بدأت بعض المُكوِّنات السياسية الضعيفة في حكومة (قحت) تتحسّس مقاعدها وتشعر بالخطر، وشَرَعت قياداتها الرّخوة داخل قِوى الحُرية والتّغيير تتخنّق العِبارات في حُلُوقها وهي تقف مُحتارةً أمام ياسر عرمان وتقود لواء التحريض ضده.
كثير من القيادات الحكومية أصابها التّململ، مِمّا دفعها لتنظيم الحملات الإعلامية ضد مجموعة الحركة الشعبية شمال برئاسة ياسر عرمان واللواء خميس جلاب والتوم هجو، الذين عادوا إلى البلاد وانضموا لصف الشعب السوداني الرقيب الذي لا يغيب عن التغيير والثورة وحراستها.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا الحَملة على عرمان ومَجموعته وفي هذا التوقيت بالذات، وفي الوقت القريب كانوا يتودّدون ويتقرّبون إليه? هل تريد قوى الحرية والتغيير الانفراد بالحكم بدون شرعية وتفويض من أهل المصلحة، وفي نفس الوقت تستعطف حَمَلة السلاح بعبارة شركاء (الكفاح المُسلّح) فقط؟
إنّ البلاد تمضي بانحدارٍ حادٍ في مسار فشل مشروع الدولة القومية في السودان الذي لازمنا طيلة الـ(63) عاماً الماضية، ولم تتشكّل دولة مواطنة كاملة.
إنّ الشعب السوداني واعٍ، وعرف أن قوى الحرية والتغيير التي تُعاني من الشرذمة الداخلية وعزوف المُواطنين عنهم قد فشلوا في تصميم برامج سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وطنية جاذبة ومُقنعة للمُوالين لهم قبل الخُصُوم، فشلوا حتى في فك اللغز وراء حركة دُخُول وخُرُوج ياسر عرمان للبلاد وحكايات مقالاته المنشورة حول الديمقراطية والتحوُّل في السودان، فباتوا يشتتون الكرة من عرمان، لكن الذي يُحيِّرهم أكثر هو احتفاظ ياسر عرمان بالكرة وهو الأقرب لصانع ألعاب حكومة عبد الله حمدوك، الشفيع خضر، وظهيرها الأيمن الحاج وراق وآخرون من الذين امنوا بأهمية الأفكار المتراحبة غير المُتمسكة بالأيديولوجيات وشعاراتها التي ثبت عقمها عبر التاريخ، وياسر عرمان والشفيع خضر من قلة، اقتنعا بعدم شفافية اليسار وحقيقة تراجُع منسوب الحياة الديمقراطية داخل مكونات السياسة السودانية، وتفتحت آفاقهما بضرورة العمل مع الآخرين ونقل البلاد إلى مربع أفضل يفضح فيه الذين يظهرون أمام الإعلام بأنهم يُشجِّعون الحريات وحقوق الإنسان والتداول السلمي للسلطة، وسرياً يعملان على منع بعض المكونات السياسية المُخالفة لها من أن تتنفّس أوكسجيناً نقياً.
يقيني سيخسر اليساريون الذين يُحاولون الوقوف حجر عثرة أمام تحقيق المساومة بين اليمين واليسار كما يُسمِّيها الشفيع خضر وهي فكرة يتوافق عليها كَثيرون من التّيارين، وبالطبع هذه الفكرة لن تتأسّس لها بيئة حاضنة لتسهم في صناعة التشريعات التي تُنظِّم عمل الأحزاب دُون عزلة في ظل وجود الجهاز الحالي لقِوى الحرية والتغيير وقياداتها المُتخبطة.
إنّ مشروع التوافُق الوطني يتطلّب إعادة هيكلة قوى الحرية والتغيير عاجلاً غير آجل بشكل يأتي بأشخاص يؤمنون بمشروع الانتقال، لحظتها يمكن صناعة تشريعات وقوانين موضوعية مثل قانون الانتخابات وقانون تنظيم الأحزاب ودوراتها التنظيمية، فهي جميعاً قوانين تتعلّق بالحرية والديمقراطية وبالحقوق الدستورية التي لا يُمكن تجاوُزها لأيِّ سببٍ، فإذا تم ذلك يمكن إعادة الثورة إلى أهدافها وهي الإصلاح واستشراف المُستقبل بتحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية بالاستفادة من تجارب الماضي السلبية والإيجابية .