ثم ماذا؟؟
بعد صدور قانون العزل السياسي وتفكيك نظام المؤتمر الوطني الذي مات منذ الحادي عشر من أبريل الماضي، وبعد إلغاء قانون النظام العام في كل الولايات.. وحل النقابات العمالية وإصدار أوامر الاعتقال لمئات القيادات وبدء تصفية الخدمة المدنية من غير “الموالين” لقوى الحرية والتغيير.. وبيانات شبكة الصحافيين والمطالبة باستيلاء حكومة الثورة على الصحف الخاصة وطرد أصحابها.. وإعمال مبدأ العزل.. وبعد محاولة امتصاص الغضب الشعبي لقواعد “قحت” على أداء حكومتها.. وبعد حصول الحكومة على “10” شحنات من الوقود والدقيق “ثمناً” مقبوضاً لقرارات ليلة الخميس وسفر حمدوك للولايات المتحدة بالأمل والعشم والرجاء في نيل شيء من الحليب الأمريكي ودقيق الفينو.. بعد كل هذا أين خطط الحكومة الانتقالية في إصلاح الاقتصاد وإلى متى يظل السودان بثروته وكنوزه يتسول دقيق القمح من مشيخات الخليج وينتظر المعونة الأمريكية والعطايا الأوروبية.. وأين هي خطط تطوير إنتاج المعادن في باطن الأرض من ذهب وبترول وحديد.. وكم يبلغ الاحتياطي من النفط السوداني في الغرب والجزيرة والشمالية، وما هي خطط الحكومة لزيادة الإنتاج وفتح العطاءات الدولية للشركات الراغبة في الاستثمار النفطي.. وإلى متى يستورد السودان احتياجاته من القمح والفول المصري والعدس واللبن السعودي وحتى الثوم والبصل والطماطم.. تلك هي أولويات أية حكومة راشدة تنظر لمستقبل وطنها لا مصير الكراسي التي تجلس عليها..
المعارك السياسية لا تنمّي بلداً.. ولا تزرع أرضاً ولا تروي ظمأ العطشى في صحارى دارفور وكردفان، دولة صغيرة مثل البرتغال تقل مساحتها عن ولاية كسلا أو سنار استطاعت بناء امبراطورية مالية وقوة عسكرية وسفن عملاقة واستعمرت البرتغال نصف قارة أمريكا الجنوبية وسبع دول افريقية ونشرت اللغة البرتغالية في كل العالم.. ولم تشغل نفسها بالصراع الحدودي مع جارتها إسبانيا حول كنيسة تنازع عليها أمراء الدولتين في القرون الماضية مثلما نفعل نحن مع مصر.. مملكة إسبانيا لم تقهر شعب إقليم كاتلونيا معقل فريق برشلونة على الوحدة القهرية ولم ترفع شعار سحق أتباع الدكتاتور فرانكو بعد سقوطه.. ولم تحارب إسبانيا ثوار إقليم الباسك.. لكنها مدت جسور الوصل بين المملكة وأبنائها.
ودولة إثيوبيا التي تخلصت من حكم اليسار الشيوعي منقستو هيلا مريام.. ووضعت أساس الدولة القومية الحديثة بمصالحة القوميات المتحاربة.. وتركت لشعب اريتريا حق الانفصال.. وجاءت بنظام حكم ذاتي ديمقراطي منح الأقاليم حق الانفصال من الدولة الأم في حال تصويت البرلمان الإقليمي المنتخب بأغلبية أصوات الأعضاء على الانفصال ولم يجرؤ إقليم واحد على الانفصال من إثيوبيا، وقاد ملس زناوي الإثيوبيين للمصالحة لا إلى المواجهة والصراع العدمي.. وأصبحت إثيوبيا اليوم “مثالاً” يحتذى به في النمو والتطور..
ما يحدث الآن في الساحة لا يبشر إلا بصراعات “عدمية” بين التيارات السياسية.. تقود البلاد لمهالك وحروب داخلية بدلاً عن التصالح وبناء الوطن مهدور الإمكانيات.. منذ سبعة أشهر وبلادنا في حالة هياج ثوري.. مسيرة احتجاجية تعقبها وقفات مطلبية.. وقادة الدولة مشغولون بأمر الخارج قبل الداخل.. وأجهزة الدولة تقف على رجل واحدة.. بلاغات ولجان تحقيق وتقاضٍ ومطالبات بالحل والمصادرة.. وحتى تكميم الأفواه وإغلاق الصحف وإيقاف الصحافيين كما فعلت دولة تركيا أمس.. فهل تنقضي الفترة الانتقالية دون اكتمال تشييد مركز صحي بحي الصفيراء وردم الحفر في شوارع الخرطوم وحل مشاكل نقص الكهرباء في الصيف؟؟ ما لكم يا سادتي كيف تنظرون..!!