وطننا المحبوب
ما أجمل الحديث عن الوطن وعن حُبه وعن الوفاء له، وحُب الوطن المسلم وردت فيه نصوص شرعية، وافقت الفطرة السوية، وفي القرآن الكريم بيان بأن من أشق الأمور على الإنسان ومن أشد ما يبتلى به أن يخرج من وطنه وبلده، قال الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلا قَلِيلٌ مِنْهُمْ..)، ولطالما ضعف الانتماء للوطن المسلم وقلّ الوفاء له من قبل بعض أبنائه، ولطالما تنكّر كَثير من الناس لوطنهم المسلم كان من المُناسب التذكير بهذا الجانب المُهم، خَاصّةً وبلادنا تمر بأيامٍ فيها من الابتلاء والمِحَن ما نراه ونُشاهده، فأقول موجزاً تذكيري بهذه المناسبة فيما يلي:
*إنّ الفضل لله سبحانه وتعالى، والولاء لله سبحانه وتعالى، والبراء من أجله، ثم يأتي بعد ذلك ولاءات وانتماءات مُتفرِّعة من هذا الانتماء، يأتي في مُقدِّمتها الانتماء للبلد الإسلامي مكان النشأة، ومَحل التعليم، وروضة العبادة، ومبعث الأمل والحياة.
*إنّ ارتباط الإنسان بوطنه، وحُبّه له، دلالة وفاء، وصدق تعامُل، وصلاح طوية، فالوطن هو النعمة الكبيرة القريبة للإنسان، كرامته من كرامته، وعزّته من عزّته، به يعرف الإنسان وإليه يُنسب، ومن ذا الذي يستطيع أن يحيا حياة هانئة بلا وطنٍ، ويكفي أن تجرح كرامة شخص أن تعيره بأنّه لا وطن له.
*إنّ الوطن الذي تهفو إليه القلوب وتتعلّق به النفوس له حُقُوق على أهله، حيث الولادة فيه والمنشأ في ربوعه، والتقلُّب في خيراته التي تفضّل بها الله تعالى عليه، أعظمها نعمة الإسلام والإيمان، فيه مساجدنا، وأهلنا، كنا فيه صغاراً لا حول لنا ولا قوة، تعلّمنا في رحابه أمور ديننا ودنيانا، فتيسّرت لنا عبادة ربنا آمنين، وأصبحنا قادرين على الحياة المُستقرة هانئين.
*إنّ الواجب علينا كما أخذنا من الوطن أن نُعطيه، وما أخذناه في الطفولة، وما تلاها هو دَيْنٌ يقضى يوم الرجولة، ويُخطيء من يتعامل مع وطنه أخذاً بلا عطاءٍ، وديناً بلا وفاءٍ، وتلك الحقوق كثيرة وعظيمة، لا يقوم به إلا الرجال العظماء الأوفياء.
*من المؤسف – جداً – ما يحدث في كثيرٍ من بلاد المُسلمين عندما يسهم بعض أبنائها في إضعاف الدولة ويفرحون لدمار بلادهم وسوء حالها وضياع أهلهم؛ وقد يسهمون في ذلك الدمار بطريقٍ مُباشرٍ أو غير مُباشرٍ!! لأنّ ذلك سيكون واحداً من أهم أسباب وصولهم إلى الحكم!! بل قد يكون – أحياناً – بفهمهم هو الطريق (الوحيد) للظفر بالسُّلطة التي أصبحت غايةً عند كَثيرٍ من أهل السياسة في زماننا وليست وسيلة مسؤوليتها عظيمة وتبعاتها خطيرة.
*وكم من بلادٍ عانى أهلها وضَاقت سُبُل العيش على شُعوبها بسبب تصرُّفات بعض أهلها، وهذا الأمر يُبيِّن بجلاءٍ أنّ الهدف من الحكم عند هؤلاء ليس هو كونه وسيلة لإسعاد الشعوب والوقوف معها ونصرة قضاياها والاجتهاد في أداء حُقُوقها، وإنّما الهدف هو المصالح الشخصية والحزبية لتلك الأحزاب، ولست بحاجةٍ لأن أضرب أمثلة أوضِّح بها ما أقول فإنّ هذه الحقيقة – للأسف – أوضح من أن يستشهد لها وتُضرب لها الأمثلة.
*إنّ من أهم عناصر تحقيق وحُصُول الاجتماع لأبناء الوطن المسلم أن يتم التنازُل للمصلحة العَامّة، وتُرمى المصالح الخاصة والشخصية، وهذا مَحَكٌ من المَحَكّات المُهمّة التي يجب رعايتها، فالمَصلحة العامّة إذا رُوعيت وقُدِّمت كان هذا من أهم الأسباب المُعينة على اجتماع الشمل وجمع الكلمة.
*ويُسجِّل لنا التأريخ الإسلامي روائع في هذا الباب، ومن تلك المواقف تنازل الحسن بن علي رضي الله عنهما لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما عن الخلافة في عام 40 هجرية وهو عام الجماعة، وتحقّقت بذلك واحدة من نبوات نبينا خاتم المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم الذي أخبر بهذا الأمر الذي كان سبباً لاجتماع الطائفتين العظيمتين، وهو بلا شك مقام عظيم شريف يُبيِّن مكانة وشرف تقديم المصلحة العَامّة على المصالح الخَاصّة، وقد يصعب على كثيرٍ من الناس أن يحذوا هذا الحذو بسبب تفاوُت الديانة والإيمان والعلم، وبسبب الرُّكون إلى الدنيا وعَقد الولاء والبراء على الفرق والأحزاب والتّكتُّلات السِّياسيَّة.. وغَير ذلك من الأسباب.. لكن واجب النصيحة يُوجب أن يُقال هذا الكلام، فلم نتعلّم اليأس – ولله الحمد -، ومحبة للخير لهذا البلد الكريم – الذي كثرت مصائبه وتواصل نزيفه المؤلم الموجع واشتدت معاناة أهله – أردت أن أقول ذلك.
*إنّ على أبناء هذا البلد الكريم جماعات وأفراداً وأحزاباً أن يدركوا أهمية الحرص على المصلحة العامة، وأن يعلموا مكانة الاجتماع وفَضل الجَماعة، وليُراجعوا مَواقفهم، ولينظروا في واقع بلادهم، وليتفكّروا في مُستقبلها ومُستقبل أهلها وما ستكون عليه أجيالها القادمة.
*أقول إن هذه التحزبات السياسية والتحزب للأشخاص والجماعات من الباطل الذي أفسد في المسلمين كثيراً.. ولا أؤمن بالكذبة السياسية المسماة (الديمقراطية) فإنّها مما ضحك به الكفار على بعض المسلمين ولو كان أهل الديمقراطية يطبقونها حقاً لما كانت المسلمة في بعض بلاد الغرب تدفع غرامة إذا غطّت وجهها!!
*فلست مقراً لهذه التحزبات فضلاً عن ما يُسمى بالمعارضة وأحزاب المعارضة، فإنّ في الإسلام يكون الشخص واحداً من اثنين، إما: إماماً حاكماً (راعياً)، وإما محكوماً من الرعية، وعلى الحاكم واجبات وله حُقُوقٌ، وعلى الرعية واجبات ولهم حُقُوقٌ، وعلى الحاكم واجبات يسأله عنها الله تعالى من الحكم بالشرع والعدل بين الرعية وغير ذلك، وعلى الرعية السمع والطاعة في طاعة الله تعالى، والنصوص الشرعية في ضبط العلاقة بين الحاكم والمحكوم كثيرة جداً وقد كتبت مقالات عديدة في هذه القضية.
إن الفرقة مذمومة والاجتماع يجب أن يجتهد في تحقيقه، ولن يكون اجتماع إلا على الحق، وعلى ما جاءنا في شريعة الله في الكتاب والسنة وعلى هدي محمد عليه الصلاة والسلام، وهذا هو الصراط المستقيم.. الذي أوجب الله اتباعه، وندعو في كل ركعة فنقول (اهدنا الصراط المستقيم).. وقد حذّر الله تعالى من اتباع السبل والطرق قال الله تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
*من الواضح جداً الآثار السيئة لعدم الانتماء إلى الوطن العزيز والحرص على مَصالحه، وإنّ كثيراً من الأزمات التي تُحيط بنا من أهم أسبابها ضعف هذا الانتماء وتضييع مصالح البلد العليا، وتقديم المصالح الخاصة عليها أحياناً، ولا يُمكن أن نبقى سُكُوتاً، فهذا إسهام من عمود الحق الواضح وبعض كلماته انتقيتها من جزء من بحث منشور.
أتمنى أن يدرك أبناء بلدنا الكريم صغاراً وكباراً الخير لأنفسهم ولدينهم ووطنهم.. ويعملوا بذلك.. ونأمل أن تكون كل الجُهُود على كل المُستويات في ما يعود علينا بمصالح الدين والدنيا والأمن والأمان والاستقرار.. والأمر كله بيد الله المالك المُتصرِّف فهو المستعان و(لا حول ولا قوة إلا بالله).