من المنتظر وصول وفدٍ من وساطة دولة جنوب السودان للخرطوم اليوم لإجراء مشاورات روتينية تسبق دوماً مفاوضات السلام بين الفرقاء. ويقود فريق الوساطة الجنوبي العميد أمن سابقاً توت قلواك أحد أبرز مستشاري الفريق سافاكير ميارديت وهو شخصية أقرب للمزاج الشمالي التقليدي ويعتبر من رجال الفريق صلاح قوش المخلصين أيام قوش وأيام السودان موحداً وأيام الصراع بين الحركة الشعبية والنوير .
يعود قلواك للخرطوم لترتيب أمر تفاوض يكتنفه غموض شديد بشأن التفويض الذي ينبغي أن يحصل عليه توت قلواك من مجلس الامن والسلم الافريقي الوكيل الحصري لمجلس الأمن الدولي حتى يصبح الوسيط ممثلاً للمجتمع الدولي وضامناً لأي اتفاق يتم توقيعه بين الأطراف السودانية.
شيء ما يجري في دهاليز الصمت بشأن موقف الاتحاد الأفريقي ومجلس الأمن الدولي والترويكا الأروبية والهيئة الحكومية للتنمية “إيغاد” من مبادرة دولة جنوب السودان للتوسط بين الحكومة والحركة الشعبية منذ أبريل الماضي، وكان منتظراً أن يتم إلغاء التفويض الممنوح للآلية الأفريقية رفيعة المستوى التي يقودها الرئيس الجنوب أفريقي الأسبق ثامبو أمبيكي أو تجديد الثقة في ذات الآلية التي توفرت لها خبرة كافية لمعالجة الأزمة وهي على علاقة بكل الأطراف ومسنودة بقرارات من المجتمع الدولي ومن المجتمع الإقليمي والقاري، فهل أصبح توت قلواك هو أمبيكي الجديد بوضع اليد ؟
ودولة جنوب السودان هي الأقرب وجدانياً إلى السودان وعلى صلة وثيقة بالحركات المسلحة إما بالرعاية أو التبني مثل علاقتها بحركة العدل والمساواة أو بالتبني كالحركة الشعبية بجناحيها. ولا يزال الرئيس سلفاكير هو القائد العام للجيش الشعبي الذي يضم من بين أفرعه قطاع الشمال ، كل ذلك معلوم بالضرورة، ولكن رعاية المفاوضات شي ءمختلف والجنوب يعيش وقع الحرب منذ انفصاله أو استقلاله واتفاقية السلام التي وقعت برعاية السودان متعثرة جداً في تطبيقها ولا زال العالم يفرض عقوبات على بعض جنرالات الحرب في الجنوب فهل هي مؤهلة أخلاقياً لنزع فتيل الحرب في السودان ؟
إن كان الأمر ليس كذلك، فلماذا يتخذ الاتحاد الأفريقي موقفاً مريباً من المفاوضات فهو لم يدعمها ويثق في توت قلواك ويفوضه كممثل له، ولكنه بالطبع لن يكون رئيساً لآلية تضم من بين أعضائها الرئيس النيجري الأسبق عبد السلام أبوبكر ورئيس رواندا السابق ولكن الاتحاد الأفريقي قد يعتمد توت قلواك مبعوثاً له في السودان ومفوضاً لرعاية المفاوضات
التي ينتظر أن تبدأ في العاشر من الشهر الجاري وتستمر حتى الوصول لاتفاق سلام نهائي، فهل تمثل هذه المفاوضات الفرصة الأخيرة لقوى الكفاح المسلح لتصبح جزءاً من الحكومة الانتقالية التي تقود البلاد منذ سقوط النظام السابق.
إن مفاوضات السلام تحتاج لدفع حقيقي من قبل الشركاء الغربيين حتى يتم التوصل للسلام والولايات المتحدة الأمريكية لها تجربة سابقة في رعاية التفاوض من خلال مبعوثها جون دانفورث ومساعدة أصدقاء السلام الأروبيين، ولكنها حتى الآن لم تهتم بقضية السلام في المنطقتين ودارفور مثل اهتمامها السابق ولم تعين مبعوثاً رفيعاً مثل دانفورث لمساعدة الفرقاء ودولة جنوب السودان ولكنها تراقب من بعيد فماذا هناك ؟
رئيس الوزراء عبد الله حمدوك حمدوك ينتهج سياسية مختلفة من المسؤولين السابقين في مخاطبة جذور القضايا السودانية فالرجل لا يرهق نفسه بالتفاوض والحوار مع الدول العربية والخليجية بل يذهب مباشرة لأصدقاء وحلفاء الخليج الغربيين ويقدم طلباته للاستجابة لها أولاً من صاحب السلطة ويترك له حق التوجيه بالصرف في خزانة الإمارات أو السعودية أو قطر !
وربما انتهج ذات السياسة مع الحركات المسلحة ودولة الجنوب، يفاوض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ويترك لهم اختيار الطائرة التي تأتي بمني اركو مناوي والحلو عبدا لواحد وهل يأتون للخرطوم بتذاكر رجال أعمال أم تذاكر مخفضة القيمة .
زيارة حمدوك للولايات المتحدة تستهدف إيجاد حلول لقضايا الداخل ومن بينها قضية السلام ولا تستهدف الحوار بين الدولتين، لأن مثل هذا الحوار قد انقضى ورفع الدكتور عمر قمر الدين أوراقه واعتمدها عمر القراي وانتهى كل شيء إلا ملف السلام لا يزال حائراً بين توت قلواك وثامبو أمبيكي.