- (الاستلموا السلطة أولادي في الجيش)، كلمة قالها الرئيس السابق البشير لشقيقه العباس صباح يوم التغيير في الحادي عشر من أبريل وصفاً لقادة التغيير من العسكريين، حسبما روى العباس لصحيفة “الانتباهة” في حوار منشور بالأمس.
- لا غرابة في التعبير ففي الجيش يشيع مثل هذا الوصف.. فدائماً ما يصف القائد الضباط والجُنود الذين يَعملون معه بأولاده ثم تسرّب الوصف لدواوين الخدمة العامة والمؤسسات كنايةً هذه المرة عن المُناصرين والمُوالين.!
- ولا يعني في تقديري هذا التعبير “الحاني” من الرئيس البشير على من قاموا بإزاحته عن كرسي السلطة غير تعزيز لحالة الرضاء لدخول القوات المسلحة وتحمُّلها للمسؤولية، فقد قال الرجل صَرَاحةً ذلك في لقاء عطبرة الشهير في يناير المنصرم وقبيل التغيير بأربعة أشهر.. قال البشير وهو يُخاطب الجُنُود: (قالوا والله دايرين الجيش يستلم السلطة.. مافي مُشكلة لو في زول جا لابس كاكي والله ما عندنا مانع.. لأنو الجيش لما يتحرك ما بتحرك من فراغ.. وما بتحرك دعم للعملاء.. بتحرك دعم للوطن.. وحماية للوطن.. ولمكتسبات الوطن).
- وساند البشير هذا الكلام بكلامه مع الرئيس البرهان فجر تدخل الجيش لاستلام السلطة، فقد ذكر البرهان في مُقابلة تلفزيونية مع الزميل ضياء بلال بأنّ البشير قال لهم عقب إخطاره بقرار الجيش باستلام السلطة انحيازاً للشارع.. قال (على بركة الله.. أبقوا عشرة على البلد).
- لقد دعا البشير في خطابه الأخير بالقصر الجمهوري في الثاني والعشرين من فبراير المنصرم، للنظر في دور الجيش في العملية السياسية.. قال البشير: (أدعو الجميع للنظر وضمن هذه العملية لدور القوات المُسلّحة في المشهد الوطني كحامية وضامنة للاستقرار ويُطوِّر الحوار تفاصيل ذلك).
•وفي ذاك الظرف المُحتقن وبَعد هَذه الدعوة، أجرى البشير تَعديلاً مُوسّعاً في قيادة الجيش، دَفَعَ بمُوجبه بالفريق أول ابن عوف لمنصب النائب الأول للرئيس بجانب موقعه وزيراً للدفاع، ثُمّ قام بتسليم الولايات لحُكّام عسكريين . - لقد كان لجوء الشارع إلى القيادة العامة في السادس من أبريل مُعزّزاً لدور الجيش كحامٍ وضامنٍ للتحوُّل السِّياسي في البلاد باعتبارها المُؤسّسة القومية الوحيدة التي تُحظى برضاء ومُساندة مُعظم الشعب السوداني رغم وجود اعتراض محدودٍ هُنا أو هُناك .
- يقولون إنّ البشير ظلّ طيلة أيّام الاعتصام وحتى ترحيله لسجن كوبر مُقيماً في بيت الضيافة جوار القيادة العامة يسمع ليل نهار أصوات المُحتجين وطلقات الرصاص، ولعلّه قبيل وُصُول الفريق أول البرهان، أدرك وهو الخبير بخبايا السياسة السودانية أنّها النهاية، فالأمر مُختلفٌ هذه المرة عن مرات سابقات عاشها طوال مسير حكمه المُمتد وخرج منها ظافراً، فقد كان الحصار الاقتصادي والسياسي، بل وحتى الاجتماعي خانقاً هذه المرة .
- لقد عاش البشير عسكرياً مُلتزماً بعسكريته، ورحل عن السلطة وهو كذلك، فلقد رفض أن يخلع الكاكي وعَاش وفيّاً له، مع تقدير شديد لقادته العسكريين ويكفي شاهداً حُسن استقباله وتقديره للرئيس جعفر النميري بعد عودته، فقد كان يُحييه ويسحب له الكرسي بنفسه ويأمر موكبه بالتوقُّف والتنحي إذا رأي الرئيس النميري مُتحرِّكاً بسيارته، ولذا ليس غريباً أن يقول في وصف البرهان وإخوانه العسكريين (ديل أولادي) رغم بُؤس سجن كوبر وبُؤس وضعه فيه وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة لمدة ثلاثين عاماً، وعُمره الآن فوق الخامسة والسبعين.