حديث السبت
الورشة المريبة للكنائس بولاية الجزيرة!!
ثلاث خطوات من حكومة حمدوك ترفع عنها عقوبات أمريكا
(1)
المفاوضات المنتظرة بين الحكومة والولايات المتحدة خلال زيارة رئيس الحكومة الانتقالية د. عبد الله حمدوك للعاصمة الأمريكية واشنطون تأتي في ظروف مختلفة عن زيارات مسؤولين سابقين في العهد الحالي والعهد السابق، من حيث ما بيد الوفد من أوراق يقدمها للولايات المتحدة لينال رضاها.. وترفع عنه “صفة دولة راعية للإرهاب”. بعد أن رفعت المقاطعة الاقتصادية والعقوبات الأحادية في أخريات أيام النظام السابق ولم تُجدِ نفعاً، بل زادت السخط عليه حتى سقط في الحادي عشر من أبريل الماضي..
وبعد مضي ثلاثة أشهر لتشكيل الحكومة المدنية الانتقالية يتوجه رئيس الوزراء متأبطاً كتابه بشماله ليقدمه لسادة البيت الأبيض في انتظار الكلمة الفصل من الكونغرس الأمريكي لإلغاء الأمر الذي أصدره بتصنيف السودان كواحدة من الدول الراعية للإرهاب، والدكتور عبد الله حمدوك من أكثر القيادات السياسية معرفة بطبيعة المطلوبات الأمريكية وشروط الاندماج في منظومة الدول الصديقة لواشنطون.. وهو من اليسار البرغماتي الذي طوى صفحة الكرملين باكراً.. وتشرب بالقيم الليبرالية والأنساق الفكرية الغربية دون التخلي كلياً عن النظرية الاشتراكية فيما يعرف عند المفكر المغربي الشيوعي محمد شحرور باليسار الجديد..
وقبل أن تبدأ زيارة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك للولايات المتحدة اتخذت الحكومة حزمة من القرارات وأقرت حزمة سياسات تمثل مطلوبات الولايات المتحدة والغرب من شأنها دفع الغرب لاتخاذ مواقف جديدة من الحكومة السودانية الجديدة.. وحمدوك وفريقه السياسي أكثر إلماماً بالمطلوبات التي إذا تم تنفيذها يصبح مسألة رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب مسألة وقت لا أكثر..
ويمثل تعيين د. عمر القراي برؤيته التي تمثل الرؤية الغربية للتغيير الثقافي الذي ينبغي له أن يسود واحدة من شروط الإدماج السياسي للسودان في منظومة الدول المحظية بالرعاية الغربية المباشرة.. والولايات المتحدة لا تشغل نفسها كثيراً بالمظاهر السطحية لتغيير نظام الحكم في السودان وغير معنية بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان بقدر انشغالها بتغيير واستئصال ما تعتبره الحضارة الغربية خطراً عليها، ويتمثل ذلك في المناهج التربوية في مراحل التنشئة والتكوين للشباب واليافعين، وللولايات المتحدة الأمريكية والغرب جهد فكري وضعته عقول غربية وشرقية درست الإسلام والفقه ومناهج التربية في الدول العربية والإسلامية ووضعت الترياق المناوئ والعوامل التاريخية والاقتصادية والاجتماعية لسيادة منظومة القيم الغربية الحديثة وإسقاطها على المجتمعات الإسلامية التي تعتبر هدفاً لتغيير شامل وليس شكلياً بذهاب نظام وقدوم آخر..
والدكتور عمر القراي تم تعيينه بعد تمحيص وتدقيق ووثوق به كشخصية قادرة على تفكيك بنية الوعي الإسلامي وإحلال بديل تم إعداده بعد دراسات شملت عدة بلدان.. ويعتبر الغرب للإرهاب جذور عميقة في التربية والتعليم واجتثاث جذور الإرهاب تقتضي أولاً وضع مناهج بديلة.
وقد أورد رئيس تحرير “الصيحة” الأستاذ الصادق الرزيقي كشفاً فيه جانب من صناعة الغرب مثل مؤسسة “راند” الأمريكية التي تسعى منذ سنوات طويلة لصياغة مناهج تعليمية وثقافية وفكرية لإعادة صياغة العالم الإسلامي وتشكيل عقول نخبه التي تتحكم فيه. وفي هذا السياق ينفق الغرب أموالاً طائلة لمثل هذه التغييرات، وقد فشل المشروع في مصر بسبب صلابة الدولة الوطنية وتصدي النخب العلمانية المصرية للمشروع الغربي الذي يسلب الأمة أهم قيمها ونسقها الحضاري، وقد استغل الغرب هشاشة بنية الدولة وربط أي مقاومة للتغريب بالنظام السابق وتخويف التيارات الوطنية غير تيار الإسلام السياسي من مناهضة مشروع التغيير الذي بدأ منذ 2014م، وأثمر عن سقوط نظام الإنقاذ في 11 أبريل، ولكن تفكيك بنية التوجهات الإسلامية التي بدأت في عام 1983م، ربما تطلب ذلك زمناً يتجاوز الفترة الانتقالية التي حدد عمرها بثلاث سنوات..
(2)
Yذا كان تغيير المناهج في السودان يمثل انشغالاً مهماً للغر، فإن التغيير وطنياً هناك ما يستدعي الشروع فيه.. واختلف المختصون في التربية حول المناهج الحالية وهل ملائمة أم لا؟ ولكن التغيير الذي تسعى إليه الدول الغربية يتجاوز القشور إلى عمق المناهج بما يسمى عند الغربيين بقاعدة الإرهاب، فالآيات القرآنية التي تحض المسلم على المنافحة والقتال في سبيل الله ستحذف من المناهج الجديدة.. وتقليل جرعات التدين وقصص الأنبياء وسيرة الصحابة وحروب الدولة الإسلامية والفتوحات الإسلامية جميعها غير مرغوب في تضمينها في المناهج الدراسية ومحاولة تحويل التدين وحصره في الشؤون الفردية ومجافاة نظام الجماعة وتوطين واقع منحرف ومجافاة أهل القرآن وأهل السلطان، وضرورة أن يسود الملك العضوض، والبعد عن مقتضيات التدين.. والمنهج الذي يسعى إليه “القراي” أو ما جاء بالقراي إلى أهم موقع في نظره بالدولة السودانية النأي قدر الإمكان عن أفكار أمثال محمد إقبال الذي عبر عن دلالة المسلم المعاصر على قوته الكامنة التي لم يسبر غورها ومكانتها الرفيعة..
أمامك يفقد معنى الخشوع
وينقص نجواك عز القيام
أمثلك يرضى بهذا الخنوع
وتلك الصلاة وهذا الإمام!!
وكل رواد الصحوة الحديثة يجب عند الغرب محاكمة رؤاهم الفكرية وتجريدهم من كل فضيلة وتشويه قصدي لأفكارهم.. وإحلال بديل حضاري يعتبر الغرب هو مركز الإشعاع الإنساني لقهر ظلامات الدول الإسلامية، والدكتور عبد الله حمدوك أكثر وعياً من غيره بما هو مطلوب منه ومن حكومته، وقد تسارعت الأسبوع الماضي أعمال صياغة قوانين مثل قانون تفكيك التمكين الذي لا وجود لقانون مثله في العصر الحديث إلا قانون وضعته النخبة المستعمرة لدولة الهند قبل استقلالها عرف بقانون “رولات” تم تفصيله لمحاكمة الثوار الثائرين ضد الاستعمار وقانون “رولات” السوداني، ولكن إلغاء قانون النظام العام وتعديلات القانون الجنائي تمثل واحدة من أهم القضايا التي ينتظر أن يحملها حمدوك إلى الولايات المتحدة.. وقبل مغادرته إلى واشنطون ينتظر أن يعين الدكتور عمر قمرالدين وزير دولة بالخارجية، وهو شخصية مهمة جداً في الولايات المتحدة ويعتبر عمر قمرالدين من أعضاء منظمة كفاية التي قادت الحملة الإعلامية حول دارفور، وكان من غلاة المطالبين بفرض العقوبات على السودان.. ولا ينتمي عمر قمرالدين لحزب سياسي، ولكنه جزء من طبقة المثقفين الليبراليين مثل الدكتور علي بلدو وعشاري محمد أحمد الذي خرج من الحزب الشيوعي، وتعيين عمر قمرالدين إذا تم بموافقة المكون العسكري في المجلس السيادي من شأنه دفع التفاهم مع الولايات المتحدة الأمريكية..
وعمر قمرالدين والده من الإسلاميين القدامى تم اغتياله بواسطة الحركة الشعبية عند هجومها على بلدة الكرمك، وكان قمرالدين معتمداً لها.. ولكنه لم يغضب لمقتل والده.. ومضى في تأسيس علاقة جديدة مع الحركة الشعبية وتعيينه في منصب وزير دولة بالخارجية يطمئن الغرب بأن رجاله قد آلت اليهم مقاليد السلطة في البلاد..
(3)
إذا كانت التغييرات في القوانين والمناهج مطلوبات غربية لإدماج السودان في منظومة الدول المطلوب صياغة هويتها وفق أنماط جديدة، فإن وزير الإرشاد والأوقاف نصرالدين مفرح أمره عجب، والوزير في ولاية الجزيرة يوم الأربعاء الماضي مخاطباً ورشة مريبة نظمت في ود مدني بواسطة الكنائس!! لماذا ورشة عن النشاط الكنسي في السودان يتم تنظيمها في ولاية الجزيرة التي تمثل أكبر منطقة صوفية في السودان ولا وجود لمسيحيين إلا عدد محدود جداً في المدن ولا يتعدى عدد الكنائس أصابع اليد الواحدة في الجزيرة؟؟ لكن من يقف وراء مثل هذه الأنشطة اختار ولاية الجزيرة لاعتبارات عديدة أولاً لوجود طرق صوفية من القادرية في طيبة الى البادراب والسادة اليعقوباب في سنار والشيخ محمد الأمين في كركوج وفرح ود تكتوك في سنار ، والسمانية والبرهانية. وتمثل الجزيرة أكبر رصيد جماهيري للحركة الإسلامية في السودان بعد الخرطوم.. وهناك تيارات إسلامية أخرى مثل السلفيين والتيارات الجهادية لها وجود في ولاية الجزيرة.. وإقامة ورشة عن الكنائس والنشاط الكنسي مقصود لذاته.. واذا تأملت التوصيات التي خرجت بها الورشة المريبة تتكشف خيوط المؤامرة على السودان والإسلام.. وجاء في التوصيات التي تسلمها وزير الإرشاد ضرورة تعيين منسقين للتربية المسيحية في الولايات وتتكفل الدولة برواتب القساوسة والمبشرين بالدين المسيحي وفتح الباب لاستيراد الكتب المسيحية المقدسة.. وجاءت التوصية الثالثة التي تسلمها الوزير تقول بعبارات صريحة “تأمين استحقاقات المسيحيين في الزكاة”، وفي هذه التوصية تعارض صريح ومباشر مع القرآن الكريم والسنة النبوية التي نصت على مصارف الزكاة التي تأخذ من أغنياء المسلمين وترد للفقراء والمساكين ولم يرد نص يقول تذهب الزكاة للقساوسة والمبشرين كما يريد ويسعى وزير مريب اسمه “مفرح” محسوباً على طائفة الأنصار وحزب الأمة، ولكنه يقول “أبحث عن عبدة الأوثان والحجارة” ووجد المسيحيين الآن. وفي توصية أخرى “السماح للخدام الأجانب بزيارة رعاياهم في الولايات” وفتح أبواب البلاد للمبشرين الذين طردهم الراحل إبراهيم عبود من جنوب السودان عام 1964م ليعيدهم الوزير نصرالدين مفرح هذه المرة لا للتبشير في مريدي ويامبيو وملكال ولكن للتبشير في ما تبقى من السودان الذي ليس من بين مواطنيه مسيحيين في صقع الجمل وهمشكوريب وسنكات ومروي والقطينة، ولكن هناك أقلية لا تتجاوز الـ 17% من جملة سكان ولاية واحدة هي جنوب كردفان مسيحيون في هيبان وكاودة وشات الدمام وكادقلي.. ولكن الورشة التي تناقش قضايا المسيحيين تعقد في ولاية الجزيرة ويخاطبها وزير الشؤون الدينية والإعلانات تنشر في الصحف تزينها صورة الوزير مفرح.. ووالي الجزيرة الجنرال الذي ربما لا يعلم أسباب المجيء به لمخاطبة مثل هذه الأنشطة المريبة في هذا الوقت..!!