*بقانون التفكيك المُجاز على حفل شواء إسفيري ليل الخميس المنصرم تكون بلادنا قد أضافت لسطور خيبتها السياسية سطراً جديداً، فلا جديد في حل المؤتمر الوطني غير أن النخبة السياسية ما زالت تصر على أن لا تقرأ من كراسة التاريخ سطراً من سطور حكمته الخالدة، فتحمل ذات الخطايا من تجربتنا السياسية لتبعثها من جديد في الحاضر .
* نعم، وللتاريخ فعلت الإنقاذ بخصومها كل هذا في عشريتها الأولى .. قامت بحل الأحزاب واعتقلت قياداتها وصادرت دورها وجمدت أرصدتها، ولكنها ذات الإنقاذ أطلقت سراحهم وأعادت دورهم، وعوضت معظمهم عن ما أخذت… وفي العام 1998 بدأت الإنقاذ تفتح ثغرة في حائطها المسدود بقانون التوالي السياسي، فقد أدركت استحالة المسير منفردة، وبلغت ذروة النضج السياسي في دستور العام 2005 بعد اتفاقية السلام “نيفاشا” التي أنهت حرب الجنوب المدمرة .
*وإن تنكّبت الإنقاذ عملياً لا نظرياً في مسارها الجديد.. بتراجع هنا أو هناك، إلا أنها قد فارقت المشهد السياسي والأحزاب غير محلولة، ودورها غير مصادرة، والحوار الوطني بوثيقته حاضر ومستمر؛ ومن قبله وثيقة دارفور للسلام تجمع وتطرح.
* لقد أدركت الإنقاذ بعد حوالي عشر سنوات من عمر التجريب السياسي أن مسارها الخاطئ لن يوصلها إلى جنتها التي وعدت بها الناس فبدأت مشوار التراجع والوعي السياسي الذي جعل المشاركة السياسية في نسختها الأخيرة حاضراً بشكل كبير ومع معظم خصومها ومخالفيها يرضون حيناً ويسخطون في أحايين كثيرة .
*المحزن أن قوى الحرية والتغيير تصر على تقليد الإنقاذ في نسخة عشريتها الأولى بأخطائها وخطاياها في النظر والعمل؛ بل وهي فقط الحاضرة في ذاكرتها ربما حتى تستطيع أن تبرر بها تنكَبها القانون في حجز المعتقلين، وفي التضييق على خصومها ومخالفيها، وفي التمكين المضاد، وفي إعلاء روح التشفي والانتقام .
* وإن تعجب فأعجب لمن يقلد خصمه وهو له ناقد وكاره… يكرهون الإنقاذ ويقلدونها في أسوأ ما فعلت، ولو تركوا القانون والمجتمع لكان في عقوبتهما للتجربة ما هو أقسى من عقاب السلطة بأدواتها الاستثنائية .
*حتى لا نقع في ذات المأزق التاريخي الذي لازمنا منذ الاستقلال، كنت أرجو لقوى الحرية والتغيير سماحة ووعياً يسهم في بناء تجربة معافاة من مأزق الخصومة القديمة والأخطاء القديمة فقد جرّب الجميع وخاب الجميع .
* مخرجنا جميعا اليوم لا في حلٍّ ولا في عزلٍ، بل في مشروع وطني جامع عابر لليسار واليمين ولكل الثنائيات الحادة التى أقعدت بنا… من يجرم وأجرم وأفسد ويفسد فالقانون وحده لا سواه هو الحكم .
*الحالمون بالهيمنة والإقصاء ستنتهي بهم الأيام إلى ذات ما انتهى إليه خصومهم من فشل فلا المكابرة ولا نشوة القوة ستدوم.. والمحزن هذه المرة في تقديري أننا لن نجد الفرصة في الاحتفاظ ببلادنا سالمة… فما عاد الجيش وحده من يملك السلاح، فقرابة خمسة جيوش تملك السلاح في بلادنا، بالإضافة إلى صراع المحاور وأطماع القريب قبل البعيد. وصدق الله العظيم (أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ).