* هنالك مفارقة كبيرة جداً بين عزف اليسار المستمر على وتر التعددية الديمقراطية.. وبين عزوفه عن ممارسة هذه التعددية حال إقرارها والعمل بها.. و… و….
* حتى لتبدو عملية دعوة اليسار إلى الاحتكام إلى صناديق الانتخابات.. كما لو أنها دعوة حق أريد بها باطل ليس إلا.. وهذا ما تسنده الممارسة على أرض الواقع.. و… و..
* سيتعلل اليسار في كل مرة بأن المناخ لم يكن مواتياً لإقامة انتخابات نزيهة.. غير أن الحقيقة الواضحة كالشمس في رابعة النهار تقول… بأن الرفاق لم يذهبوا إلى أي انتخابات ولو أتت مبرأة من كل عيب وذلك لسبب بديهي وبسيط جداً وهو ..
* أن رأسمال التعددية الانتخابية هو امتلاك أرصدة جماهيرية ضاربة.. وهذا ما لا يمتلكه الرفاق !!
* فلسوء حظ إخواننا الرفاق أن صوتاً انتخابياً واحداً أعظم من ألف قصيدة عصماء مصنوعة على عجل.. لأن إعلان الغلبة هنا بالمواقف الجماهيرية وليس بعبقرية وغزارة الشعارات والأناشيد التى تحتشد بها الاسافير.. و.. و..
* فبإمكان شخص واحد فقط في ليلة واحدة أن يبث فى شرايين وأوردة الميديا عشرات الآلاف من الشعارات الرافضة.. لكن هذا الشخص إذا ذهب فى الصباح إلى صناديق الاقتراع سيمتلك بطاقة واحدة ﻻ تقوى على المنافسة وتغيير الحقيقة.. و..و….
* وحتى لا أتهم بأني أسوق الحديث جزافً.. ففي أحسن أحوال التعدديات الانتخابية التي اعترف بها الشيوعيون .. وعلى العهد الذهبي لليسار السوداني.. لم يحرزوا أكثر من ثلاث دوائر جغرافية من مجموع ثلاثمائة دائرة انتخابية !!
* غير أنني ظللت هنا أحتفل بعبارة شفافة قالها أحد القادة الشيوعيين.. قالها ذات لحظة عالية المصداقية.. لما سئل الرجل ذات يوم عن سر تناقض الشيوعيين وهم الأعلى ضجيجاً بالمطالبة بالديمقراطية.. وفي المقابل الأكثر هروباً منها حال إقرارها.. أو قل الأكثر تضرراً منها !!
* قال هذا الرفيق بجرأة تستحق الاحترام والتقدير .. قال نحن بالأحرى (حزب ثوري نضالي) وليس حزباً جماهيرياً !!
* فبذات المقاييس يصبح الحزب الشيوعي أكثر حزب (شمولي وانتهازي) لطالما رمى الآخرين بهذه التهم التي هو أهلها وأحق بها.. وذلك للأسباب المنطقية التالية …
* ليس بإمكان الحزب الشيوعي على سبيل الأحزاب اليسارية أن يخوض أي انتخابات نقابية كانت أو برلمانية منفرداً.. وذلك إلا في سياق تشكيل تجمعات وتحالفات هلامية… كالتجمع الوطني الديمقراطي.. الجبهة الديمقراطية.. تحالف قوى المعارضة، الإجماع الوطني وصولاً لتكتل الحرية والتغيير… و… !!
* سيما في هذه المرحلة التي تراجعت فيها الشيوعية في عقر ديارها فضلاً عن تراجعها في الشرق الإسلامي ..
ليس أمام الرفاق إلا التحالفات أو ثقافة (الفوضى الخلاقة) والإضرابات والاضطرابات والدعوة للاعتصامات..!! فليس لهم في الأوضاع المستقرة والتداوﻻت السلمية الديمقراطية فرصة لملء مقعد ديمقراطي يتيم !
* لهذا قاتلت الأحزاب اليسارية قتالاً شرساً لجعل الفترة الانتقالية عهدة حكم كاملة أربع سنوات، ومن ثم حصلت على ثلاث سنوات قابلة للزيادة، في حالة نجاحهم في صناعة (فوضى خلاقة) ومبررات تجعل البلاد غير مهيأة لإقامة انتخابات!! . وليس هذا كل ما هناك