ثلاثة من وزراء حكومة حمدوك لم أرتح لهم.. منذ (طلّتهم ورشتهم وبشتهم).. وتسرب شك لم يراوح أنهم ليسوا أهلاً لتلك المناصب.
وزراء الخارجية والدينية والعدل..
ورغم يقيني الراسخ أنّ الأشياء تبني من الانطباع الأول.. وإن الانطباع الأول فرصة لا تُعوّض.. ولكنني طمعاً في (وعسى) التي تجعل من الشر خيراً، املت أن يخيب ظني ليعودوا من بعد، خماصاً بطاناً.. وكنت مُستعداً لإلهاب كفي بالتصفيق وحلقومي بالهتاف إن هم أجادوا وسدّدوا وقاربوا..
ولكن!!!
جرت أشهرهم الأولى بذات (التراك) ولم يتغيّر رأيي وخسر حمدوك والسودان بخروج ثلاث وزارات من التصنيف الإيجابي لصالح دفة التغيير.
ولنبدأ بوزير العدل، السيد نصر الدين عبد البارئ (الكسار) خريج جامعة الخرطوم 2002م وعمل فيها مُحاضراً لمدة قصيرة، ثم اُبتعث إلى (هارفارد) للماجستير، ومن ثم ذهب إلى جورج تاون لدراسة الدكتوراة.. وبينما هو في استذكاره ذاك وقبل المُنافسة والحصول على درجة الدكتوراة تم اختياره وزيراً العدل.. تلك الوزارة التي ازدانت بأسماء الأفذاذ من أهل القانون (أحمد متولي عتباني، الترابي، عمر عبد العاطي وعلي محمد عثمان يس).. تدلّت إلى هذا اليافع الذي جاءها ليشغل أول وظيفة إدارية في حياته اليانعة وزيراً للعدل!! في سابقة هي الأولى من نوعها..!!
الترشيحات لم تكن تحمل اسم نصر الدين عبد البارئ لوزارة العدل، بل كان الخيار بين ثلاثة أسماء (د. ابتسام السنهوري، د. عثمان محمد الحسن حاج علي ود. محمد عبد السلام الإزيرق).. إلا أن الذي أدى القسم كان ابن هارفارد الذي هبط بهدوء غريب وبدون (أي خشخشة)!!
ذات الهبوط الناعم الذي مارسه منذ مدرسة أسامة بن زيد ومكتب نشر الدعوة حتى حَطّ الترحال مُدافعاً أميناً عن اتفاقية “سيداو”.
إن الغرابة التي أنتجت استوزاره تمنحنا فرصة ذهبية لتحليل الأيادي و(الكابينت) الغامضة التي تُدير دفة البلاد وتمسك بمقدراتها.. وعندما تتم مقارنتها والجهد والاهتمام المبذول من دولة الوزير، يتأكد لنا أنّ ثمة ما يريب!!
تذكرون كيف قابل واستلطف واستضاف وزير العدل موكب سيداو و(الفيمانيزم)، بل وخاطبهم مُسانداً ومُؤجِّجاً لمطالبهم وبراءة الأطفال في عينيه، ثم عبس وتولى عن موكب الطهر الرافض للاتفاقية!!
ابحثوا معي عن (غادة شوقي)..
الراعي غير الرسمي للصعود السلس والفجائي لنصر الدين..
ودوماً في عالم السياسة كما والأعمال ليس ثمة ما يسمى (غداء مجاني)..
لذا لم استغرب أن تمر البلاد بأزمات قانونية حادّة، فلا نجد لوزارة العدل فيها من حُلُولٍ ولا اقتراحات.. ثمة مطابخ (غير فنية) وغير مُطابقة للمواصفات.. هي خارج رحم الوزارة ومُؤسّستها وبلا أدنى مسؤوليات أخلاقية أو إدارية تعبث باسم وزارة العدل مُتدخِّلة في صميم إجراءاتنا العدلية.. لا تمر القوانين ولا مشروعاتها ولا تعديلاتها بتلك السلسلة المعروفة والمطلوب بالضرورة، تسلسلها على ذلك النحو الذي قالت به الإجراءات.. لذا أنتجت أزمة الوثيقة الدستورية التي حلها مطبخ الوزير الخارجي على ذلك النحو (المفخخ)..
ذات المطبخ أوعز للوزير إصدار قراراته بنقل 110 من منسوبي الوزارة من مواقع مختلفة إلى رئاسة الوزارة.. دون إلحاقهم بأية إدارة أو الإسناد لهم لأيِّ مهامٍ!!
منذ 28 أكتوبر يحوم أولئك المستشارون من ذوي القامات الرفيعة – 13 دكتوراة – ما بين كافتيريا ومسجد الوزارة كالمعلقة.. تنتاشهم الأقاويل وتقتلهم الحسرة وبدا صبرهم في النفاد، بينما الوزير لا يلوي على شئ، ولا يقوي حتى على ملاقاتهم!!
بين يديّ مُذكّرتان كتبهما المنقولون إلى (اللا مكان).. الأولى إلى وزير العدل، والثانية لحمدوك دون جدوى.. وقبل أن يكتبوا المذكرة الثالثة لسعادة مجلس السيادة الموقر، أرجو أن يتقبّلوا نصيحتي و(يكسبوا زمنهم) بالتوجُّه الساعة نحو أحد تضاعيف مكتب الأمم المتحدة للمرأة ونحوها.. واقترح أن يبدأوا بتوسيط مولانا إيمان عتباني!!