“إذا كان قانون الفيزياء يقول إنّ الضغط يولد الانفجار، فقانون الاجتماع يقول إنّ الضغط يولد النفاق الاجتماعي“.. عبد الكريم بكار..!
إلغَاء قانون النظام العام لفتةٌ جديرةٌ بالوقوف.. وعن هذا القانون كان البعض يقول إنّ الإشكالية ليست في نص القانون بل في آلية تطبيقه.. وفى ضمانات العدالة التي قد تتوافر لمن يقع تحت طائلة القبض.. فالسُّلطة التقديرية الممنوحة لمُنفذيه كبيرة .. وأيِّ جُنُوح نحو إساءة استخدامها جَهلاً أو عَمداً لا يَعني الإزعاج فحسب.. بل يعني انتهاك مُقدّسات إنسانية عُظمى.. مثل الكرامة والحرية الشخصية وحُسن السمعة ونظافة السيرة بين الناس.. خاصةً معشر.. فبين لحظة ركوب البوكس وساعة الخروج من باب الشرطة.. مسافة تقييم شاسعة..!
هذا النسيج الاجتماعي شديد الغنى والثراء، يقف على قدم المُساواة أمام قانون النظام العام الذي تأسّس بمُعطيات زمان ما عاد اليوم يستوعب بعض المُتغيِّرات التي لوّنت سُلُوك مُجتمع كان يعيش انغلاق أيّام الحرب ثُمّ السلام المَحفوف بالعُقُوبات الاقتصادية والخيبات السِّياسيَّة، قبل أن يصبح محكوماً بمُقتضيات الواقع الجديد الذي قد فرضته مآلات الثورة..!
وللذين يُدافعون عنه: أين وكيف يقترب هذا القانون أو يتقاطع مع نصوص القانون الجنائي؟!.. ثم أين هي المعايير الصارمة التي وُضعت لاختيار وتأهيل مُنفِّذيه؟!.. وما هي التدابير المُفترضة لتفادي ذلك اللبس في تطبيق مُصطلحاته الفضفاضة التي تحتمل تفسيرات مُتباينة؟!.. وما هي الآلية المثلى لفض الاشتباك بين شرعية النص وعدم عدالة التطبيق..؟!
النظام العام – مُطلقاً وليس في بلادنا فقط – قانونٌ غامضٌ.. وهو كما أرسى فقهاء القانون غُمُوضٌ مُتعمِّدٌ يترك باب التقدير مُوارباً للسلطات المعنية في تقدير حجم الضرر، وبالتالي مقدار التدخُّل.. وعليه فهو غُمُوضٌ ينتهج المرونة والنسبية في تقدير مصلحة المُجتمع.. ذلك الغُمُوض يصبغ تعريف قانون النظام عند مُعظم فقهاء القانون من عبد الرازق السنهوري الذي عرّفه في كتابه مصادر الحق بأنّه “قانون مُتغيِّر يضيق ويتّسع حسب ما يراه الناس في حضارة مُعيّنة مصلحة عامة”.. إلى كريستوف فييرا الذي عرّفه في بحثه عن النظام العام في فقه قضاء المجلس الدستوري بأنّه “المبدأ الغَامض الذي يَختلف باختلاف الوقائع والظروف والأوضاع الاجتماعية”..!
على مَرّ العصور الإسلامية لم يكن ملبس المُسلم موضوع جريمة أو محل عُقُوبة جنائية.. بينما في المادة (152) من القانون الجنائي السوداني تم إقحام مصطلح (الزّي الفاضح) – وهو مُصطلحٌ فضفاضٌ وغامضٌ ولم يتم تحديد مَعاييره حتى اليوم – ضمن الأفعال الفاضحة التي يُعاقب عليها بالجلد أو الغرامة أو الاثنين معاً..!
بينما حتى في السعودية حيث أرض الحرمين – نفسها – وحيث لا خلاف يُذكر حول مفهوم الزي المُحتشم.. تعتبر شؤون الزّي والسلوكيات الاجتماعية العامة – اليوم – ضمن إطار الرقابة الرسمية وليس العقوبة القانونية على جريمة جنائية مُكتملة الأركان.. وعندما علا سقف تجاوُزات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر – بسبب الغلو في تقديرات بعض منتسبيها المُنتمين إلى التيار الديني المُتشدِّد – بادرت السلطة السياسية في السعودية بإنهاء دورها كجهاز رقابي..!
وبإلغاء هذا القانون، يجدر الحديث عَن دَور الحكومة في إنهاء مَسرحيات تجاوُزات تطبيقه.. من زاوية حُسن التّصرُّف كسياسة داخلية.. وحُسن التخلُّص كسياسةٍ خارجيةٍ.. في وقتٍ باتت فيه تجاوُزات السُّلطة الداخلية في دول العالم الثالث مجلبة لبعض الأحكام التي تعقبها سلسلة سياسات عقابية تحل لعنتها على الشعوب المقموعة قبل الحكومات القامعة..!
منى أبوزيد