سياسيون بالمؤسسة العسكرية
خروقات الأحزاب وتماسُك الجيش!!
تقرير ــ عبد الله عبد الرحيم
لم تسلم المؤسسة العسكرية السودانية من الاتهامات بالتسييس منذ ظهور أول انقلاب في الساحة السياسية السودانية وإلى يومنا هذا، إلا أن النفي المتكرر بجانب قانون القوات المسلحة وقسم الولاء الذي يؤديه جميع العسكريين بالولاء للمؤسسة العسكرية أولاً وأخيراً، هو الذي جعل الوقوف خلف تلك الاتهامات حالة من عدم النمو الفكري الأكثر جدلاً.
لكن ما فجّره القيادي بقوى الحرية والتغيير وحزب البعث العربي الاشتراكي محمد ضياء الدين بحديثه عن السياسيين في المؤسسة العسكرية، يعتبر مفاجأة من العيار الثقيل، لجهة أن هذا الأمر دوماً تتصدى له المؤسسات السياسية والحزبية بالنفي والنكران. وقال ضياء الدين إن كل الأحزاب السياسية لديها وجود داخل المؤسسة العسكرية حتى الآن، ما جعل الباب مفتوحاً أمام القوات المسلحة التي باتت ساحتها أمام اتهام بالاختراق من قبل القوى السياسية، وآثار هذا الاختراق على اللحمة الوطنية، ونجاعة استمرار القوات المسلحة كعنصر من عناصر الممسكات والمحافظة على تراب ووحدة الوطن.
لا مانع ولكن..
ويقول الفريق ركن إبراهيم الرشيد لـ(الصيحة)، إن العسكرية مؤسسة وطن ومجتمع، ومن المؤكد أن تضم أناساً يكون لهم ميول لأحزاب سياسية وقناعات سياسية معينة وليس هناك مانع، لأنهم جزء من المجتمع الذي يتبلور داخل المؤسسة العسكرية.
وضرب سيادته مثلاً بوجود الشيوعيين داخل الجيش واستخدموا عناصرهم من قبل وقاموا بانقلاب، والبعثيون كذلك كانت لهم محاولة انقلاب من داخل الجيش وكذا الإسلاميون. وزاد إن حزب الأمة في فترة الديمقراطية أتى بمهدي بابو نمر ونصّبه رئيس أركان للجيش السوداني، وأيضاً أتى الاتحاديون بفتحي أحمد علي نائباً عاماً للجيش. وأكد أنه لا يمكن أن تبرأ القوات المسلحة من الانتماء الفردي والشخصي لأفرادها للأحزاب السياسية الموجودة في الساحة السياسية.
بيد أن إبراهيم الرشيد قال إن الأغلبية داخل الجيش لا ينتمون لأحزاب سياسية، وقد تمسكت بأدب وأخلاق وقيم المؤسسة العسكرية والجيش السوداني.
الانتماء داخل الجيش
وفسر الفريق الرشيد الانتماءات السياسية داخل الجيش بأن معظم الشباب الذين ينضمون للجيش يأتون من مدارس ثانوية وجامعات مختلفة تمارس فيها السياسة على نطاق واسع، ولذلك يأتون وفي الغالب مشبعين بالروح السياسية والانتماء الفكري والولاء لأحد الأحزاب السياسية حسب قناعاتهم الشخصية. لكنه أكد، أننا لا يمكن أن نقول إن تياراً سياسياً داخل الجيش- بعثياً كان أو إسلامياً أو حزب أمة أو اتحادياً- مؤسس وله كلمته ووجوده. وقال إن القوات المسلحة تؤسِّس وتربِّي على القومية والمسؤولية الاجتماعية والوطنية بجانب مسؤوليتها تجاه المواطن والشعب السوداني مدللاً على ذلك بسندها ووقوفها مع الشارع في كل هباته من أكتوبر إلى ثورة الشباب الحالية في أبريل الثانية، وقال هذا يدلل على الانتماء الفكري للقوت المسلحة كمؤسسة، وزاد: “الانتماء فيها يكون للوطن وللشعب فقط دون الأحزاب السياسية”.
الانتقالية مسؤولية الجيش
ووصف إبراهيم الرشيد حديث محمد ضياء بأنه كلام غير مسؤول، ويبدر من شخصية غير مكتملة فكراً، ونفى حدوث انقلاب داخل الجيش بأية حال من الأحوال خلال الفترة الانتقالية، وجزم بأنه من الاستحالة بمكان حدوثه إلا من شخص مغامر له عناصر من الداخل يريد تحريكهم، وزاد: حتى إذا كانت هناك محاولة انقلاب لا يمكن أن تنجح.
وقال إن الفترة الانتقالية القوات المسلحة مسؤولة عن تأمينها، وقال: ما يحدث من لغط إنما هو تخوّف لمن ينتمون للقوى السياسية مثل محمد ضياء وآخرين، لأنهم لا يملكون الشارع. وأكد أن مثل هذه الافتراءات إنما تحاول ضرب نسيج القوات المسلحة ودعم من ينادون بتصفية القوات المسلحة، مفنداً تلك الدعاوى، وقال إن القوات المسلحة قائمة على التربية الوطنية بعيداً عن الانتماءات السياسية والحزبية وهدفها المحافظة على نسيج وتراب هذا الوطن ووحدته، مشيراً إلى أن كل ما ساقه ضياء إنما يهدف للنيل من الجيش باعتبار أنه جيش مُسيَّس ويتبع لقوى سياسية. وقال: نحن نؤكد أن مثل هذه الإقاويل إنما هي فرية على الجيش ويجب أن تموت في مهدها، ذلك لأن القوات المسلحة هي الحافظة وصمام أمان هذا الوطن. مطالباً بتأمين القوات المسلحة والمحافظة عليها وعدم استثارتها واستفزازها والتقليل من شأنها بمثل هذه الأقاويل.
مشكلة ولكن!
ويقول البروفيسور حسن الساعوري أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، إن ضياء الدين إذا كان حديثه هذا عن التاريخ وعن وجود القوى السياسية داخل الجيش حزب أمة وإسلاميين وشيوعيين وبعثيين، فلا مشكلة في هذا الحديث، ولكنه إذا كان حديثه هذا عن اليوم بأن هناك انتماءات حزبية تنظيمية فهذا هو الخطر الحقيقي، وهنا تكمن المشكلة.
وقال الساعوري إن الخطورة ليست في أن يكون لكل ضابط في الجيش ميول نحو حزب سياسي بعينه، فهذه ليست مشكلة ولكن المشكلة تكمن في أن يكون عضواً تنظيمياً. وأبان الساعوري إذا كان ضياء الدين يقصد أن هنالك انتماء للقوى السياسية داخل الجيش، فإن هذا يعني أن درجة الانضباط العسكري داخل القوات المسلحة ستكون متدنية جداً، وإذا تدنت درجة الانضباط العسكري بالانتماء للأحزاب السياسية فهذا يعني إمكانية الانقلابات العسكرية الحزبية مستقبلاً، بمعنى آخر، أن كل الانقلابات التي تمت في تاريخ السودان كانت لها علاقة بالأحزاب السياسية. وزاد: إذا وُجد هذا الانتماء التنظيمي، فإن ذلك يعني الانقلابات العسكرية المستقبلية ستكون كذلك حزبية، ولن تكون الانقلابات العسكرية بالمعنى الحرفي للانقلابات العسكرية.
وتساءل الساعوري، هل ضياء الدين متأكد اليوم بأن في القوات المسلحة تنظيمات حزبية سياسية؟ وقال إن الإجابة على هذا السؤال من الأهمية بمكان، لأنه إذا كانت التنظيمات السياسية أصبحت موجودة داخل المؤسسة العسكرية، فإن الجيش لم يكن منضبطاً كما كان في الماضي، مشيراً إلى أن التنظيم السياسي سيكون له توجيه لضباطه والقائد العسكري سيكون له توجيه أيضاً لهؤلاء الضباط، فلمن يكون الولاء؟ هل يكون للتنظيم السياسي أم يكون للقائد العسكري؟ . مجيباً: إذا كان الولاء للقائد العسكري فإن هذا يعني أن الجيش جيش، ولكنه إذا كان للرئيس التنظيمي الحزبي فهذا يعني أن الجيش ليس جيشاً. مؤكداً أن السؤال يظل قائماً، وقال: لابد لضياء الدين أن يراجع نفسه، فإذا كان جيش السودان الآن بهذه الصورة فهذا يعني أن القوات المسلحة تحتاج لمراجعة من جديد، وقال إذا كان حديث محمد ضياء الدين حقيقة أيضاً فإن القائد العام يحتاج إلى أن يراجع كل الضباط العسكريين للتأكد من عدم انتمائهم لتنظيم حزبي.