حقاً من كان يتوقع أن يكون للملحدين وجود في مجتمعنا؟!! حتى صارت لهم صفحات على بعض مواقع التواصل!! فالإلحاد والارتداد أصبح ظاهرة في كثير من المجتمعات الإسلامية والعربية، وهو تحدٍّ كبير يواجه جهات كثيرة يناط بها المحافظة على ثوابت الدين في المجتمع، منها العلماء وأساتذة العلوم الشرعية والخطباء والدعاة ووسائل الإعلام ووزارات التعليم العام والعالي وجهات البحث العلمي والجهات المختصة في الدولة وقبل كل هؤلاء وبعدهم الأسرة التي يجب عليها الدور الأكبر في تنشئة أبنائها على دين الإسلام وتربيتهم على ذلك ومتابعتهم ومساعدتهم للثبات عليه خاصة في أوقات وأماكن وبيئات الفتن.
يا ترى ما السبب الرئيس لوقوع فرائس من أبناء المسلمين في شباك الإلحاد المدمّرة، وفي مستنقعات التنصير المهلكة التي تجعل من الله الواحد الأحد تجعله ثالث ثلاثة؟!
للإجابة على هذا التساؤل الكبير أقول
إن أهم الأسباب لظهور هذه الظواهر وانتشارها هو الجهلُ، فإن الجهل بالعقيدة الصحيحة من أهم أسباب تحرك ظاهرة الإلحاد في الفترة الأخيرة.
وفي هذه الحلقة أبيّن أن (الجهل البسيط) و(الجهل المركّب) أحياناً هي من أسباب تحرّك ظاهرة الإلحاد، فالجاهل البسيط لا يدري ويدري أنه لا يدري، والجاهل المركب لا يدري ولا يدري أنه لا يدري!! بل لك أن تعجب لمّا ترى مجاهرة بعض الملحدين وهم يكتبون في بعض المنتديات السودانية ويدعون للإلحاد!! وهم قد بلغوا في الجهل غاية!! خذ مثالاً ادعاء الملحد (هشام آدم محمد) أن بالقرآن الكريم أخطاء لغوية وقِف على هذه الأمثلة التي ذكرها في أحد المنتديات، وهو بذلك يختصر الطريق على من يريد تقييم حال من يدّعون الدعوة إلى الإلحاد في زماننا فضلاً عن أتباعهم !!
قال الملحد: (هذان خصمان اختصموا في ربهم) (الحج:19) ، والصحيح (هذان خصمان اختصما في ربهما) لأنهما مثنى) !!
قلت: هكذا يحكي هذا (الجاهل) جهله باللغة العربية، جاء في كتاب “لسان العرب” : (وقد يكون الخَصْمُ للاثنين والجمع والمؤنث وفي التنزيل العزيز وهل أَتاك نَبَأُ الخَصْمِ إِذ تَسَوَّروا المِحْراب جعله جمعاً لأَنه سمي بالمصدر قال ابن بري شاهد الخَصْمِ وخَصْم يَعُدُّونَ الدُّخولَ كأَنَّهُمْ قرومٌ غَيارى كلَّ أَزهَرَ مُصْعَبِ وقال ثعلب بن صُعَيْرٍ المازِنيّ ولَرُبَّ خَصْمٍ قد شَهِدت أَلِدَّةٍ تَغْلي صُدُورُهُمْ بِهِتْرٍ هاتِرِ قال وشاهد التثنية والجمع والإِفراد قول ذي الرُّمَّةِ أَبَرُّ على الخُصُومِ فليس خَصْمٌ ولا خَصْمانِ يَغْلِبُه جِدالا فأَفرد وثَنّى وجَمع وقوله عز وجل هذان خَصْمانِ اخْتَصَمُوا في ربهم قال الزجاج عَنى المؤمنين والكافرين وكل واحد من الفَريقين خَصْمٌ).
وفي تفسير قوله عز وجل : {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ } نقرأ : أي: جادلوا في دينه وأمره، والخصم اسم شبيه بالمصدر، فلذلك قال: { اخْتَصَمُوا } بلفظ الجمع كقوله : { وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب }
إن الآية الكريمة ذكر ورد فيها بعد قوله تعالى : (خصمان اختصموا في ربهم) قول الله تعالى : (فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار) .. ويتضح من جملة (فالذين كفروا) أن الخصم هنا جمع وليس مفرداً بدليل (وا) . وعلى النقيض يوجد الخصم الآخر وهم المؤمنون وهم كذلك جمع.
فإن الخصم يقع على (الواحد) و(الاثنين) و(الجمع) لأنه مصدر في الأصل والمصدر لا يجمع ولا يثنى في العام، وقد وصف به الفوج والفريق والمقصود به: أهل الإيمان وأهل الكفر.
خرج مسلم عن قيس بن عباد قال: سمعت أبا ذر يقسم قسمًا إن” هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ” إنها نزلت في الذين برزوا يوم بدر: حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم وعتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة. وبهذا الحديث ختم مسلم رحمه الله كتابه. وقال ابن عباس: نزلت هذه الآيات الثلاث على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة في ثلاثة نفر من المؤمنين وثلاثة نفر كافرين، وسماهم، كما ذكر أبو ذر. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إني لأول من يجثو للخصومة بين يدي الله يوم القيامة، يريد قصته في مبارزته هو وصاحباه، ذكره البخاري.
هذا نموذج للاستشهاد على جهل من يدعون الدعوة للإلحاد ويحكي تهافتهم وضلالهم !! وهذا يوجب الانتباه من قبل كل شخص يصغي بأذنه إلى هؤلاء المضلين، ويوجب عليه أن يرد كل شبهة وردته لأهل العلم حتى يجيبوا عنها ويكشفوا باطلها.
ولا بأس من الاستشهاد بمثال آخر
قال الملحد (هـشام آدم): (ولئن أذقناه نعمة بعد ضراءَ مسته) (هود:10) الصحيح (ضراءٍ) لأنها مضاف إليه والمضاف إليه دائماً مجرور).
قلتُ : هذا مثال آخر للجهل (المركّب) ولك أن تعجب أن صاحبه ينشره في الآفاق دون حياء أو خجل!! فإن كلمة (ضراء) التي ادعى خطئأ كتابتها (ممنوعة من الصرف) وذلك لأن الهمزة فيها منقلبة عن ألف التأنيث، فهي مضاف إليه (مجرور بالفتحة نيابة عن الكسرة) وهكذا إعراب الممنوع من الصرف.
أقول: وفي ما ذكره هذا الملحد نماذج كثيرة وقد انتشرت له مقاطع مرئية قبل أيام تكلّم فيها عن الله تعالى الخالق الرازق المالك المتصرف المعبود وتكلم فيها عن القرآن الكريم وعن النبي محمد صلى الله عليه وسلم وتكلم عن جميع المسلمين، تكلّم بكلام قبيح جمع فيه بين الجهل المركب وسوء الأدب والحقد على الدين، ولكنه لا يضر إلا نفسه، وكلامه الساقط هو خير ما يعرّف به، وما أحلم الله تعالى الخالق الذي قال : (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) سورة فصلت