رأيت الحر يجتنب المخازي
موقف بالغ الحرج يترصّدنا..
في مقام الكتابة للناس تُتاح لك الفُرصة لإبلاغ بعضٍ من تلك القيم والمَبادئ التي تُؤمن بها.. فلِمَ التضييع..؟
مسؤوليتك تجاه البحث عن الحقيقة والحَق.. ظمأ حبيب للنور ورغبة أكيدة في لعن الظلام وتجنب (القراي) وتوقي (شُح النفس) وتلافي (الشخصنة) والنظر إلى ما ينفع الناس.
ان تحبب حبيبك هوناً ما … وتبغض بغيضك هوناً ما
وأن ترى الحق حقاً وتُرزق اتّباعه.. بينما أنت تُحاول كل ذلك تكتشف أنّ بضاعتك التي اشتريتها مطلوبة بشدة في (سُوق النخاسة) الرائجة.. مُفرداتك مطلوبة للإيجار لصالح أحد التيارات، فإن لم تكن معها فأنت ضدها.
مُنذ زمنٍ تعلّمنا أن بُعد الأرض من مركز الكون كان فيه قدرٌ كبيرٌ من الحظ، مما أتاح لنا فُرصة عظيمة للتطوُّر واكتشاف بقية الكون والمَجَرّات لم تكن لتتوفّر لو كُنّا أقرب.. وعلى ذلك ينبغي الميل إلى اليقين أنّ السلطة التي ينبغي أن نفسح لها هي سُلطة المُلاحظة والتحليل والتجريب بعيداً عن أيِّ رؤية مُسبقة.. أن ننأى عن ذلك التماهي الالتصاقي البغيض وأن (ندرعها) في ميزان صالح (الآجال والأجيال).
بلا خجلٍ ولا توارٍ وبحروفٍ مُوغلةٍ في العداوة والبغضاء، مضى بعض زملاء المهنة في اتّجاه التهليل لكلِّ حالة تعسف تُجرى من اعتقالات للخصوم وحجز ومُصادرة.. وكأنّما المطلوب التفشي اللحظوي ورصّ الناس في طوابير العداء وشحنهم بلا طائلٍ أو جدوى… تزيد مع كل مقالة عسر الولادة الانتقالية عسراً، بلا أدنى احترازٍ ولا مَلمحٍ للشفقة يقاربوا عن جهالة وبغي مصيرنا الأسود القريب..!
ليكفيهم أنّ الـ(F.B) الصاخب يأتيهم على شاكلة:
(أيوه… أردمهم… ردمهم البلا)..!
الذين يُعتقلون ويُحجزون ويُصادرون ليسوا على ذات الذنب الذي يتجهمه أهل القلم.. سنة قديمة أن الغالب من أهل السلطة أرعن ومفتون وعيي.. وان الجبلة تدنو من التناسي برغم كل محاولة للتذكير:
أتذكر إذ لحافك جلد شاة
وإذ نعلاك من جلد البعير
فللسلطة سُكرة لا يجدي معها رشيد وشهوة لا يقوي إزاءها مُستجد وغرير.
نسي هؤلاء أنهم لا يكتبون بالقلم الرصاص، وأن كل دور إذا ما تم ينقلب، وأن (الدنيا دَوّارة)، و(كعب البتفاسل) ولا يصح في مقام التنوير والاستنارة إلا الصحيح.. من حق عوام الناس في سافل مدينتهم أن يصنعوا ما شاءوا.. وأن يصيبوا أغيارهم بجهالةٍ ويتسفلوا قدر استطاعة مخيلتهم واهتماماتهم، فتلك مُثابرة محدودة محكوم عليها أن تظل حبيسة القاع إلا إذا وجدت صدىً لدى أهل الفكر والرأي وقادته.
هنا مكمن الخُطُورة وبداية الحريق.
إخوتي في الصحافة.
نمر بأوقاتٍ مَفصليةٍ عصيبةٍ.. لكن فرصتنا مُتّسعة لإقامة نظام يشيل الناس كل الناس..
وسع بي خيرو لينا يسع.
لا تأخذكم بأهل الإنقاذ شفقةً، ولا تصيبكم لخُصُوم الحكومة الانتقالية محبّة، ولكن اطلبوا لهم العدل.. لا يجرمنكم شنآنهم.. وإن (كتر عليكم) فأدنى من ذلك أن تلتزموا (كثيب أبو هريرة) أو الصمت حيث القلب أضعف الإيمان… فإن من شأن الإيغال في التعسف إعادة دورة التظالم فلا نعرف فارقاً بين حقيقة وزيف وظالم ومظلوم.. إلا من كان فيهم (ألحن بحجته).