إذا أصرّت “قحت” على تجريم الانقلاب، فعليها انتظار محاكمتها
الترابي لم يكن صادقاً والإنقاذ لا علاقة لها بالإسلاميين
الإسلاميون شوّهوا صورة الإنقاذ والآن يدفعون الثمن
البشير وطني اتحادي.. ولهذا (…..) قال إنه إسلامي !!!
حوار: هبة محمود سعيد
قبل أيام بدأت قوى الحرية والتغيير بتقييد بلاغات لملاحقة جميع المتهمين بتنفيذ وتدبير انقلاب 30 يونيو 1989 على الديمقراطية الثالثة، فكان الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي الدكتور “علي الحاج” على رأس قائمة المطلوبين والمحالين إلى سجن كوبر .
(قحت) توعدت الجميع بدون استثناء، في قائمة طويلة شاركت ودبرت، منهم من انتقل إلى الدار الآخرة، ومنهم من انشق، ومنهم من أصبح مواطناً في دولة أخرى، والقائمة تطول من العسكريين والمدنيين. العقيد معاش مارتن ملوال هو الشخصية الوحيدة العسكرية التي بقيت خارج إطار السودان عقب التشكيل الجديد الذي قضى بانفصال الجنوب عن الشمال، وهو أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة، ولكنه أصبح مواطناً أجنبياً فكيف سيتم التعامل معه.
“الصيحة” استنطقته في حوار مختلف عن مذكرة التوقيف وعن مثوله، وما إذا كانت دولته تمثل له الحماية. مارتن حكى تفاصيل التحاقه بمجلس الثورة، وذكر تفاصيل مثيرة تصلح لأن يكون شاهد ملك في قضية مر عليها ٣٠ عاماً.. فماذا قال؟
*الدكتور حسن الترابي عليه الرحمة، ذكر لاحقاً أنه من أتى بكم وهو من دبّر وخطّط للانقلاب، وزجه بمعتقل كوبر تمثيلية ليس إلا (اذهب إلى القصر رئيساً، وسأذهب أنا إلى السجن حبيساً)؟
-عليه الرحمة، ولكن كان غير صادق فيما ذكر، حديثه غير صحيح، نحن زججنا به في المعتقل وبالسجن الانفرادي والمعاملة كانت سيئة، فهل كل ذلك كان تمثيلية!! أنا أذكر أنه في إحدى المرات أتاني صديق اسمه (أبوقصيصة) وأبلغني أن الترابي يعاني في الحبس الانفرادي وزوجته لا تستطيع التواصل معه وتبكي على الدوام، فوعدته أن نخرج الشيخ من الحبس الانفرادي، وبالفعل اتصلت على مدير السجون وطلبت منه إخراجه إلى عنابر المعتقلين السياسيين، وقلت له هؤلاء معتقلون سياسيون نتحفظ عليهم لفترة محددة لحين تثبيت أقدامنا ومن بعد نطلق صراحهم، ووعدني خيراً ووعدته أن أذهب في الغد لزيارة السجن، وبالفعل قمت بالزيارة، ووقفت على أحوال السيد الصادق المهدي، والسيد محمد عثمان الميرغني، فأخبرني الميرغني بأنه مريض ووعدته بعمل اللازم، وأوصينا بإصلاح غرفهم وصيانتها وإدخلنا لهم تلفزيوناً وثلاجة والمكيفات، وكنت أخاطب السيد الصادق بسيادتك، لأنه كان رئيس مجلس الوزراء وحاكم البلاد، وسألته عن المعاملة، لأنني كنت أريد معرفة المعاملة، فقال لي والله أحسن معاملة الغرف مهيأة والأكل يأتينا من منازلنا، بعدها طلبت من مدير السجن إحضار الترابي إلى المكتب، وبالفعل وقلت ليه أن أبو قصيصة أخبرني بأمرك، وإنني أولا أريد الاعتذار لك لأننا كسودانيين ليس من المفترض أن يحدث ذلك، وذكرت له أن سنه لا يسمح له بالمعاملة السيئة، وأنه خدم البلاد وخرج أجيالاً وعلى ضوء ذلك نعتذر له، وأوضحت له أن النيابة زجت به بحكم السلطات المخولة لها وهو رجل قانوني يعلم ذلك، فقال لي أن المعاملة سيئة جداً، وإن حديثي معه خفّف عنه الكثير، وذكر لي كيف أن العساكر يعاملونه بصورة قبيحة ويرمونه في الأرض للفئران تأكل فيه، وقال لي إن هناك معتقلين جنوبيين معارضين ليس لديهم ذنب، يجب أن نطلق سراحهم، وطلب مني إطلاق سراح مولانا محمد عثمان لأنه كان مريض بدلاً من أن يموت في السجن ويتهمون النظام الجديد بموته مثلما حدث لنميري عندما توفي إسماعيل الأزهري في المعتقل، قال لي أكسبوا الميرغني هو رجل وراءه ناس، ولذلك هذه حقائق لا يعلمها كثيرون، وهذا حديث مباشر بيني والشيخ، وعقب الزيارة مباشرة ذهبت إلى القيادة العامة والتقيت بالرئيس واخبرته بما حدث وقلت له إننا لم نأت لكي نعذب الناس، فقال لي إن هذا الأمر أدخله في مشكلة مع والدته الحاجة هدية، فهي ترى أنني اعتقلت سيدها الميرغني، وبالفعل تم إطلاق الميرغني.
*تصريح مثير وغريب؟
– الإسلاميون أذكياء قاموا باستغلال الوضع وأن هؤلاء الضباط الذين قاموا بالانقلاب ضباط متدينون وقاموا باستغلال الظرف، وقالوا إنهم إسلاميون، أنا في حديث مع البشير نفسه أخبرني أنه وطني اتحادي.
*وطني اتحادي؟
-نعم.. سألته يومها ما إذا كان جبهة إسلامية أم لا، فقال إنه ووالده يناصرون إسماعيل الأزهري، أما بقية إخوته فلديهم ميول إسلامية.. البشير كان صادقاً معي جدًا، وعشقه للأزهري جعله يقرر أن تكون الاحتفالات بعيد الاستقلال داخل منزل الزعيم لكن ابنه وزوجة الراحل رفضوا ذلك لأنهم كانوا يعتقدون أن العساكر هم من تسببوا في وفاة والدهم.
ذكرت ذلك حتى أوضح لك أن الإنقاذ ليست جبهة إسلامية، البشير كان متديناً جداً لكنه ليس إسلامياً.
*البشير نفسه لاحقاً أقر بأنهم جبهة إسلامية؟
– قال ذلك لأنهم ساعدوه ووقفوا إلى جانبه، أضف إلى ذلك أن السلطة (حلوة) ولكنه وطني اتحادي.
*دعنا نعود بك إلى الوراء.. وتفاصيل انقلاب ٣٠ يونيو؟
– في ذلك الوقت كان الجميع بحاجة للتغيير، والسيد صادق كان يعلم ذلك، ومذكرة الجيش التي قدمت كانت تنبئ عن انقلاب قادم، كانت هناك توترات والجيش مستعد والإسلاميون استغلوا الأمر…
*أين كنت في ساعة الصفر، هل كنت مشاركاً فعلياً أم مشاركتك جاءت تمثيلاً مناطقياً؟
– نعم، كان هناك توازن، ومشاركتي مناطقية.
*كيف تم اختيارك لعضوية مجلس الثورة وقتها؟
– ذهبت أنا وبمعيتي ضباط عقب الانقلاب لأبارك للبشير فهو صديقي جداً، كان موجوداً وقتها في مكتب العمليات، وهناك مجموعة من الضباط ما يقارب ثمانين ضابطاً، وعندما رآني قام على الفور، وقال لي (يا مارتن أقول ليك ولا أسكت) كان بيننا هظار ومداعبة للعلاقة التي تجمعني به، فقلت له (عايز تقول شنو يا عنصري) عندها قام بمسك يدي وذهب بي إلى مكتب آخر وقال لي أنا اخترتك أن تكون معي في مجلس قيادة الثورة، وليس لدي لون سياسي وأريدك أن تكون تساعدني في حل مشكلة حرب الجنوب بالطريقة السلمية حتى وإن طلب الجنوب الانفصال سوف أعطيه له، فقلت له إنني أشكره على اختياره لي وهو شرف عظيم وأخبرته أنني بدون لون سياسي، وطلبت منه إخباري إذا ما كان هناك سر حول لون الانقلاب، لأنني إن عرفته لاحقاً سوف أخرج، ووعدته بمساعدته في حل مشكلة الجنوب ووافق وأخبرني أن الانقلاب لا لون سياسي له، كنت سوف أكون الجنوبي الوحيد في المجلس، وسألته من معي من الجنوبيين لأنه لابد من ضرورة تمثيل أقاليم الجنوب الثلاثة فقال لي عمر وقتها (باقي عبيدك ديل ما بعرف، أنا بعرفك انت، فقلت له لابد من تمثيل أقاليم الجنوب، أنا من إقليم بحر الغزال جيب من أعالى النيل ومن الاستوائية عشان لو في أي قرار يكون جماعياً وما في زول يقول مارتن انحاز لي أهلو) ولذلك قام بتعيين دومينيك وبييوكوان.
*ما هي الأسباب الحقيقية وراء تقديم استقالتك، كانت هناك شائعات حول اختلاس وغيره؟
-هناك سياسات، الشخص لا يقبلها، الإسلاميون بدأوا في التغلغل في البلاد.
*كنت رافضاً ذلك؟
– نعم
*حوربت من قبلهم؟
– نعم، لأنهم كانوا يعتقدون أنني أحاربهم وضد الإسلام، أنا أذكر في إحدى المرات قدم لي التجار الإسلاميون في الجنوب دعوة للإفطار معهم، وذهبت وسألتهم عن حصتهم في الحج طبعاً كان يتم اختيار ٤٠ فرداً من كل إقليم للذهاب للحج، فقالوا لي إنهم لا يذهبون، وكان معي قائد المنطقة العسكرية ببحر الغزال وطلبت منه رفع الطلبات وبالفعل فعل ذلك، فهل أنا ضد الإسلام. كانوا يعتقدون أنني ضد سياستهم ووصلوا مرحلة أنهم كانوا يتنصتون علي عندما تأتيني وفود.
*ما هي إخفاقات الإنقاذ برأيك؟
-عدم انفتاح علاقاتها مع الخارج كنت أقول لعمر لا تصارع أمريكا لأنها أقوى منك (الزول ما يصارع الأقوى منو)، وأنا كنت أصر على ضرورة الانفتاح على الغرب، من الإخفاقات أيضاً الانحياز لدول دون الأخرى، هذه كلها سياسات السودان دفع ثمنها طويلاً.
*ماذا أضافت لك الإنقاذ كتجربة؟
– الإنقاذ منحتني وعياً سياسياً أكبر وعرفتني على سياسيين وتعلمت منها أبعاد وطريقة تفكيرهم، هذا على الصعيد الشخصي، أما على صعيد الوطن، فقد أعطت الجنوب حق تقرير المصير.
*أخيراً أين أنت من ممارسة العمل السياسي؟
– ضاحكاً، الآن أنا خالي شبكة، أمارس تجارة خاصة (عمري الآن كم وسبعين داير شنو بالسياسة)، ولكن دعيني أختم حديثي معك وهو أنني أكرر للإخوة في الحكومة في السودان إعطاء مساحات للتسامح، حديث الأصم كان واضحاً، عليهم أن يذهبوا لأعضاء المؤتمر الوطني ويطالبوهم أن يعترفوا بأخطائهم ولا داعي لروح الانتقام.