إلا الجمارك لا..!!
انقلبت حرب نبذ القديم وتفكيك المُؤسّسات التي يَقُودها مَنسوبو قِوى الحُرية والتّغيير تحت دَعاوى كَثيرة وبدون دراساتٍ ومُبرِّراتٍ مُقنعةٍ إلى هيئة الجمارك السودانية، ومُحاولات فصلها عن الشرطة وتبعيتها فنيّاً وإداريّاً لوزارة المالية، ويقيني أنّها خطوة باطلة تَندرج ضِمن خُرافات تدمير الاقتصاد الوطني وتفكيك مُؤسّساته النّاجحة والمُستقرة.. فلا يُعقل نسف كل الإيجابيات الكبيرة التي تَحَقّقت مِن ضَم الجمارك للشرطة، وإنّ تجربة ضَمّ الجَمارك للشرطة عملية لها (30) عاماً منذ أن تمّت عَسكرة الجَمارك بعد مُشاورة العَاملين حِينها، ودَخَلَت بعد ذلك دفعاتٌ من الضُّباط والتحقوا كضباط جُمارك.. وأصبح ضَابط الجَمَارك يَتَمتّع بامتيازات ضابط الشرطة وصلاحياته، إضَافَةً لسُلطاته وصلاحيته في قانون الجَمارك مِمّا مَكّنَهُ من الاضطلاع بدوره بصُورةٍ قويةٍ وتَنسيقٍ مع الجَهات الأُخرى بلا تَنَافُر.
إنّ دُخول ضباط الجمارك وضباط الصف والجُنُود الكليات والمَعاهد الشرطية أكسبهم خِبرةً كَبيرةً في التكتيك الميداني لمُكافحة التهريب وخُطط المُطاردة والتّعامُل الميداني مع المُهرّبين المُحترفين، وكذلك أَضَافَ لهم علم المعلومات وكيفية جَمعها وتحليلها والرصد والمُتابعة، مِمّا ساعدهم في ضبط المُهرّبين في طَور الوقاية قبل العِلاج، وأصبحت لهم سَطوة في فَرض هَيبة الدولة على الحدود.
ومَعلومٌ أنّ قُوّات الشرطة بما فيها من قوانين ولوائح تنظيمية في الضبط الإداري والرقابة، أضافت للجمارك مزيداً من التجويد في مجال الضبط الإداري في العمل.
وتتمتّع قُوة الجمارك بامتيازات ولوائح الشرطة أثناء العمل وعند المعاش، وقد حسّن ذلك من دخل الفرد بصُورةٍ ساهمت بشكلٍ واضحٍ في تحقيق العمل بالصُّورة المثلى دُون أيِّ تجاوزات ورشاوى، وأنّ قوة الجمارك أعدادٌ كبيرةٌ ومُنتشرةٌ في كل أنحاء البلاد بحسب طَبيعة نشاطها، فَوجودها وزيِّها العسكري يُساعد في تَحقيق الأمن وزيادة مِساحة الشُّرطة مِمّا يُعزِّز ويُشعِر المُواطن بالأمن، ويُساعد الأجهزة الأمنية الأُخرى في رفع الحِس الأمني في المناطق النائية وأيِّ قوة مدنية لن تتمكّن، ولذلك تبعية الجمارك لقوات الشرطة يُعد إضافةً للقوة جوهراً وشكلاً، وشكّل تبعية الجمارك إدارياً للشرطة وفنياً لوزارة المالية وفق قَانُون الشرطة آلية تَنسيق وانسجام ورفع كفاءة هيئة الجمارك في أداء مهامها ودفع عجلة الاقتصاد الوطني .
مَعروفٌ في عُرف التّعامُل وحدوده أنّ الشرطة لا تدخل في الإجراءات الجمركية الفنية، فهي مَتروكةٌ لأهل الاختصاص المالي، بينما سُلطة إشراف الشرطة إداريٌّ فقط، فَهو دَعمٌ لدور الجمارك الإيرادي والرقابي كَمَا أسلفت.
إنّ الواقع يُؤكِّد أنّ تبعية الجمارك لقُوّات الشُّرطة لَم يُؤثِّر على تَحصيل الإيرادات، بل حَصل العكس أنّ كل التقارير تُؤكِّد زيادة الحصيلة الإيرادية.
وإنّ الدعوة لأن يتم فصل الجمارك من الشرطة وإرجاع تبعيتها إدارياً وفنياً لوزارة المالية بعد تجربةٍ ناجحةٍ استمرت ثلاثة عُقُود فيه مُخاطرة بالإيرادات التي تَعتمد عليها الدولة بشكلٍ كبيرٍ وبالمُؤسّسة الجمركية .
ومِنَ المَعلوم بالضرورة إقليمياً ودولياً، تجربة أن تكون الجمارك السودانية قوة عسكرية هي ليست الوحيدة في العالم، فهنالك إدارات جمارك عسكرية في عددٍ من الدول مثل سلطنة عمان وتونس وسوريا وجنوب السودان، وفي لبنان هنالك قوة (الضابطة الجمركية) وهي قوات جُمركية برتبٍ عسكرية تُوازي مُكافحة التهريب بالجمارك السودانية، كما أنّ عسكرة الجمارك الأردنية قطع شوطاً طويلاً.
الجمارك أصبح لها قُوةٌ ضاربةٌ في مُكافحة التهريب تمتلك عدةً وعتاداً وأسلحة لضرب أوكاره، وهي تَحتاج للتخطيط والإشراف والتدريب المُستمر لرفع القُدرات والمُواكبة حَتّى تَتَمَكّن من حصار التّهريب والتّضييق على المُهرّبين الذين أصبحت لهم عِصَابات تمتلك السلاح وتُقاتل من يُعارضها، وهذا يستوجب أن تكون الجمارك عسكرية.
بما عُرف عنها أنّ الجمارك مُلتزمة بالسياسات والتّوجيهات الصادرة من وزارة المالية والقطاع الاقتصادي، وهنالك انسجامٌ تامٌ وتناغُمٌ في الأمر الفني والمنطق يقول: لا تُعرِّضوا اقتصاد البلاد لتغييرات جذرية غير مضمونة العواقب، عليكم أن تبنوا على النجاحات بدلاً من التجريب والحماس، ومع ذلك يُمكن دراسة التجربة عبر مُختصين وبيوت خبرة وتَشمل كل جوانبها، ومَعرفة الإيجابيات والسَّلبيات ومن ثُمّ اتخاذ القرار المُناسب الذي يُبنى على الإيجابيات ويتجاوز السَّلبيات.
هَذَا تنبيهٌ لضرورة عدم الالتفات لأصحاب الأصوات العَالية الذين يدّعون الإصلاح والتغيير، فكثير من هؤلاء المُغالين تُحرِّكهم أغبانٌ ودوافع شخصية وبعضهم مُغررٌ به.