“تجنب حب المرأة ولا تخف كراهية الرجل”.. سقراط..!
امرؤ القيس شاعرٌ عظيمٌ، لكنه عاشقٌ مُستهبلٌ، خرق قواعد الإتيكيت العاطفي عندما ذكر التعدد في مقام التَّوحُد، يوم أن وقف على أطلال حبيبته فاطمة قائلاً “قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل”، فمقام المُشارفة على الهلاك أسىً وبكاءً، لا يقبل فكرة الشراكة “الاستبكاء”.. وحينما قال أيضاً “ومثلك حبلى قد ومرضعٍ.. فألهيتها عن ذي تمائم مُحولِ”.. فالوقوف على أطلال الحبيبة له طقوسٌ عاطفيةٌ أدناها الاقتصار على ذكرها دُون سواها، في لحظات التدفُّق العاطفي على شرفها..! فالحُب الحقيقي – بعيداً عن فكرة التّعدُّد كنزعةٍ فطريةٍ أو رُخصةٍ شرعيةٍ – يظل عاطفةً غَير ديموقراطية، ويبقى حالةً وجدانيةً لا تقبل القسمة على ثلاثة..!
الرجال دوماً مُتمرِّدون، باحثون عن الجديد في مَلامح وتَضاريس الأُخريات، والنساء – أبداً – مُتربِّصات بعيون أزواجهن وبمفاتن الأُخريات، وما بين الخيانة “العديل”، والمُسيّر بإذعانٍ على صراط الإخلاص، منطقة وسطى قابلة للقسمة على ثلاثة بمفهوم الرجال، وغير قابلة للنقاش بعاطفة النساء، منطقة وعرة، زاخرة بالمزالق – حالة فنية غنية بالاحتمالات – اسمها “طيارة العين”..!
تلك الجُنحة الشائعة مكان ارتكابها “حُدود العقل”، في المنطقة المُتاخمة لشغاف القلب، فما أن تتم ترقية المرأة من شريكة وجدان، رنت العين نحوها يوماً، إلى رفيقة مشوار – بات في حكم المُرجح أن تزوغ العين عنها أحياناً – حتى تتحوّل إلى جندي حراسة برتبة جنرال، فتمعن في الشك والحصار، وتتّهم الحبال بأنّها ثعابين، وتخاف الشوربة فتنفخ في الزبادي، وبذلك يتحقق اتقان دورها التاريخي في مسرحية النكد..!
فما أسكر كثيرُه قليلُه حرام، وعند هذه الفلسفة الشرعية تلتقي طيارة العين بشرب الخمر، فكلاهما يخرج بالعقل في نزهةٍ محفوفةٍ بالمَخاطر، وكلاهما يلتقيان – في الإسلام – عند مبدئية الحكم الشرعي وفلسفة الأسباب، فكلاهما محرم من حيث المبدأ، وكلاهما ضرره أكبر من نفعه.. شُرب الخمر من كبائر الإثم التي تَستوجب إقامة الحَد في الدنيا واستحقاق العقاب في الآخرة، وطيارة العين ذنب يدخل في قبيل اللمم – أو صغائر الذنوب – وبعد وقوع كليهما تذهب السكرة وتأتي الفكرة..!
الفيلسوف الألماني نيتشة قال إنّ من أراد أن يتذوّق طعم الحياة، فيسعد، عليه أن يعيش في خطرٍ، لكن عالم الزوجات هو الاستثناء الطريف الذي يُؤكِّد تلك القاعدة الفَلسفية، فما أن تدخل إحداهن من باب القفص إيّاه حتى يتوسّدها القلق وتسكنها الهواجس، وتبدأ فصول أطول وردية حراسة في التاريخ.. فالتمرُّد على القيود هو هواية شريكها “المحروس”، الذي يكره لا مبالاة المرأة، لكنه يكره حصارها أكثر، أما الوضع الذي يرضيه ويسعدها في آنٍ معاً، فهو إدمان الرقص على السلالم، ولَعَلّ هذا – الضبط – ما عناه الأخ نيتشة بمقولته “عِش في خطر”..!
منى أبوزيد