تعويضات أمريكا أين الحقيقة؟
في مؤتمره الصحفي عصر أمس، عقِب عودته من واشنطون، لم يقل السيد رئيس الوزراء الحقيقة كاملة ونسب إلى زيارته ما لم تفعله حكومته أبداً، فالحوار مع الولايات المتحدة لرفع العقوبات الاقتصادية وشطب اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، بدأ منذ سنوات طويلة كانت مسيرته متقطّعة وخاضعة لظروف وملابسات مختلفة، لكن منذ العام ٢٠١٤م انتظم هذا الحوار بين الخرطوم وواشنطون وتُوِّج الحوار ببدء الإجراءات العملية في نهاية عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، ولم يلبث الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترمب أن قرر رفع العقوبات الاقتصادية التي فُرضت في ١٩٩٧ و٢٠٠٦م، بينما انتظر السودان طويلاً للتحاوُر حول رفع اسم السودان من لائحة الإرهاب، التي اتخذت خمسة مسارات، وكانت من بينها القضايا المرفوعة أمام المحاكم الأمريكية في حادثتي تفجير السفارتين الأمريكيتين في نيروبي ودار السلام في أغسطس ١٩٩٨ وتفجير المدمرة كول في خليج عدن في ٢٠٠٠م.
فالحوار كان يجري على مستويات مُتعددة، ولجنة مُكوّنة من وزارات الخارجية والدفاع والمالية وبنك السودان وجهاز المخابرات، بينما كانت سفارتنا في واشنطون خاصة السفير معاوية عثمان خالد تمثل ويمثل السودان أمام المحاكم التي كانت تنظُر في قضية التفجيرات للسفارتين والمدمرة كول، وكل مراحل التقاضي وما نتج عنها من قرارات المحاكم أو دوائر الاستئناف الأمريكية، ثم ما تمّ التوصل إليه في شأن التعويضات تمّ حسمه خلال الفترة الماضية قبل ما يُقارب العام، واتُّفِق على صيغة واضحة أفضل بكثير مما قاله رئيس الوزراء أمس، فليس صحيحاً أن زيارته الحالية خفّضت المبلغ من ١٢ ملياراً إلى بضع مئات من ملايين الدولارات.
لفائدة السيد رئيس الوزراء أن التفاهمات والمفاوضات التي كانت تجري توصّلت مع الجهات السياسية والاستخبارية الأمريكية إلى اعتماد صيغة قضية لوكربي مع ليبيا في قضية التعويضات، وحدّدت الفئات أقل من تلك القضية، وحُدّد مبلغ التعويض للقتلى من حاملي الجنسية الأمريكية وعددهم ١١ شخصاً في حادثتي السفارتين، و١٧بحاراً في المدمرة (يو إس إس كول) بينما حُددت فئة أخرى للمبالغ التي تُدَفع للجرحى الأمريكيين، بينما الجنسيات الأخرى تم الاتفاق على مبالغ أقل، ويمكن لمن يطلب معلومات أكثر عن المبلغ بالتحديد فليرجع لما دفعته ليبيا في قضية لوكربي للقتلى الأمريكيين والمصابين .
فالمبلغ المطلوب في جملته تم الاتفاق عليه في ما يُسمى التفاوُض خارج إطار المحكمة بواسطة مُحامِي وعائلات الضحايا، وكانت الأمور والتسويات تجري لكيفية إقراره من جانب السودان الذي ظل على الدوام يقول أمام المحكمة وينفي صلته المباشرة بالتفجيرات.
إذا كانت الحوارات السابقة عبر لجنة ذات مستوى فني تقوم بالتفاهُم حول التفاصيل المختلفة، فإن تدخّل رئيس الوزراء وفي غياب الجهات الرسمية التي كان يُمكن أن تمده بمعلومات أكثر، سيجعل الأمور تسير في صالح الأمريكيين أكثر من مصلحة السودان، فالشروط السبعة التي قال رئيس الوزراء أنه قد تم تجاوُزها وهو أمر مشكوك فيه، لأن الإدارة الأمريكية إن لم تُبرِم اتفاقاً ويكون بيننا وبينها موثقاً فإنها ستتخذ ألف ذريعة للالتفاف والتراجُع والرجوع إلى المربع الأول … فالمطلوب من رئيس الوزراء توضيحات أكثر عن ما اتُّفق فيه مع الأمريكيين وكم سيدفع؟ مع العلم أن لجنة التفاوُض السابقة تعلم كم هو المبلغ المُقترح دفعه..!