الخرطوم: آمال الفحل
شهدت الخرطوم الأيام الفائتة، وصول وفد الجبهة الثورية للخرطوم بقيادة الأمين العام للحركة الشعبية قطاع الشمال، من أجل الدفع بروح الشراكة لتحقيق السلام الشامل، وتزامن وصول هذا الوفد مع وصول وفد مشترك من حركة جيش تحرير المجلس الانتقالي وتجمع قوى تحرير السودان, لتعزيز وجود الجبهة الثورية بالداخل وتأكيداً على ما ورد في إعلان جوبا حول السلام.
وبحسب بيان مشترك للحركتين، أن الزيارة تهدف لطرح رؤية وبرنامج الحركتين للوصول إلى السلام الشامل العادل المستدام الذي يلبي طموحات وآمال الشعب السوداني.
جهود دولية
وفي هذا التوقيت، كشفت مجلة “ميل آند قارديان” البريطانية؛ عن جهود دولية للضغط على المعارضة السودانية للتوقيع على اتفاق سلام مع الحكومة الانتقالية بقيادة حمدوك العام المقبل. وقالت الصحيفة إنه ليس من الممكن التوقيع على اتفاق السلام كما هو متوقع في ديسمبر الحالي بسبب عدم انضمام عبد الواحد نور للمفاوضات، وأضافت: لكي يكون أمام أي اتفاق مع هذا النوع أي فرصة للنجاح, فإنه لابد أن يحظى بدعم رئيس حركة تحرير السودان عبد الواحد محمد نور كونه أكثر قادة التمرد تأثيراً وأقلهم مساومة.
وأوضحت أن دول الاتحاد الأوربي بما فيها فرنسا تسعى لانضمامه للمفاوضات قبل التوصل إلى سلام, وقالت إن التزام الأطراف بوقف إطلاق النار من قبل كافة الحركات المسلحة دليل على جديتها في الوصول إلى سلام، ومن هنا يبرز عدد من الاستفهامات, ما هو الوزن السياسي والميداني لعبد الواحد, وهل بالإمكان تحقيق سلام بدونه؟ وما هو مستقبله السياسي إذا تم تحقيق سلام, وهل لعلاقاته الخارجية دور في أن يكون قاصياً عن الآخرين، ويعتمد عليها في الاستقواء عليهم، وبالتالي تدفعه نحو السلام وفقاً بما يراه مناسباً وملائماً؟
ضلع ناقصة
الناطق الرسمي لحركة العدل والمساواة الموقعة على السلام أحمد عبد المجيد قال لـ (الصيحة)، إن أهمية القائد عبد الواحد تكمن في رغبة عموم رفاق الكفاح المسلح والشعب السوداني عامة ودارفورعلى وجه الخصوص بأنهم راغبون في تحقيق سلام شامل ومتكامل، لذلك ملامح غيابه عن التوقيع على السلام ترجح وتشكل ضلعاً ناقصة حتى تكتمل الدائرة بوجوده، لذلك ظلت المطالبات به حتى يكون جزءاً من السلام، مبيناً أن جميع الأسباب توفرت في أن ينهض باعتباره رجلاً له إسهامات وضليع في العمل المسلح، فضلاً عن تأثيره الفعّال على شرائح من المجتمع ليست بالقليلة.
وقال: غرضنا أن نرسم لوحة للسلام المتكامل القائم على الإستحقاقت الأساسية في التنمية وحقوق المواطنة، مبيناً أنه ستظل الدعوة قائمة له، ولفت إلى أنه إذا جاء للبلاد سيجد من يحترمون قوله.
السلام فعل ذاتي
وأضاف عبد المجيد في حديثه “للصيحة”، أن السلام فعل ذاتي ينعكس على المجتمعات، موضحاً أن الثورة عندما قامت في دارفور كانت مطلبية تمثل شرائح مختلفة، لذلك إذا لم يأت سيؤثر ذلك على بعض القبائل التي تنتمي إليه، ومعنى ذلك أنه مؤثر في الإقليم لأن هنالك جزئية سوف تتأثر به، لذلك عبد الواحد سيؤثر في نجاح عملية السلام.
مضيفاً أن ميزان المجتمع الدولي تغير تجاه عمليات السلام واعترف بكل الاتفاقيات السابقة التي وقعها السودان، كما أنه اعترف أيضاً بالاتفاقيات المرجوة. مشيراً إلى أن المجتمع الدولي حث الجميع على فتح صفحة جديدة قائمة على السلام.
لافتاً إلى أن الإدارة الأمريكية جعلت السلام واحداً من الاشتراطات لرفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، مبيناً أن المجتمع الدولي بدأ يتحرك بوتيرة وبطريقة مختلفة، مطالباً عبد الواحد محمد نور بالتحرك في اتجاه السلام خاصة أن الحكومة الانتقالية بدأت تستجيب له، كما أن وصول وفود السلام تؤكد رغبتهم الصادقة في تنوير قواعدهم بإجراءات وتطورات السلام وبدأ شبح السلاح يبتعد رويداً رويداً، كما أن العمل السياسي بدأ ينتظم، وهذا منظور محترم.
كروت إضافية
بحسب مراقبين أن رفض عبد الواحد للسلام أنه يريد أن يكسب كروتاً إضافية، ليقول إنه الوحيد الذي يمثل الشعب السوداني ومعارضته، وإن الحكومة لا تستطيع أن تحقق أي تقدم في مجال السلام دونه، لذلك يرفض الانضمام للمفاوضات، مبينين أن عبد الواحد ينظر للحركات المسلحة والقوات المسلحة التي تفاوض في جوبا بأنها هي إحدى مورثات النظام السابق وبقية ما تركه المؤتمر الوطني، وعاقدة العزم على أنها تريد تفكيك عروة الجيش وتستبدله بمليشيات الحركات المسلحة لتصير هي الجيش الوصفي وفق ما أكده عبد الواحد نفسه.
رسالة متوقعة
ولكن أستاذ العلوم السياسية ومدير مركز “الراصد” للدراسات البروفيسور الفاتح محجوب استبعد عودة عبد الواحد للمشاركة في مفاوضات السلام، وقال في حديثه لـ (الصيحة) ، إن تصرفاته الأخيرة بضربه جبل مرة الغرض منها واضح، وهو محاولة زعزعة وقف إطلاق النار وأن البلاد ليست آمنة كما أن الحركة تتصرف وتوعز للكل بلغة “نحن هنا وموجودون” ولن نسمح بالوصول لاتفاق سلام، وتحاوأن تقول للرأي العام إن المفاوضات الجارية الآن ليست شاملة.. وتريد أن تؤكد بأنها لا زالت موجودة في الساحة وأنها لن تسمح بالوصول لاتفاق سلام طالما هم موجودن في الساحة، وأنكم لن تستطيعوا تحقيق السلام في السودان بدوننا. وأكد الفاتح بأن ما قام به عبدالواحد رسالة متوقعة طالماً أن الرجل يرفض المشاركة في المفاوضات، فمعنى ذلك أنه ربما قام بهذه الخطوة لإفشال المفاوضات، خاصة وأنها حركة تملك جيشها وخارج إطار السلام.
وأكد محجوب أن عبد الواحد قد أرسل من قبل رسالة حينما قابل حمدوك بباريس بأنه لا يعترف بعملية السلام الجارية ولا بالترتيبات السياسية التي جرت بعد إنهاء حكم الإنقاذ.
بيد أن الفاتح قال إن عبد الواحد لا يستطيع إفشال عملية السلام ولا تقويضها لضعف الحركة بانقساماتها الكثيرة، لكنه قال إنه يمكن أن يخلق مثل هذه الأجواء المحبطة والتي استلمتها الحكومة، وفهمها الرأي العام الدولي والعالمي. لكن عملياً يرى الفاتح بأن الحكومة تستطيع أن تتجاهله، لأنه عسكرياً لا يمكن أن يمثل خطراً على السلام في السودان ووضعه العسكري ضعيف حتى في جبل مرة ولا يسيطر إلا على المناطق المجهولة.
عدم تحقيق السلام
المحلل السياسي د. أسامة زين العابدين قال لـ (الصيحة) إن قدرة عبد الواحد محمد نور تقاس وفقاً لمعطيات الداخل المتعلقة بإقليم دارفور، مشيراً إلى أن عبد الواحد ما زال يتمتع بأنصار خاصة فى معسكرات النزوح واللجوء إضافة إلى النشاط الطلابي في الجامعات، لافتاً إلى أن الاستقرار في دارفور يتطلب عودة النازحيين إلى حواكيرهم وقراهم لممارسة حياتهم الطبيعية، مبيناً أن ذلك مرهون بمؤشرات سياسية ترتكز على رؤية نور في الحراك المجتمعي في دارفور، لذلك لا يمكن أن يتحقق سلام في دارفور بغياب عبد الواحد عن المشهد السياسي في ملف السلام.
كاريزما خاصة
وأشار أسامة في حديثه للصيحة أن عبد الواحد يتمتع بكاريزما وعلاقات دولية يستند إليها بشكل كبير جداً، وهي أبرز الدوافع التي يرتكز عليها في استمرار حركته. مشيرًا إلى أنه يجد سنداً من دول غربية متعددة، مبيناً أنها تتعامل معه خلف الاسوار، ويمثل كرت ضغط لها إذا احتاجت إليه، مبيناً أن الغرب يعترف به بوصفه صاحب قضية جماهيرية.
وقال زين العابدين إن الأطروحات التي يقدمها عبد الواحد لتحقيق السلام تتوافق وتتجانس مع طرح قوى الحرية والتغيير في تحقيق السلام والعدالة، موضحاً أن التباين يظهر في مواقع التوازن بين الهامش والمركز خاصة فيما يتعلق بالدولة.
وختم أسامة حديثه قائلاً: هذا هو التباين الرئيس بين قوى الحرية وعبد الواحد محمد نور.