“الرجال يتزوجون بدافع التعب، والنساء بدافع الفضول، وكلاهما يخيب أمله”.. أوسكار وايلد..!
(1)
وَقَف “كيوبيد” – إله الحُب الصغير – مُتكئاً على عمود النور، وهو يُخمِّن نهاية تسميع “الحَنَك” المُعتاد بين “عادل” و”سحر”، حاملاً سهم الحب التايواني – المعهود – بتراخٍ ينم عن ضجره بمثل هذه المواقف:
سحر: ما دايراك.. ودا آخر كلام عندي..!
عادل: بعد ما صرفت عليك أربع سنين لحد ما تخرجت هسه بقيت كعب.. واللا شفت ليك شُوفة..؟
سحر في ضجر يليق بحبيبة مستغنية: شفت لي شوفة.. رأيك شنو.. ح تعمل شنو.. ح تقلتني يعني..؟
عادل في برودٍ مُفاجئٍ: بالضبط كدا.. ح أقتلك..!
قال هذا، ثمّ أخرج مسدساً أفرغ من ثلاث طلقات في قلب حبيبته سحر التي برقت عيناها في ذُهُولٍ يليق بهول المُفاجأة..!
(2)
استيقظ “كيوبيد” بمزاجٍ عَكِر من تأثير أحداث فاجعة البارحة.. فَرَكَ عينيه بقوة.. تثاءب طويلاً في احتجاجٍ.. ثم بدأ جولة عمله الصباحي، مُحلِّقاً بجناحيه الأبيضين الصغيرين في سماء الخرطوم:
ما أن وقف “عادل” المهندس الأربعيني المُغترب بالدوحة في صف العُملاء في ذلك البنك، آخذاً في استراق النظر إلى “هيام” المُوظّفة الحسناء، حتى حَطّ “كيوبيد” بجناحيه الصغيرين فوق حافة الزجاج – الفاصل بينهما – في ثقةٍ، وهو يتأمّل باكورة القصة النمطية لإحدى زيجات المغتربين:
عادل بتظارف: صفكم طويل كدا مالو..؟
هيام في فتور: الليلة في زحمة شوية..!
عادل في تفاخُرٍ: الواحد شكلو ح يقضي إجازتو كلها في الصفوف..!
هيام بتحفُّزٍ واهتمامٍ مُفاجئٍ: إنت مُغترب..؟
“كيوبيد” وهو يطلق سهمه التايواني المدبب نحو قلبيهما في تثاقُلٍ، قبل أن يتثاءب قائلاً في ضجر: “يلّا أجروا أعقدوا في يومين.. فترنا ذاتـو”..!
(3)
“كيوبيد” يرفرف بجناحيه الأبيضين في فناء المُستشفى طويلاً، قبل أن يحطَّ بهما على أحد أغصان شجرة “النيم” التي كان الدكتور “عصام” وزميلته الدكتورة “ندى” يستظلان تحتها من هجير الشمس:
عصام: تعرفي يا ندى غيابك الشهرين الفاتو ديل خلاني أشعر بحاجات كدا ما كنت منتبه ليها زمان..!
ندى في لهفةٍ لم تجتهد في إخفائها: حاجات زي شنو يا عصام..؟
عصام في تردد: يعني.. ما عارف أقول ليك شنو..!
ندى في “خِفَّة” و”كَبكَبة” يشعلهما الخوف من العنوسة: شعرت بي شنو يا عصام.. عليك الله قول..؟
عصام في غُرُور يُليق “بالفي العصر مُروره”: شعرت بحاجات كتيرة.. لكن قبل ما أقول ليك شعوري.. إنت في غيابي شعرتِ بشنو..؟
“كيوبيد”- وهو يعيد سهم الحب إلى جرابه – قبل أن يُحلِّق بجناحيه مُبتعداً في “زهج” وامتعاض شديدين:
يلّا.. بلا لمَّة.. بلا شعرتَ، بلا ما شعرتَ.. عندكم كلام قولوه عديل.. ما عندكم، ما تبرمجوا بينا ساكت..!
(4)
كيوبيد يتمشَّى – هذه المرة – على حافة “شارع زلط” جانبي، عندما وقفت بجانبه حكاية جديدة: “سعاد” الزوجة الأربعينية، والأم لثلاثة أطفال، مُخاطبة الحاج “منصور” الكهل، الزوج لثلاث نساء، والأب لعشرة أطفال، وهي تهم بالنزول من سيارته الفاخرة:
خلاص يا حاج.. شكراً ليك.. أنا نازلة هنا..!
الحاج منصور في مُماحكة تُليق “بدون جوان” خطير: وصلتِ خلاص..؟
سعاد وهي تتظاهر بالفتنة: للأسف وصلنا سريع..!
الحاج منصور وهو يتظاهر بالوسامة: سريع ساكت..؟ دا الكرت بتاعي، أتمنى تضربي لي..!
سعاد تبتسم في دلالٍ وثقةٍ، وهي تعقد مُقارنة خاطفة بين عربته الأنيقة المُكيّفة و”الركشة” المُتهالكة التي يقودها زوجها آناء الليل وأطراف النهار: أكيد.. إن شاء الله..!
“كويبيد” في تَردُّد وهو يهم بإطلاق سهم الحب التايواني من قوسه الذهبي: يا اخواننا.. الكلام دا.. ما صاح كدا والله..!
منى أبو زيد