ألا ليت الترابي يعود يوماً فأخبره….
* هذه المرة يحدث التغيير والإسلاميون، يتامى التاريخ، بدون الأب المؤسس والعقل المفكر الدكتور حسن الترابي، خرج الإسلاميون من كل المنعرجات والتغييرات التاريخية المتعاقبة كالشعرة من العجين، بفضل الله ثم بعبقرية وحسن قراءة الشيخ الدكتور الترابي، لكنها المرة الأولى التي يكون فيها الإسلاميون قابعين على ظهر المركب حتى غرقها…
* فلو امتد العمر بالشيخ الترابي كان سيعمل لإخراج الإسلاميين هذه المرة على ظهر سفينة (المنظومة الخالفة) كما أخرجهم في كل مرة على ظهر سفينة جديدة من صنعه، ويحفظ التاريخ للترابي صناعة سفن الميثاق الإسلامي، الاتجاه الإسلامي، الجبهة الإسلامية، وصولاً للمؤتمرات الحالية، فعلي الأقل أن الإسلاميين كانوا آخر من خرج من سجون مايو التي شاركوا فيها مشاركة فاعلة.
* لو أن الشيخ الترابي بين ظهرانينا لكان الإسلاميون الآن أمنين على ظهر سفينة (المنظومة الخالفة)، وكانت أحزاب اليسار عبثاً تبحث عنهم في دهاليز المؤتمر الوطني الذي غادروه قبل التغيير، وحتى إذا ما تمت عملية حل المؤتمر الوطني، يكون المؤتمر الوطني جزءاً من التاريخ.
* هكذا غاب الرجل الفكرة، الرجل التاريخ وغابت الرؤية، وهنا أذكر عبارة باهظة للدكتور عبد الله علي إبراهيم عند رحيل الدكتور الترابي، قال دكتور عبد الله (إن رحيل الدكتور الترابي هو بالأحرى رحيل عصر بأكمله)، فمنذ أن صعد الترابي على منصات العمل السياسي في عام 1964 وحتى رحيله، كان طرفاً مؤثراً في صناعة الأحداث، حاكماً كان أم معارضاً، سجيناً كان أم طليقاً كما حافظ على بيضة الحركة الإسلامية التي تتعرض الآن لأشرس هجمة وهي مكشوفة الظهر….
* مخرج .. أتصور أن مسوغ عملية تجمع مناهضي الإسلاميين في صعيد واحد، يكفي لجعل كل المدارس الإسلامية تتكتل في أطروحة واحدة، ليست هذه الأطروحة بطبيعة الحال هي (المؤتمر الوطني) على أن الذي يجمع بين السلفيين والحركيين والصوفيين هو بواقع الحال أكبر وأعظم من الذي يربط بين الجمهوريين والبعثيين وكل اليساريين، بشرط أن يتجاوز الإسلاميون ضيق المؤتمرات إلى سعة المشتركات الهائلة بين أهل القبلة.
*غير أن حركة التاريخ وسنن التحولات الكبيرة دائماً ما تهيئ لها الأقدار الإلهية مصلحاً مجدداً، ولكنكم تستعجلون، والمجدد الذي سيملأ الأرض عدلاً وورعاً بعدما ملئت بوراً وجوراً يحتاج بطبيعة الأشياء إلى ممارسة يثور عليها وهي، والله أعلم، هي هذه المرحلة التي ترفع فيها رايات العلمانية عالية خفاقة على سرايا الدولة السودانية…
وليس هذا كل ما هناك.