(مدني).. قاتل الأمل وصانع الخراب (1)
إنّ قرارات السيد وزير الصناعة والتجارة مدني عباس مدني باتَت تشعر الشعب السوداني بالقلق والتعاسة بعدما كان يشعر بالأمل بأنّ حياتهم بعد الثورة يُمكن أن تزداد يسراً وفتحاً، بيد أنّه كل صباح تظهر لهم الحَقيقة غير المُريحة التي لا يُمكن أن يكون الأمل موجوداً بينها.
إنّ آخر أخبار الخراب للوزير الخبر الذي بمثابة الكارثة الكبرى، وهو قرار إيقاف صادر الفول السُّوداني ومُنتجاته وهو قرارٌ مُعيب شكلاً ومضموناً وينم عن عدم وعي واستيعاب الجهة التي أصدرته بأهمية الفول السوداني في الوقت الحالي وبصورة استراتيجية، وهو قرارٌ أدخل المُنتجين بين فكي الجحيم، لأنه قرارٌ ذو أبعاد لا نستطيع تخيلها، إذ أن الفول السوداني مُنتج جُغرافي وهو قرارٌ وضع حَصاد الفُول لهذ العَام أمام مَصيرٍ مَجهولٍ، ومن نافلة القول أن نذكر بأهمية الفول السوداني وكيف بإمكانه أن يكون السلعة الأولى للصادرات السودانية، ولا يُمكن وبكل بساطة أن يصدر الوزير قراراً يوم 19 نوفمبر يوقف بمُوجبه تصدير الفول ومُنتجاته إلى حين الاستعداد بصُورة تضمن انسيابه.. ومعلوم بالضرورة أن يوم 19 نوفمير يكون فيه المُزارعون قد زرعوا وبدأ حصادهم يدخل الأسواق، والمصدرون يكونوا في هذا التاريخ قد أكملوا كل ترتيباتهم وتعاقداتهم وجهّزوا قشّاراتهم وفرازاتهم، ثم تأتي الحكومة فجأةً لتوقف عمليات التصدير وتقول إنها تريد تنظيماً وإعداداً، فهذا ينم عن جهلٍ وعدم استيعاب لأهمية الفول السوداني شكلاً وعدم توفيق في توقيت صدور القرار والتبرير له، ثم ثانياً إذا كان القرار مقصود به إحداث قيمة مضافة بأي شكل من الأشكال، فإنّ أي قيمة مُضافة لا يتأثر بها إيجاباً المنتج الحقيقي والمنتج الأول، فهي قيمة مُضافة لا قيمة لها وتذهب لمصلحة سماسرة ووسطاء.
وبمجرد صدور القرار انخفضت أسعار الفول السوداني، بل توقّفت حركة المُبيعات خَاصّةً في مناطق الإنتاج الرئيسية في كردفان ودارفور، ممّا يدلل أنّ الاتجاه يسير في غير مصلحة المنتج الحقيقي الذي يعول عليه في مواصلة الإنتاج ومُضاعفته والاستفادة من المكاسب التي حدثت من صادر الفول السوداني، خاصةً نقاوة، وفتح السوق الصيني.
أما النقطة المُهمّة في هذا الموضوع، أن الفول السوداني تنتجه فئات ضعيفة من المُجتمع وتزرعه في رقعة ومساحة أرض صَغيرة ذات طبيعة رتيبة بمَناطق نائية لا تتوفّر فيها أبسط مقومات الحياة الكريمة، يزرعونه في بيئة مليئة بالثعابين والأشواك، والمُعاناة تُحيط بهم من كلِّ جانبٍ، وإنّ قرار وزير التجارة سينشأ شر مقيم على هؤلاء الغلابة وسيكون عليهم أكثر عتمةً وثقلاً من أيِّ شئٍ ومُعاناة ذاقوها في حياتهم.
وعلى نحو منهجي، فإنّ الفول السوداني ينتجه عجزة وكبار سن وشباب في مساحاتٍ صغيرة يتعذّبون معه، لأنّ حياتهم كلها مُرتبطة بعائداته وهم لا حول لهم ولا قوة إلا من الله وفضله، يزرعون فولهم بدون أي مُساعدات حكومية ولا مُبيدات ولا آليات، ولا يُمكن أن تأتي الحكومة بقرارٍ بهدف خفض أسعار الزيوت والأُمباز والعلف للدواجن حتى يتمتّع سُكّان المدني بخفض أسعار الألبان واللحوم والبيض ويترك المُنتج الحقيقي مُتأذياً مَع شَظف العيش.. ومَعلومٌ أنّ المُنتجين الصغار لا يكاد يصلون إلى هذه السلع المدنية المترفة والمتمثلة في الألبان والبيض واللحوم المُسمّنة والزيوت المُكرّرة، وهذا يصبح ليس من الإنصاف والعدل.
ومن ناحية استراتيجية، فإنّ قرار خفض الأسعار لا يشجع المنتج على الاستمرار، ولا يدفع المُزارع في المُواصلة، خاصةً أن عمليات إنتاج الفول السوداني مُتعبة ومن أصعب عمليات الفلاحة في السودان وزراعته شاقة وبيئة حصاده مليئة بالأشواك، تبدأ العمليات والتحضير الأولي حتى مرحلة نظافته وقشره وإعداده في وضع النقاوة ومن ثَمّ عصره، كلها شاقة.. فسوق الفول السوداني لا يحتمل قرارات عشوائية مثل هذا القرار غير المدروس الذي سوف يُقلِّل من حماس المُزارعين ويؤدي إلى اضطرابٍ، في الوقت الذي يتطلب فيه السودان من ناحية استراتيجية التوسُّع في المساحات المزروعة وفق التزامات ورؤية محدّدة، فإنتاج (5) ملايين طن من الفول السوداني سيُؤثِّر على مجمل العمليات الإنتاجية في البلاد، ويُحسِّن أوضاع الأسر السودانية، ويستفيد منه الناس في كُلِّ مَراحله من حركة النقل والتّرحيل والعاملين فيه بالأسواق ومَواقع تجميع وترحيل سلعة الفول وتداوُلها، فالفول السوداني آثاره الاقتصادية مُمتدة ويمكن أن يقود حركة الاقتصاد الوطني، لذلك التعامل معه لا يمكن أن يكون بهذه البساطة والسهولة وعن طريق المناشير البسيطة شكلاً ومُحتوىً وكأنّما يتعامل الوزير مع أظلاف الخراف أو بقايا المسالخ!!
فعلى الحكومة أن تتعامل مع الفول السوداني بمُستوى المسؤولية الأخلاقية والاستراتيجية التي يتطلّبها المُجتمع، والفول السوداني لديه ميزة تخصيب الأرض ومخلفاته أعلاف للمواشي.. ووفق إمكانَات الماضي فقد صدّر السودان العام الماضي حوالي (77) مليون طن، وهذا العام إذا تضاعف وفق الإنتاج الوفير والمُنتج، مُتوقِّع أن يجد اهتماماً أكبر من الحكومة مُتمثلٌ في دَعم عَمليات الفلاحة والإنتاج المَرجوّة من حيث التمويل واستيراد التقانات والآليات الزراعية الحديثة وتوفير الدَقّاقات والحَصّادات ومُواكبة التقانة، سيؤدي إلى توسعة الرقعة المزروعة.. فالجميع مع النظافة وعدم التصدير خاماً ومع تطوير الإنتاج وتطوير مصانع الزيوت لكن تَكون من وَقتٍ مُبكِّرٍ وبصورةٍ واضحةٍ والمُنافسة فيها مفتوحة وغير مُحتكرة لأناسٍ مُحدّدين، فالمُنتج غير مسؤول عن ترخيص الأسعار للمُستهلك المحلي.
اليوم بعد صدور قرار وزير التجارة والصناعة الذي تَعَامَل مع هذا المُنتج بكُلِّ سُهُولة وبدون مُراعاة للسُّوق العالمي الذي شَعَرَ اليوم بتخبُّط من خلال القرار، وهناك من يتحدّث أنّ الصينيين والهُنُود بدأوا يعيدون النظر في الشراء من السودان واتّجهوا نحو نيجيريا والسنغال، فهذا الاتّجاه خَطرٌ يَحتم على الحكومة السعي للمُحافظة على السوق الصيني، مع الالتزام بالتطوير الصناعي ومُضاعفة المساحات المَزروعة.
نُواصِل إن شاء الله