إنتاج بكميات كبيرة، ولكنها لا تدخل الخزينة العامة من عائداته، وهذا يدل على وجود خلل، فلابد من الانضباط والتحقق ومعالجة التهريب، بحيث أن الموازنة في العام القادم إذا لم تجد ما يعينها من صادرات ستتأثر تأثراً كبيراً، وهذا ينعكس سلباً على الاقتصاد، لذلك لابد من الاهتمام بالصادرات والعائد سواء من الشركات أو الأهالي وضبط التصدير، وكذا الحال بالنسبة للمواشي والتي تحتاج لعناية لأن صادراتها أصبحت في زيادة، لابد من معالجة المشاكل لتفادي مشكلة الإرجاع كما حدث قبل أشهر خاصة وأن أسعارها عالمياً في زيادة، فلابد من الاهتمام بالمسالخ وتطوير التصنيع إضافة لذلك، لابد من الاهتمام بصادر السمسم في ظل ارتفاعه عالمياً بالإضافة للصمغ العربي، حيث لا يوجد انضباط في مسألة العائدات، فهذه لابد من استصحابها في موازنة الدولة.
*واجهت الموازنات السابقة عجزاً بصورة مستمرة؟
لتفادي حدوثها مرة أخرى كما حدث في السنوات الماضية حيث بلغ 30%، فلابد من تقليل مسألة الصرف المتعدد كالصرف الدستوري والأمني والسلام، الآن إذا لم يكن اهتمام تحديد السقف سيؤدي إلى إهمال المسائل والقضايا المهمة بالموازنة ولخلق موازنة سليمة في اعتقادي ضرورة الاهتمام بالسياسات المالية والنقدية لابد أن يكون هنالك ضبط على أسعار العملات الصعبة والتي شهدت زيادة بصورة مستمرة، فتحسين قيمة الجنيه السوداني عبر وضع معالجات سريعة لأسعار العملات الصعبة واستقطابها عن طريق عائدات المغتربين والتي لاتقل عن الـ5 مليارات دولار بالرغم من أنها لا تدخل عبر الطرق السليمة والتي لم يكن لها أثر على وضع البلاد، مع ضرورة تحسين وضع المغتربين بوضع محفزات تشجيعية كتوفير أراضٍ حتى يساهم في عملية التحويل للداخل خاصة في ظل وجود فرق الأسعار، فهذه مسائل تصب في مصلحة تحسين الاقتصاد والتي تتطلب الجدية من القائمين على الأمر، فإذا لم يحدث هذا سنواجه بعجز واستمرارية المشاكل القائمة الآن والتي قد لا نجد لها حلاً في المستقبل القريب، وإذا تم تحقيق هذه الموجهات حتماً ستنكون قد حققنا شعارات الثوار فلابد من التعامل الجدي لإخراج موازنة ترضي الجميع.