ما أكثر العِبَر !!
* واهم من ظن أن التيار الإسلامي العريض يمكن قهره وسحقه لمجرد الزج بقادته في السجون واستغلال سلطة النيابة في القبض ثم البحث عن دفاتر المخالفات من الأراضي إلى المصارف، وواهم أكثر من يعتقد بأن الحظر القانوني المخالف للدستور الطبيعي للأمم والشعوب والإقصاء من حق الترشح في الانتخابات سيدفع القاعدة العريضة التي تقف مع التيار الإسلامي لمجافاته والانفضاض عنه والبحث عن بديل علماني أو طائفي رجعي أو تنظيم جهوي عنصري؟
منذ متى قهرت السجون والاعتقالات الأفكار والمعتقدات، الحزب الشيوعي السوداني الذي يقود الحكومة الانتقالية عند انقلاب ٣٠ يونيو كان أضعف من حالته الراهنة رغم نجومه الساطعة حينذاك من عز الدين علي عامر إلى التجاني الطيب، والخاتم عدلان ونقد، واليوم الحزب الشيوعي بمحمد مختار الخطيب والشفيع خضر وحمدوك يقود الفترة الانتقالية، ويجر من ورائه الصادق المهدي ونصف الحزب الاتحادي الديمقراطي، وكل حزب البعث العربي الاشتراكي، وغدًا ينضم إليهم المتمردون من قوى الكفاح المسلح.
ما ضعُف التيار الإسلامي إلا بسبب السلطة وغياب الحريات ومصادرة رجل وحيد لقرار الإسلاميين ورفع شعارات شمولية مثل لا صوت يعلو على صوت المعركة حتى ولو كان صوت حق يصدح في المساجد والمنابر.
دولة مثل فرنسا بكل جبروتها العسكري وعتادها اللوجستي والتقنية المتطورة التي بيدها والطائرات وكل آليات الدمار حينما خاضت في دولة مالي الفقيرة المعدمة حرباً على التيارات الإسلامية التي فرض عليها القتال لم تفلح فرنسا ولمدة عشر سنوات من القضاء على حركة بوكو حرام وهم مجموعة صغيرة من طلاب الخلاوى وخريجي المعاهد الدينية من التيار الإسلامي السلفي
وجدت فرنسا نفسها تقاتل أشباحاً في الصحراء يمتطون سيارات اللاندكروز والدراجات البخارية يضربون ويهربون ويتحصنون بحاضنات اجتماعية من النيجر إلى بوركينا فاسو ومالي والكاميرون وتشاد، وأخذت فرنسا عهداً بالقضاء على بوكو حرام، ولكنها فشلت في حرب الأرض الصحراوية الجرداء، ودخلت الولايات المتحدة كطرف مساند، ولكنها لم تحارب وتعلمت أمريكا من دروس الصومال وأفغانستان والعراق، ولم تتورط في القتال بالصحراء الغربية، كما فعلت حليفتها فرنسا التي خسرت الأسبوع الماضي طائرتين تصادمتا في سماء العاصمة المالية باماكو خوفا ورعباً من ملشيات تضرب وتهرب، وشنت الصحافة الفرنسية هجوماً على الحكومة عند رؤية النعوش المنقولة من مالي غلى باريس يحيط بها جنود حالتهم بائسة جداً وعيونهم دامعة مع أن الفرنسيين الذين يقاتلون في الصحراء أغلبهم من المنحدرين من أصول أفريقية.
ولكنهم يموتون يومياً في حرب الصحراء والطبيعة القاسية في غرب أفريقيا والجماعات التي تقاتل في تلك الرقعة الجغرافية الممتدة من نيجيريا حتي ليبيا لا سبيل للقضاء عليها إلا بالعودة للمشروع الجزائري الذي بدأته حكومة الرئيس السابق بوتفليقه بجمع شتات الحركات المسلحة والدخول معها في حوار مفتوح بدون شروط لتأمين حدود الجزائر الشرقية والجنوبية، ومساعدة دولة مالي في التغلب على الصراعات الداخلية التي نجمت عنها هشاشة أمنية وتفشٍّ للفقر والبطالة والحرمان، وفي مثل هذه المناخات تتكاثر وتتنامى حركات التطرّف والإرهاب.
فهل بلادنا السودان محصنة من تمدّد مثل هذه الحركات المتطرفة، بالطبع النظام الديمقراطي يمثل ترياقاً سياسياً لتنامي العنف وإحساس المواطنين بفرصهم المتساوية في تولي الشأن العام يمثل ضمانة للحيلولة دون تغلغل الأفكار الإقصائية وتمدد العنف، وأول من دق جرس إنذار لخطورة ما نحن فيه المفكر الحاج وراق عندما تحدث علناً قبل أسابيع بعد صمت طويل، وحديث وراق لم يُعره الكثيرون التفاتة في غمرة سكرة الحاكمين بسلطتهم وغمة المعارضين بفقدان حكمهم نزعه الله منهم حينما أراد ذلك عبرة لمن لم يعتبر بسنن الأوليين، ولكن تنامي الإرهاب مثلما يحدث في مالي له شروط وأسباب لا تتوفر الآن، لكن الإقصاء والظلم والاستهداف واحتكار كل شيء يجعل البعض يبحث عن المكروه والحرام والوقوع ضحية لهوى النفس ومحاولة الانتصار لها .
ليت السودانيين يتّعظون من تجارب غيرهم وحماية بلادهم وتجنيبها الصراعات العديمة والمعارك الصفرية التي يُهلل لها البعض من غير وعي بمآلاتها.